الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الحمض النووي.. المعجزة الكبرى وسر الحياة


من يصدق أن شعرة واحدة أو نقطة دم أو لعاب يمكن أن تكشف عن هوية صاحبها ووالديه وأسلافه؟ هذه حقيقة! لأن فيها "بصمة الحمض النووي"، وهي سجل دقيق لا يرى بالعين المجردة لكنه يحوي كنزا من المعلومات الدالة، وربما لكثرة ما يتردد عن عينات الحمض النووي في أخبار الحوادث والقضايا كل يوم، يظن البعض أن هذا كل شىء عنه، كلا.. إن عمله داخل الجسم هو "الحياة"، وتوقفه هو "الموت" !. 

لأغراض التعرف تؤخذ عينة من خلايا بطانة الفم أو بصيلات الشعر أو كريات الدم البيض، وهو تحليل دقته 99.99%، تتم فيه المقارنة بين أطوال مواقع متفق عليها من أحماض الأب والأم والطفل، فإن تطابقت أطوالها عنده وعندهما يثبت النسب.

وسمي الحمض النووي لوجوده في انوية الخلايا، وهو خيوط رفيعة من شفرات وراثية متراصة مجموع أطوالها في الشخص الواحد حوالي 200 مليار كيلومتر، ما يساوي المسافة بين الأرض والشمس ذهابا وإيابا سبعين مرة، ومكانه وسط الخلية كأنه قرص المعلومات والخلية هي الكمبيوتر الذي ينفذ الأوامر.. ولو أراد شخص أن يكتب المعلومات المحفوظة على جرام واحد من هذا الحمض على آلة كاتبة لاحتاج إلى 8 ساعات يوميا لمدة 50 سنة ! وللأسف.. فات بلادنا الكثير من هذا النوع من الأبحاث.

داخل الجسم، يقوم الحمض النووي بما يلي: يجعل الخلايا تعمل ليل نهار دون علم صاحبها، ويحدد هيئة الشخص ولون جلده ولون عينيه ونبرة صوته ومشيته وسلوكه.. حتى مكان الشامة عند الأم وأطفالها مكتوب عنده ! 

ويحفظ استمرار الكائنات على الأرض بالتزاوج، لأن قطعتي حمض من الأب والأم (في الحيوان المنوي والبويضة) تتحدان في خلية واحدة لديها برنامج يسير تلقائيا "لتسليم طفل" بعد تسعة أشهر، أو تسليم فيل أو جمل أو خنفساء إلخ.. حسب شفرة المعلومات المطبوعة عليه ومدتها. 

كما يرسم هذا الحمض أشكال وألوان الطيور والأسماك والفراش والمحار والدود وكل النباتات. وهو قادر على الانقسام وانتاج نفسه باستمرار وتسيير الحياة على مدار الساعة، إنه باختصار "دستور الحياة". 
 
بعد بحث مستفيض تراءت لي معجزة الحمض النووي في الآية 49 من سورة القمر "إنا كل شىء خلقناه بقدر".. لما سئل عليه الصلاة والسلام عن هذه الآية قال "اعملوا، فكل ميسر لما خلق له".. قال فقهاء البصرة: "خلقناه بقدر أي خلقناه بصفة الشىء" أي أنه سبحانه وتعالى وضع في كل مخلوق من خلقه صفات خاصة به.. تفسير أهل البصرة هذا كان الأقرب إلى العلم الحديث، لأن صفات الكائنات الحية مطبوعة ومسجلة على أحماضها النووية. 

عبر التاريخ لاحظ الإنسان أن ذكر الحمير مع الفرس يعطي بغلا، والبغل تظهر عليه نصف صفات الحمار ونصف صفات الحصان.. فكيف يحدث ذلك ؟ بعد اكتشاف تركيب الحمض النووي وطريقة عمله، اتضحت الصورة، وأصبح بالإمكان دمج نطفتين مختلفتين وإنتاج حيوان جديد بصفات مختلطة تقليدا للبغل ! وأمكن تقطيع الحمض وتسخيره وإزالة القطع منه المسببة للأمراض.. وقالوا أن الأنسجة الهجينة أفضل من أنسجة البشر في نقل الأعضاء ! وهذا ما يجري بالفعل في الدول المتقدمة.

من المؤكد أن رجال الدين والحكومات لن تقبل بمثل هذه الأبحاث إذا تعارضت مع الدين والأخلاق، أما لو أدت إلى علاج أمراض مستعصية ومنفعة للبشرية فلا مانع. 
 
وكانت الأبحاث على الحمض النووي في النبات والحيوان أسهل وأقل إحراجا من نظيرتها في الإنسان، ونجحت أبحاث الهندسة الوراثية في تخليق سلالات حيوانية ونباتية جديدة ومفيدة لم تكن موجودة من قبل، زادت من إنتاج اللحوم والحليب والبيض، وأعطت ثمارا أكثر وبلا بذور وتظهر في غير أوانها. 

وبالعودة إلى تقليد البغل، تم مؤخرا إنتاج حيوانات مختلطة كثيرة منها خلط الأسد على النمر، والحصان على الحمار المخطط، ونتج عنها حيوانات جديدة جذابة ذات قيمة جمالية وسياحية عالية، أضافوها إلى حدائق الحيوان عندهم وما زالوا حائرين في تسميتها.. هذا لا يعني أن الإنسان يستطيع أن يخلق، لأن كل ما فعله هو خلط أحماض نووية (نطف) لحيوانات موجودة بالفعل، وتحت سقف الآية "قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا" (البقرة 32). 

المفاجأة الأكبر هي قراءة عينات من الحمض النووي من بقايا بشر عاشوا قبل ملايين السنين أخذت من عظامهم، خصوصا من عجب الذنب (نهاية العصعص)، وهذا الجزء تحديدا ورد في حديث نبوي شريف: "كل ابن آدم يبلى إلا عجب الذنب، منه خلق وعليه يركب" وفي رواية "منه تنبتون"، ولأن الجنين ينمو منه بالفعل كالشجرة، وفيه سجل الإنسان وبعد الموت لا يبلى ومنه يبعث، كان الربط بين الحمض النووي والروح فرضية منطقية وردت لأول مرة في كتاب "الروح والطب الحديث - 2015" لكاتب المقال.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط