الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

المجلس الأعلى للتعليم الأزهري


أوقن أن فضيلة الإمام الأكبر أ.د/ أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، يدرك أهمية الارتقاء المستمر بمنظومة التعليم الأزهري، وأهمية إحداث الثنائية التي لا يمكن أبدًا الاستغناء عنها، وهي (التناغم بين الأصالة والمعاصرة)، أو بتعبير آخر: (الحفاظ على الثوابت، والتعاطي الإيجابي مع المتغيرات)؛ فالحفاظ على بيضة الدين واللغة والُهوية الإسلامية مسئولية لازمة وحتمية للأزهر الشريف ولقد ظل أمينًا ومحافظًا عليها منذ أكثر من ألف وخمسين عاما، وما يزال، وسيظل بإذن الله، وأيضا التجديد في فهم الدين والتفاعل مع المعاصرة والعصرنة ومع وتيرة الحياة المتسارعة وتقديم الضوابط لها، من مهام المؤسسة الأزهرية العريقة..

ولما كان التعليم الأزهري -الذي نفتخر بأننا تعلمنا في رحابه ونهلنا من معينه الفياض- هو الملاذ العلمي الآمن والمأمون على دين الله تعالى (عقيدة وهُوية ولغة وثقافة)، فإن الارتقاء به هو حجر الزاوية في نشر السلام في مصر والعالم؛ لذلك فإننا نثمن مبادرة فضيلة الإمام الأكبر بإنشاء (المجلس الأعلى للتعليم الأزهري قبل الجامعي)، باعتبارها خطوة في غاية الأهمية، للأسباب التالية:

أولا: أن التعليم الأزهري جزء مهم من قطاع التعليم في مصر، وأن الأخير سيشهد في الأيام القادمة حراكًا كبيرًا، ومن ثمَّ لابد للتعليم الأزهري أن يشهد أيضًا حراكًا قويًّا، ولكن بالفلسفة والمنهجية الأزهرية التي أكسبته عبر تاريخه احترام العالم كله. 

ثانيا: أن تطوير منظومة التعليم الأزهري قبل الجامعي هو الخطوة الصحيحة لتجديد الخطاب الديني، كما أنه سيعزز ويؤكد الميراث التاريخي للأزهر ولمصر ومكانتها وقوتها الناعمة على المستويين الإقليمي والدولي...
ثالثا: أن تطوير التعليم الأزهري بصورة منهجية ومستمرة سيسهم في تفاعل الحضارات وإحداث التقارب بين الناس؛ لأن الباحثين المنصفين في الشرق والغرب يؤكدون أن الأزهر الشريف هو الشِّريان الحيوي الذي ينتقل الإسلامُ من خلاله عبر الأجيال؛ ليصلَ إلى الناس جميعا، في كل أرض الله الواسعةِ، في إطارٍ من الوعي العلمي الصحيح الذى ينفي عن الإسلام تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، ويدركون أن أبناء الأزهر في كل مكان هم سدنة العلم الصحيح والوسطية والتعايش.. وهم رمانة الميزان في مواجهة الإفراط والتفريط والتطرف والغلو والتشدد في الدين..

رابعا: أنه سيتح الفرصة لأصحاب الكفاءات والكفايات والخبرات (العلمية والعملية) للإسهام في تطوير التعليم الأزهري، خصوصًا وأن فضيلة الإمام الأكبر ومعاونيه يبحثون عن الكفاءات في كل مكان. 

خامسا: أن التعليم الأزهري هو مركز الحصانة الفكرية والمناعة الثقافية للمسلمين، ومركز زراعة القيم والأخلاق واستنباتها؛ ومن ثم فإن عليه عبئا كبيرًا في إشاعة القيم الإنسانية بما يمكِّن من تحقيق التعايش وقبول الآخر وأيضا محو الصورة الذهنية السلبية عن الإسلام، والقضاء على ظاهرة الإسلام فوبيا. 

سادسا: أن مناهج التعليم الأزهري وفلسفته تقوم على منهجية علمية يستحيل معها الانجرار إلى التطرف أو الإرهاب؛ بل إنها تحارب التطرف في الفكر وفي السلوك، وتحث في الوقت نفسه على القيم الإنسانية الدافعة نحو التعايش السلمي وقبول الآخر والتعاون معه، كالتسامح والعفو والرحمة والمحبة والإحسان وعدم إيذاء الجار والقول بالتي هي أحسن، والنظافة واحترام الوقت وخصوصية الآخرين، وعدم التجسس، وجودة العمل واتقانه، وتعمير الأرض، والاستثمار في الإنسان كإنسان؛ لذلك اكستبت احترام العالم كله، وتزاحم آلاف الطلاب الوافدين على الدراسة بمعاهد الأزهر الشريف وجامعته، ومن ثم يلزم الحفاظ على هذه الميزة التنافسية والارتقاء المتواصل بها.

سابعا: أن ظهور تيارات القتل والعنف والتكفير والتدمير مثل داعش وأخواتها يمثل عبئًا على التعليم الأزهري وتحديًّا آنيًا، وهو يقوم بجهد مضاعف، وبخاصة أن الأنظار كلها متجهة إليه، والأزهر كأي مؤسسة وطنية شريفة يحتاج إلى أن نمد له الأيدي بالدعم والمساعدة والمساندة والفكر والنقد الباني، من أجل أن تظل البوصلة دائما متجهة نحو تحقيق الهدف المنشود.

ثامنا: أن التحديات التي تواجه التعليم الأزهري -وغيره- كثيرة جدًّا، حيث ظهرت في هذا العصر -عصر ثورة الاتصالات والإعلام الجديد- مشتتات كثيرة جدًّا جدًّا، ولابد أن يواكبها ثورة في المشوقات التعليمية والتربوية، حيث نحتاج وبشدة إلى المعلم القدوة الجاذب، والمنهج الجاذب، واستراتيجيات التعليم والتعلم الجاذبة، ونحتاج إلى المعهد الأزهري الجاذب، والامتحانات وآليات التقويم التي تقوم على أسس علمية. كما أن وسائل التواصل الاجتماعي أخذت حيزًا كبيرًا من أدمغة النشء والشباب، ولابد أن يواكبها تعليمًا حديثًا نوعيًّا يركز على تنمية فكر الطالب، بآليات العصر المحببة إليه، وأيضا القضاء على ظاهرة الشحن والتفريغ (شحن المعلومات في الدراسة وتفريغها في الامتحانات). مع مراعاة أن اهتمامات النشء والشباب تغيرت كثيرًا، ولابد أن يُراعي ذلك في فلسفة التعليم وأهدافه وطرئق التدريس وأساليب التعليم والتعلم والمناهج والأنشطة وحتى أساليب التقويم...إلخ، ولا ريب أن مراعاة ذلك وغيره سيكون من صميم عمل المجلس الأعلى الجديد.

تاسعا: أن التعليم الأزهري على الرغم من تطويره فإنه يحتاج إلى ديمومة التطوير والتجديد مع ضرورة الاستفادة من خبرات المبدعين من معلمي الأزهر في الميدان.

عاشرا: أنه يحتاج استثمارًا حقيقيًّا ونقلة نوعية وانتفاضة حقيقية في تكوين المعلم وفي إعداده وفي تدريبه، وفي تقييم أدائه بصورة علمية ومستمرة، باعتباره حجر الزاوية في العملية التعليمية.

ولا ريب أن كل ذلك سيعود بالخير على الأزهر، وعلى مصر، وعلى العالم أجمع. وللحديث بقية بإذن الله تعالى.

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط