الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د.مدحت عبد الجواد يكتب : الثعلب عاد ليأكل الأندلس الجديد

صدى البلد

لعلك قرأت مثلي وربما تحسرت كحسرتي وشعرت بالمرارة والأسى وبالألم يعتصر صدرك، ولعل عينيك اغرورقت أو أجهشت بالبكاء على الفردوس المفقود ( الأندلس )، ومما يزيدك دهشة حال الأمراء والحكام وقتئذ، ومدى ما وصلوا إليه من أطماع وصراعات دفعتهم دفعًا إلى التقاتل فيما بينهم بدلًا من الاتحاد لمواجهة أعدائهم حتى بلغ منهم الأمر أن استعان بعضهم على بعض بالأعداء، وبالطبع استغل العدو الطامع الحاقد هذه الفرقة فاستولى على ما في أيديهم، وبلغ منهم الخزي والعار أنهم كانوا يدفعون الجزية للعدو، فأسرع حكامهم يقدمونها حرصًا منهم على البقاء في مقاعد الحكم ، وحتى يضمنوا بقاء ملكهم وفي نهاية المطاف فقدوا كل شيء، وضاعت الأندلس وما عاد لها أثر.

وإنني كلما طالعت قصة الأندلس في كتب التاريخ أو الأدب أتذكر قصة مضحكة مبكية عاينت أحداثها،......
اعتادت زوجة جارنا أن تربي الدجاج في حجرة مستقلة فوق سطح منزلها، وفي أحد الأيام اكتشفت أن الثعلب تسلق الحائط، واستطاع أن يخطف إحدى الدجاجات؛ لأنها في ذلك اليوم نسيت الباب مفتوحًا، ولم يخطر ببالها أن الثعلب الجبان سيجسر على التسلق للطابق الأعلى ويخطف إحدى دجاجاتها، ومنذ ذلك اليوم اعتادت أن تغلق الباب بإحكام، لكن الثعلب عاد مرة أخرى، ولما فشل في الدخول من الباب تسلق الحائط، واستطاع أن ينفذ من فتحة في سقف الحجرة؛ ليقفز إلى الدجاج، وهنا قام بخنق الدجاجات جميعها؛ لكنه حاول أن يحمل إحداها ويتسلق الجدار عائدًا ففشل في الخروج؛ لأن الجدار كان مرتفعًا،فحاول وحاول دون جدوى، فمكث مكانه ينتظر مصيره عند قدوم صاحبة المنزل التي صاحت بأعلى صوتها عند اكتشاف الكارثة، وتجمع الجيران يحملون العصي، ودخل أحدهما يحمل عصا صلبة، وضرب الثعلب عدة ضربات، فاستلقى طريحًا وأخرج روائح كريهة حتى بدا لنا أن الضرب ربما مزق جسده، وهذه الروائح من أثر الضرب، فتقدم أحدنا وسحبه من ذيله؛ ليخرجه حتى يلقيه خارج المنزل في مكان بعيد،ازداد انبعاث الرائحة الكريهة منه، وكلنا يضع يده على أنفه من شدتها، وعندما سحبنا الثعلب لخارج الحجرة... فجأة قام مسرعا وسابق الريح دون أن يقدر أحدنا على اللحاق به .


فهل عاد الثعلب مرة أخرى ليأكل دجاجنا؟! وهل ترانا سندافع هذه المرة عن حظائرنا ؟!!هل يعود التاريخ بنا لعصر سقوط الأندلس فنعطي الجزية ونحن صاغرون ؟!! أم ترانا سنتحد لمواجهة ثعالب شتى تطمع في دجاجاتنا؟!!
إننا متكاتفون للدفاع عن حظائر جيراننا وعن حظائرنا، ونحن نقف ضد كل ثعلب يحاول خداعنا؛ ليلتهم دجاجنا مهما كانت جنسيته أو نوعيته أو حجم مكره وخداعه، ومهما تحين كل فرصة؛ ليدخل حظائرنا ويلتهم دجاجنا.

 
فإذا كنت ممن يهوى القراءة ، ويتابع حركة الثقافة العالمية فلعلك قرأت أو تعرف شيئًا عن أكثر الكتب التي حققت رواجًا وونسبة مبيعات خلال الفترة السابقة، وأهمها ثلاثة كتب تتحدث عن ثعلب آخر، يعوي ويجمع قطعانه من الثعالب ويدعوهم إلى مهاجمة دجاجنا، ويالها من وليمة يشتهيها ويدعو من شاء إليها، ولقد استطاعت هذه الكتب الثلاثة أن تسجل لنا صفاته وتكشف أمره وتبين حقيقة نواياه، وكأن العناية الإلهية أرسلتها نذيرًا لمن يتعظ، وقد يحتاط الفطن لمكر الثعالب،فأما الكتاب الأول: مؤلفه صحفي شهير من فصيلتهم يدعى( بوب ودورد ) والكتاب بعنوان ( الخوف )، وهذا الكتاب باع أكثر من ( 1،1 ) مليون نسخة في الأسبوع الأول من ظهوره فقط ، ولك أن تتخيل ما حواه الكتاب من وصف لثعلبهم؛ليحذروه ويحذروا شره الذي سيجر عليهم الويلات ويدخلهم في صراعات لأجل أطماعه، والكتاب الثاني : تأليف ( مايكل وولف ) بعنوان ( النار والغضب ) ، والذي احتل المركز الأول في المبيعات على موقع الأمازون، ويتحدث عن قصص واقعية من خلال أحداث يقصها المساعد الأول( ستيف بانون )، وقد حوى الكتاب في طياته مؤامرات الثعلب وحيله لتحقيق أطماعه، أما الكتاب الثالث : بعنوان ( المعتوه ) وهو من تأليف ( أوماروسا نيومان )المساعدة السابقة للثعلب، والتي وصفت فيه الثعلب بالعنصرية ضد إفريقيا وضد السود وغيرهم من الجنسيات، كما وصفت حجم تفكيره الذي لا يتعدى تفكير طفل في الصف الخامس أو السادس الابتدائي .


تمثل الكتب الثلاثةحجر عثرة أمام إدارة الثعلب،والتي حاولت بكل الوسائل منع إصدار هذه الكتب دون جدوى،ولما فشلت خرجت من آن لآخر تنفي ما ورد بها من أحداث .

لكن الواقع يؤكد ما ورد بالفعل من أوصاف وأطماع، وما يسلكه الثعلب من وقت لآخر من حيل وطرق ملتوية لجمع المال والسيطرة على خيرات العالم، وخاصة دول النفط، فهل نترك الثعالب تدخل حظيرة جيراننا بينما نقف موقف المتفرج ؟!!وليس أدل على ذلك من الأحداث الأخيرة التي بدأ يعوي فيها وينفخ النار؛ ليشعل وطيسها لا لشيء إلا ليحقق مأربه بدخول حظائرنا والتهام دجاجنا، فأسرع بالتدخل لاستغلال الحدث بتعبئة الرأي العام ضد بلاد النفط ، وتحريض قطعانه من الثعالب وإقناعهم أن هذا حقهم لحمايتهم للعالم ... والحق أنه يسلك مسلك البلطجة الجبانة، ويعود لفرض الجزية على حكام الأندلس الجديد بصور مختلفة، ولا أدري منذ متى يقتنع أصحاب الحظائر بصلوات الثعلب ويعطونه مهمة حراسة حظائر الدجاج ؟! ورحم الله شاعرنا شوقي حينما أنشد قائلًا :(برز الثعلب يوما ..فى ثياب الواعظين) (فمشى فى الأرض يهدى ..ويسب الماكرينا )(ويقول الحمد لله ..إله العالمينا) (يا عباد الله توبوا ..فهو كهف التائبينا)(وازهدوا فى الطير إن ..العيش عيش الزاهدينا)(واطلبوا الديك يؤذن ..لصلاة الصبح فينا) (فأتى الديك رسول ..من إمام الناسكينا)(فأجاب الديك: عذرا ..يا أضل المهتدينا) (بلغ الثعلب عنى ..عن جدودى الصالحينا) (أنهم قالوا وخير..القول قول العارفينا) (مخطىء من ظن يوما ..أن للثعلب دينا)
فهل عاد الثعلب من جديد ؟! فحذار ... حذار على الدجاج !! فقد عاد الثعلب ليأكل الأندلس الجديد.