الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

نورهان البطريق تكتب: أبراج المراقبة‎

صدى البلد

بات "فيس بوك" واحدًا من أحد هذه الأبراج، بل ويعد أخطرها على الإطلاق، فأصبح من ضمن آفاته -التى لا تعد ولا تحصى- أنه سلاح قوي في مسألة المراقبة ويمكن اتخاذه وسيلة لغاية أكثر خطورة ألا وهي التجسس على الغير.

أضحت بيوتنا المصرية على شفا حفرة من الانهيار، فأمست كل زوجة ترغب في التأكد من إخلاص زوجها لها تتخذ "فيس بوك" سبيلا لها حتى تصبو إلى مرادها، دون النظر إلى سقف البيت الذي سيهدم على رؤوس الأولاد، والتفكك الأسري الذي سيلحق بهم تعقبا لهذه الخطوة التى تشبه القنبلة الموقوتة والتى قد تنفجر بين الحين والآخر، فنبقى على انتظار، ونظل تحت رحمة شبكات التواصل الاجتماعي حتى تلفظ بكلمة إما نبقى بها على قيد الحياة ويظل البيت راسخا، وإما أن تذوره الرياح بعيدًا بعد أن تجعله أنقاضا.

لا أبحث عن مبرر للخيانة، ولا أدعو الزوجات للاستمرار حال اكتشافها إياها، إنما أنتقد الأسلوب المتخذ والطريقة المتبعة لاكتشافها، فكم من زوجة افتعلت صفحة باسم مفبرك كان الغرض منها الوصول لزوجها لمعرفة مدى استجابته لغيرها؟! وكم من زوج انكشف له أمر زوجته بعدما واجهته بالشات أو بغيرها من الوسائل المختلفة، وجاءت ردة فعله مخالفة للتوقعات، وقام بتطليقها حال علمه بما بدر منها من تصرف مرفوض من جانبه وغير مقبول بالمرة؟!

علينا ألا ندفن رؤوسنا في الرمال ونعترف أن أغلب الرجال يستجيبون لطلبات الصداقة الجديدة، وينجرفون سريعًا للتحدث عن حياتهم الشخصية وسرد مشكلاتهم الزوجية ثم سرعان ما يحدث فخ التعلق والحب المزيف، فمنهم من يختلق أعذارا باسم الصداقة، ومنهم من تشهد عليهم أيديهم ومحادثاتهم أن الأمر قد تعدى مرحلة الصداقة بكثير.

وعلينا أن نقر أيضًا أن أغلب الزوجات لا يهدفن إلى الطلاق بعينه عندما تفتش في هاتف زوجها المحمول أو جهازه الإلكتروني، إنما تهدف أن تكون نزوة، تطوي صفحتها لتفتح معه صفحة جديدة، فهناك فئات لا تقدر على تحمل أعباء الطلاق ولا العواقب التي تخلف عنه، فأغلب السيدات لا تملك دخلا خاصا من خلال وظيفة، إنما أغلبهن ربات بيوت فضليات ينجبن طفلين على الأقل ولا عائد لثلاثتهم سوى دخل الأب، إلى جانب العواقب الوخيمة التى ستلحق بهم من أذى نفسي للأطفال وتشتت أسرى، والعراك المتعارف عليه دائما وهو أحقية كل منهما في انضمام الأولاد إليه، ودائما ما ينضمون إلى من هو أكثر قدرة على شحن بطارياتهم بالحقد والضغينة تجاه الآخر، فصاحب النفس الأطول والمتفنن في خلق مشاحنات، وصنع جو من الكراهية، وإلقاء التهم، وافتعال قصص بغيضة لتشوية صورة أحدهما، هو غالبا الطرف الذي ينضم إليه الأولاد بعدما يصابوا بالخلل النفسي والتشويه العقلي الذي استطاع أن يكون صورة غير طيبة عن الطرفين.

وهنا يظهر دور "فيس بوك" ليحدث الصدام، رجل يكتشف أن زوجته أنشأت حسابا إلكترونيا  مزيفا لتحدثه على أنها أخرى لتتلاعب بمشاعره، فيبدأ الشيطان يصب عليه وساوسه، بأنها قد فعلت الأمر نفسه مع غيره قبل الزواج، وقد يصل به الجنون إلى أن يفكر في أنها قد تكون تحدثت مع غيره أثناء فترة غيابه عن المنزل، وفي تلك الأثناء نرى الزوجة التى تخترع لنفسها عذرًا للحفاظ على بيتها، فبينما كانت نتنظر منه ندما، نتفاجأ بتعنت يسوقها إلى الطلاق، وعناد يؤدي بها إلى الهلاك، فلو أنها واجهته بأي وسيلة أخرى، لكان من المحتمل أن يعود إلى صوابه، إنما تبقى الوسيلة الإلكترونية الشرارة التى يبدأ من عندها الاشتعال في كل ما يتعلق بالعشرة والزواج، ولا يبقى سوى شيء واحد وهو الطريق الملتوي الذي سلكته الزوجة لتكتشف أمر خيانته.

كيف يمكن للطرفين أن يجتازا هذه النقطة لاستكمال الحياة من بعدها؟! وهل ينسيان حقًا أم أنهما يتظاهران بالنسيان؟!

قبل ظهور "فيس بوك" كانت الحياة أكثر مرونة من الآن، كان من الممكن ألا ينكشف ستر الزوج من جانب الزوجة حتى يردع ويعود من تلقاء نفسه، أما عن الزوجة ففي حالة اكتشافها أمر خيانة زوجها، فإنها تفسح المجال للتسامح لتبقي حبال الوصال قائمة بينهما، أما الآن فبمجرد أن ينكشف الأمر، يقف الاثنان لمجابهة بعضهما البعض، دون قبول عذر أو السماح للدفاع عن النفس، ساعد "فيس بوك" الأزواج في جلد بعضهما دون شفقة أو رحمة، فلم نعد نتعجب من حالات الضرب والطلاق التى تنتجان عن اكتشاف صفحات إلكترونية مفبركة تحمل اسم إحد الزوجين.

في الأزمنة التى كانت تسبق الأزمنة الإلكترونية، كان بإمكاننا أن نتجنب أذى صديق أو نحجب عنا قسوة غريب، أو نتصدى لخداع قريب من خلال الابتعاد عنه، أما في وقتنا الحاضر بات الأمر صعبا إن لم يكن مستحيلا، أصبح كل منا مستباحا بطريقة أو بأخرى من طرق الوسائل التكنولوجية الحديثة، فساذج من يظن أن طوفان الأذى يتوقف عند الحظر أو كما يسمونه "البلوك"، فإنه ليس إلا بابا من ضمن أبواب كثيرة تطل على حياتك الخاصة، فبريد إلكترونى مزيف قادر أن يجعل الآخر يتلصص عليك دون الحاجة إلى أذان، وصفحة مفتعلة تحمل اسم مستعار كفيل أن تجعل أحدهم يشاركك بيتك دون أن تشعر، وإن كنا لا نخلي أنفسنا من المسئولية، ثمة مستخدمين ينقلون حياتهم الشخصية إلى المواقع الإلكترونية، فهم لا يشهقون ولايزفرون إلا بأمر من "فيس بوك"، فالاستخدام غير العادل ساقنا في نهاية المطاف إلى أن نسجل على حساباتنا الإلكترونية، أين نكون؟! وماذا نأكل؟! ومع من؟!

فلم يعد الأمر يقتصر على ترويج الشائعات، واختراق الحسابات، وانتهاك الخصوصيات، وانتحال الشخصيات، بل وصل الأمر إلى التعشش داخل بيوتنا والدفع بها إلى هوة الخراب وهدم سقف الثقة بين الطرفين، فيتخلل الشك بين أركانه والتى يتسرب منها الخيانة، علينا أن ندفع "فيس بوك" وغير من الوسائل الخرابية خارجًا عن بيوتنا، وأن نطرح كل فكرة تسوقنا إليه أرضا، وأن نتجنبه حتى يلفظ أنفاسه الأخيرة وأن نسد الثغرات التى تجعله يتسلل منها، لا سيما في أوقات ضعفنا، وعندما يتمكن الشك منا، فالبيوت التى قوامها المودة والرحمة لا تتزحزح بسبب عالم افتراضي، ولا تتذبذب بسبب وسائل إلكترونية مخترعة.