الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

دور الميليشيات في الصراع الدولي


الإرهاب ليس كيانا مستقلا بذاته.. إنه حالة يتم استخدامها والاستثمار فيها.. فهذه الكيانات المليشياوية على اختلاف اشكالها.. لا يمكن لها العيش بدون إمداد دائم ومستمر بالسلاح والمال.. وكذلك فإن حركتها على الأرض ليست عفوية.. إذ تتركز أغلب هذه الميليشيات والمجموعات المسلحة في مناطق استراتيجية حاكمة . 

سابقًا كان للميليشيات على اختلاف أنواعها أدوار جيوسياسية .. وكانت أداة للضغط والتفاوض .. الآن تحول الإرهاب الى لاعب جيواستراتيجي يلعب الأدوار الرئيسية في القيام بما لا تستطيع ان تقوم به الجيوش .. وبدأ ذلك مع التحول التاريخى الذى أحدثته داعش .. بعد ان قام الميليشيات الارهابية بتفريغ الأراضي من سلطة الدولة وتفريغ السكان .. والحفاظ على هذه المناطق في حكم المناطق الرخوة. 

كل منطقة من العالم لها مفاتيحها .. والمقصود بالمفاتيح النقاط الرخوة التي يمكن من خلالها التحكم في مجريات الأحداث فى إقليم ما .. ولهذا فإن الميليشيات باتت الأداة الأكثر استخدامًا في تحريك المشهد الدولى .. أو التأثير في معادلات وتوازنات القوة فيه.

في أمريكا الجنوبية كانت المخدرات وعصابات المافيا هي إحدى الوسائل التي تم من خلالها إدارة حالة الصراع – السلفادور مثال على ذلك - وكانت إحدى وسائل السيطرة على المناطق الحدودية وداخل المجتمعات ونقلها والتحكم فيها والسيطرة على بنية المصالح داخل المجتمعات واتجاهاتها، بل وصلت الى حد انها مارست السياسة والحكم . 

فى افريقيا خرج الاستعمار العسكري.. مخلفًا وراءه مساحات فراغ أمني هائلة .. وبنية مؤسساتية ضعيفة للدول .. مما أدى الى دخول افريقيا في حقبة الحروب الأهلية التي تكبدت خلالها افريقيا كل أشكال المعاناة الإنسانية . 

وفي الوقت الذى بدأت تنتهي فيه اشكال الحروب الأهلية المباشرة التي عانت منها افريقيا لعقود طويلة .. وبدأت تظهر فيها ملامح لأشكال الدولة والنظام السياسي مما أدى الى نماذج من الاستقرار وأشكال متعددة من الاستثمار كان اغلبها صيني.. إذا بالإرهاب يظهر ليعيد إنتاج مشهد الفوضى. 

أن الميليشيات الإرهابية على اختلاف أشكالها في افريقيا هي أحد أشكال الإستئناف للحروب الأهلية مرة أخرى في القارة لكن بطرق أخرى .. وهذا لا يمنع أن كثير من هذه التنظيمات الإرهابية قامت بالأساس على أصداء حروب قبلية أو نزاعات عرقية وجهوية .. لكن المؤكد أن استدامة حالة الصراع واستمراره .. اعتمدت بالأساس على مساعدة تلقاها حاملو السلاح من أطراف أخرى . 

إن التحول الانتقالي في شكل الإرهاب لم يبدأ مع داعش .. وإنما بدأ مع تجربة التحالف بين طالبان والقاعدة .. على أصداء الصراع العرقي والقبلي في أفغانستان .. وبأشكال مختلفه يحدث هذا الأمر باستمرار في اختراق البنية الاجتماعية للأقاليم التي يسعى الإرهاب إلى الاستدامة فيها. 

أن الإرهاب في نسخته الأخيرة الداعشية .. يعتمد على سياسة تفريغ النفوذ للدولة أو القبيلة أو حتى التوازن الاجتماعي الذى يحكم الإقليم الذى يستهدفه .. ويتجه الإرهاب بعد ضرب مكونات الحكم وقاعدته الاجتماعية .. الى تثبيت موضعه بالاعتماد على سياسة التهجير والتفريغ للتجمعات الكبرى.

ومن أجل استدامة وجوده وتطبيع موضعه تسعى الميليشيات الى اكتساب شرعية مستوحاه ومعتمده على الصراعات المحلية والانتماءات القبلية والجهوية والمذهبية لتصنع منها قضية سياسية تؤمن له التغلغل في عمق البنية الاجتماعية للإقليم الذى يسيطر عليه .. في تأسيس مناطق نفوذ مستدامة وإخراج هذه المناطق من سيطرة الدولة المستهدفة .

هنا يكمن السؤال الجوهري .. اين تقع مناطق الميليشيات؟ .. هى في الغالب مناطق مهمة وحاكمة .. او مناطق تماس استراتيجي بين قوتين عظميين .. أو على تخوم ممر مائي حاكم .. او بالقرب من خطوط النفط والغاز أو في مناطق فاصلة بين طرفى نزاع . 

في الشرق الأوسط وفى أفريقيا ووسط آسيا وأوروبا وأمريكا الجنوبية .. الميليشيات الإرهابية على أشكالها المتعددة.. أصبحت ممارسة للسياسة بوسائل أخرى .. وهنا يكمن جوهر القضية .
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط