الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

للمتباكين.. سيظل القمر يسطع خلف منازلنا


يظل الحنين للماضي سمة بشرية، وأبناء كل زمن من الأزمان ينظرون للأزمان الفائتة باعتبارها الحلم المنشود، ويرون فيما خلا من أيام القيم المثلى المفقودة في زمانهم، ويتحسرون على المبادئ المهدرة، وينظرون للمستقبل بكثير من الخوف على ما بقي من مبادئ وقيم. 

حدث ذلك في كافة الأزمنة، ربما استثني من ذلك عصور الأنبياء، التي جاءت أيضا لإعادة الناس إلى القيم التي تحلى بها أبناء الأزمان الفائتة، وكان سبب بعث الأنبياء هو هذا الهدف. 

ونحن في عصرنا الراهن نسير نفس السير، ويُنْظر للماضي - حتى التعيس منه - على أنه الزمن الجميل! ذلك الجمال الذي لا أعلم من أين أتى به أنصار ذلك الماضي والمتباكون عليه، هم ينظرون لضوء القمر في ليل ريفنا الحزين، ويبكون على الجمال، على الرغم من أن القمر مازال يسطع خلف منازلنا، ويزين حقولنا، يستعيدون ضوء القمر في ليالي السمر التي لم يكن متاحا فيها غير ذلك السمر، وينقمون على ليلهم الراهن الذي تعددت فيه الوسائل، بفضل الطاقة الكهربائية التي وصلت - ليس الآن فحسب - إلى قرانا ونجوعنا، فاختلفت وسائل ذلك السمر، ولو تخيل أحد هؤلاء الباكين على تلك الأيام الخوالي، أنه كان يجب على من عاش فيها أن يخلد للنوم جبرا بعد صلاة العشاء بقليل، والذي إذا اعتبره البعض -وهو كذلك -ميزة، فما الذي يمنع من حدوثه؟! 

يتباكى البعض على أيام كان إرسال التلفاز يبدأ عصرا وينتهي عند منتصف الليل؛ وأذكر أنني كنت أنظر لجهاز التليفزيون بعد انقضاء فترة الإرسال وأتعجب حيث هو لم يعد أكثر من صندوق خشب، ليس له أية قيمة ولا يقوم بأية وظيفة. 

لم تكن كل برامج التلفاز برنامج العلم والإيمان الذي يقدمه الدكتور مصطفى محمود ولا برنامج عالم البحار الذي يقدمه حامد جوهر ولا عالم الحيوان الذي يقرأ تعليقه محمود سلطان، تلك البرامج التي ينظر البعض بعين الحسرة لها، لم يكن لها متابعون كثر، بل كانت قلة من الجماهير، التي يناسبها مثل تلك الموضوعات، هي التي تنتظر مثل هذه البرامج، والآن تم تخصيص قنوات كاملة لمثل هذه الموضوعات، وتبث برامجها أربعا وعشرين ساعة على مدار اليوم. 

أما برامج الأطفال التي يتوق لها البعض فلقد كنتُ أنظرُ إلى أغلبها على أنها تصيب الطفل المصري بالإعاقة الذهنية، نظرا للمستوى البدائي الذي تُعْرَض به، لا شك أنها كانت تحاول غرس قيمة ما في نفوس النشء، تلك القيم التي لا نفقدها في عالم اليوم في القنوات المخصصة للطفل والتي تلعب التقنية الحديثة دورا رائعا في التشويق فيها. 

نَحِنُّ حنينا لتلك الصور التي تأتينا من الماضي لطلاب جامعة القاهرة وهم يرتدون بزاتهم الأنيقة، وزميلاتهم الطالبات وهن يرتدين أحدث خطوط الأزياء، ولا يذكر أحد أن هذه الملابس الرائعة كانت ملابس تلك الطبقة التي تستطيع أن تنفق على أبنائها وبناتها في أعرق جامعات العالم وليس جامعة القاهرة فحسب، فلقد كانت طبقة رجال مال ذلك العصر، هذا ليس مبررا لكي نرى ما هو ليس مناسبا في جامعاتنا اليوم، فقط أردنا أن نضع الصورة كما هي بخلفياتها كاملة! 

إننا نعتز بماضينا اعتزازا كبيرا، لأننا لا نتنكر له، في ذات الوقت الذي لا نضيف من خيالنا له، كما أننا نبكي على كل قيمة مهدرة، ليس في عصرنا فحسب، الذي هو أرقى كثيرا من ناحية إعلاء القيم عما سبقه من أزمان، ولكننا نبكي القيم المهدرة عبر كل المراحل التاريخية؛ نبكي ظلما وقع على المرأة على مر العصور، نبكي استعبادا استرق المستضعفين، نبكي سَحْقًا وقع لأصحاب الحقوق، نبكي إعداما لأصحاب رأي وعلم على مر الأزمان: يأتي زماننا في ذيلها. 

إن ما يستمتع به إنسان اليوم لم يكن يخطر مجرد خاطر في ذهن ملوك ونبلاء وأثرياء العصور المنقضية، وما سيستمتع به إنسان المستقبل لا يدركه خيالنا، كما لم يدرك خيال نبلاء باريس أن ما ظنوه حدثا فريدا بأن يمتلك أحدهم أدوات في جانب في غرفة نومه يقضي فيها حاجته التي يحملها الخدم صباحا للتخلص منها، سيمثل اشمئزازا لفقراء عصور قادمة، وهنا أتفق مع أستاذنا نجيب محفوظ في الإيمان بأن الحياة الإنسانية في تطور مطرد، لو خُيِّر – وما لهم هذا – العقلاء من بني البشر للمجيء لهذه الحياة منذ ألف عام أو الآن أو بعد ألف عام فإنهم بلا أدنى شك يختارون الحياة في المستقبل الذي سيظل القمر – كما هو – يسطع فيه خلف منازلنا التي يعلم الله وحده كيف سيكون شكلها ومن أية مادة سيكون إنشاؤها.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط