الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

ذكرى عاشوراء.. بين لطم الشيعة وامتعاض السلفيين


تحل علينا ذكرى يوم عاشوراء العطرة في يوم العاشر من المحرم من كل عام هجري، وهي الذكرى التي تحمل الحزن والآلام لجل المسلمين الصادقين في مختلف ربوع الأرض، فهي الذكرى التي استشهد فيها الإمام الحسين – سيد شباب أهل الجنة – كما قال عنه الرسول الكريم صلوات ربي وسلامه عليه، وهي الذكرى التي يكثر فيها الجدل واللغط حول علاقة الذكرى باستشهاد عدد من آل بيت النبي الكريم يتقدمهم سبطه الحسين، وعلاقة ما جرى في كربلاء بما يقوم به الشيعة من لطم لوجوههم وضرب على رؤوسهم، يضاف إلى كل ذلك ما نراه من امتعاض السلفيين من إحياء الذكرى من الأساس خوفا من ظهور الشيعة في مصر، أو حتى ظهور الصوفية الذين يعتبرونهم مغالين في حب آل البيت، وأن حبهم لآل البيت يدفعهم لأفعال البدع والشركيات – حسب وصفهم.

وربما نسي الكثيرون أن يوم عاشوراء له أهمية أخرى، فقد أمر الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بصيامه قبل أن يفرض الصوم في شهر رمضان، وعندما فرض الصوم جعل صيام عاشوراء اختيارا للمسلمين من شاء فليصمه ومن شاء فليفطر، وكان صلى الله عليه وسلم قد دخل المدينة فوجد اليهود صائمون فقال ما هذا؟ قال المسلمون إنه يوم نجى الله فيه موسى وقومه – بني إسرائيل – من فرعون فصامه موسى شكرا لله، فقال صلى الله عليه وسلم (أنا أولى بموسى منهم) وأمر بصومه، فصامه المسلمون واحتفلوا به.

ولكن لأننا نحب الجدل والخوض فيه تركنا تلك الأحداث وربطنا عاشوراء بقصة استشهاد الإمام الحسين وحدها، لنفتح الباب كل عام للجدل والأخذ والرد، ويتبادل المتعلمون أطراف الحديث بين مؤيد لطرف ومؤيد لطرف آخر، وهذا ليس فيه خطر، لكن الخطر كله عندما يخوض الجهلاء في القصة وما بها من خلافات، فترى بعض الجهلاء يعتقدون أن الصوفية أقرب للشيعة أو أن بينهم علاقة وثيقة، وهو ما يروج له البعض من أحفاد بني أمية وتابعيهم من تلاميذ الشيخ محمد ابن عبد الوهاب دون فهم منهم لحقيقة ما كان يقصده ابن عبدالوهاب من فتاواه وآراءه، وهذا قد لا يكون خطئا للشيخ ابن عبدالوهاب ولكنه خطأ ممن علموا أنفسهم الدين دون معلم، واجتهدوا فيه دون شيخ أو عالم يوجههم، فقرؤوا الكتب بكل ما فيها وتركوا لخيالاتهم التفكير والتحليل والوصول إلى استنتاجات لا تمت للحقيقة بصلة، لكنها تنطلي على الكثير من غير المتعلمين أو حتى المتعلمين غير المتبحرين في علوم الدين.

والحقيقة أنني أرى في يوم عاشوراء ذكرى طيبة للاحتفال بنجاة نبي الله موسى من عدو الله فرعون، كما أرى أن الحزن الصادق واجب على كل محب لآل البيت الشريف، ففي هذا اليوم لم يقتل المنتسبون للإسلام الإمام الحسين وحده بل استشهد أخوته جعفر وعثمان والعباس ومحمد وعبيد الله وأبو بكر, كما استشهد ولداه: علي وعبد الله, واستشهد أولاد أخيه الحسن "أبو بكر والقاسم"، وغيرهم من أبناء عمومته، أما البكاء واللطم اللذان يحتج فيهما الشيعة بحديث بكاء النبي الكريم على الحسين، فقد اختلف أهل الحديث في صحته فمنهم من قال إن سنده ضعيف ومنهم من قال إنه حسن، وهذا لا يشغلنا لكننا نرى في فعل الشيعة مبالغة لا تتناسب مع الحدث، فهو حدث جلل ومجرد التفكير فيه يصيب أي مسلم منا بصدمة قوية والصدمة عادة تستدعي الصمت، لا اللطم والنحيب فهما من أفعال الجاهلية.

أما امتعاض إخوتنا من السلفيين من الاحتفال بهذا اليوم فأرى فيه حساسية في غير محلها، وقد تدفع البعض منهم إلى التصرف بغير مسؤولية كما حاولوا وقت حكم الإخوان أن يمنعوا الزيارة لمسجد الحسين، كما إنهم يحرمون الصلاة فيه حتى الآن بالرغم من كون القبر ملحق بالمسجد وليس المسجد داخل القبر، لكنها حساسية مبالغ فيها، وكان الأجدر بهم أن يبالغوا في حب كل ما يحبه رسول الله وأن يجعلوا أنفسهم بالقرب من كل ما يحبه رسول الله، لا أن يأمروا الناس بعدم زيارة مسجد الحسين خوفا من الإتيان بأفعال من البدع – كما يرون – بل الأجدر بهم الحث على الزيارة وتوعية الناس بما يجب فعله وما يجب الابتعاد عنه، فالزيارة واجبة وليس فيها شيء كما أن الصلاة في المسجد ليس فيها شيء كما قال الإمام العلامة الشيخ الشعراوي – رحمه الله.

والحقيقة أيضا أنني أرى قوما آخرين صادقين في إحياء الذكرى لا يبالغون في التعبير عن حزنهم كما يفعل "الشيعة" ولا يبالغون في الابتعاد عن الذكرى كما يفعل "السلفيون"، لكنهم يحيون الذكرى بأدب وتأدب مع رسول الله وآله الكرام، إنهم الإخوة المتصوفون، والذين لا يأبهون لهؤلاء ولا أولئك، وإنما مبالغتهم لا تكون إلا في الحب للرسول الكريم ولآل بيته، وهي مبالغة أعتقد أنها مطلوبة فقد أمرنا الله عز وجل بحب رسوله الكريم وإتباعه والسير على هداه، ولكنني آخذ على المتصوفون بعض الأفعال التي تخرجهم من وقارهم في احتفالاتهم، وهو أمر بسيط يمكن تفاديه وإصلاحه.

وأخيرا أدعوا الجميع للاحتفال والصوم في يوم عاشوراء.. أقول لهؤلاء لا تبالغوا في التعبير عن حزنكم.. وأقول لهؤلاء لا تهربوا من التعبير عن حزنكم.. وأقول للجميع أعطوا لكل حادث قدره ومقداره.. وأنزلوا الناس منازلهم.. فهذا الذي تختلفون فيه هو سيد شباب أهل الجنة، أي أنه سيكون سيدك يا من تريد دخول الجنة.. هدانا الله وإياكم.. وكل عام وأنتم بخير.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط