الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أحمد سمير يكتب: رحلة في مصلحة حكومية‎

أحمد سمير يكتب ..
أحمد سمير يكتب .. رحلة في مصلحة حكومية‎

الآن أنا جالس في مصلحة حكومية محاط بالكثير من الناس يقفون في طابور طويل كفيل بأن يجعلك تستحضر ذلك المشهد المفزع الذي نقرأ عنه في يوم القيامة ، الكل واقف مضجر يحاول ان يتحمل أملا في أن ينتهي ويقضي مصلحته و يستلهم الصبر من مقولة يقولها في سره وهو مغتاظ (هخلص مصلحتي ومش هاجي هنا تاني ) يبدو هذا مضحكا جدا لكن صدقني هذا الموقف سيجعلك تتدبر الآية الكريمة القائلة ( والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس ) هذا كان واضحا علي مجموعة من الناس واقفين صامدين أمام تحقيق أهدافهم العظيمة وهي الوصول لشباك الموظف .

أما المجموعة الأخرى فأصبحوا عِشرة مع مرور الوقت أخذهم الحديث عن شؤونهم الخاصة الي شؤون العامة في محاولة منهم لإنشاء علاقة اجتماعية تهون عليهم الوقت ناهيك عن اولئك الذين إن سألتهم عن اى شيء خاص بالأوراق المطلوبة والخطوات التي يجب اتباعها وما هو الشباك المناسب للوقوف فيه لايجاز المهمة أجابوك بمهارة شديدة وحفظ مُتقن ليس لأنهم موظفين حكوميين متخفين بيننا بل من الواضح أنهم قضوا هنا في الطابور أعمارًا و أعمارا لفتنى أيضا مجموعة من الناس تتوسط الطابور يصرخ واحد منهم بغضب وثورة شديدة في وجه الموظف المتكاسل لمحاولة إحراجه أمام الطابور لعل الناس تضغط عليه ليعمل بجدية وهمة بينما يرد الموظف الحكومي من فوره ويقول كلمة تقلب المشهد رأسا علي عقب وهي ( السيستم وقع) فتجد كل الطابور في حالة من الصمت والذهول للحظات ثم يبدأ بتعنيف ونهر هذا الشخص الذي ثار وتنهال عليه الكلمات من الناس لماذا فعلت ذلك ؟؟ انت بهذا تعطل مصالحنا .

أنت احمق وطائش ... انت قليل الادب ... وبعد ان يصمت الشاب وينكمش تبدأ المياه ترجع لمجاريها بهدوووء يكسره ضحكات المجموعة الأولي في الطابور ، إحساسهم بأنهم قريبين من الشباك وأنهم علي وشك الانتهاء جعلهم يصطنعون النكات والإفيهات التي من شأنها أن تهون عليهم تلك المعاناة التي بدأوها منذ زمن بعيد أمام الشباك ، كانت ضحكاتهم رائعة وشاذة في آن واحد كنت قلق جدا بشأن صحتهم العقلية التي تأثرت من طول الانتظار في الطابور ، علي أى حال هنيئًا لهم علي الاقتراب من نهاية هذه الرحلة المؤلمة .

كل هذا لم يحرك فيّ ساكنا لأنني معتاد علي هذه الأنماط المتكررة في أى مصلحة حكومية مخصصة لعامة الناس لكن ما لفت انتباهي بشدة في هذا الطابور هو شخص يبدو عليه التعقل يحاول ان يسرد حلولا لهذه المأساة فاقترح ان يزداد عدد الموظفين في هذه المصلحة الحكومية لاستيعاب هذا الكم من المواطنين بينما يؤخذ من كل مواطن خمسة جنيهات كرسم دخول يتقاضي الموظفون الجدد مرتباتهم من حصيلتها شهريا لتخفيف الضغط عن الموازنه العامة وميزانية مرتبات الموظفين الحكوميين أو شراء أجهزة كمبيوتر بأنظمة حديثة بدلا من الموظفين الجدد لتيسر العملية الخدمية للمواطنين وايضا من خلال حصيلة رسم الدخول الذي ذكرته ، كانت اقتراحاته سليمة وواقعية تقوم بتحسين الوضع لكل الواقفين في الطابور لكن ما صدمني أني تقريبا كنت الوحيد الذي أسمعه وسط هذا العبث العتيق.