الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

قسم الأطباء.. و"قسمتهم"


نظرا لأن الطبيب يتعامل مع شيء من صنع الله لا يباع ولا يشترى، برزت الحاجة إلى مراقبة عمله منذ القدم، ووضعت كل الحضارات القديمة خطوطا عريضة لذلك، لعل أشهرها قسم أبقراط (400 ق م) الذي ما تزال بعض فقراته سارية إلى اليوم، ومنها: "أن أساعد المريض بقدر ما أستطيع، وأن أحفظ أسرار مرضاي، وألا أعطي سما لأحد، أو أتسبب في إجهاض، وأن أحترم من علمني المهنة".
بعد الحرب العالمية الثانية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وتماشيا مع مستجدات العصر أضيفت فقرات جديدة إلى هذا القسم مثل "وألا أضع اعتبارا للديانة والقومية والجنس والاتجاه السياسي عند أداء واجبي".. وأيضا "أن أحترم حقوق زملائي وألا انتقد أيا منهم أمام المريض، وألا أقبل أو أعطي رسوما بغرض جلب أو تحويل مريض من مكان إلى آخر".

وهكذا، توسع القسم ولم تعد له صيغة موحدة، وكل دولة أو حتى جامعة بإمكانها أن تضيف إليه ما تشاء.. وأيا كانت صيغته، تبقى تلاوته من أهم طقوس احتفالات تخرج الأطباء حول العالم. 

ومع أن إحدى فقرات القسم الثابتة عدم إفشاء سر المريض، إلا أن هناك استثناءات من هذه الفقرة في ثلاث حالات فقط: إفشاء السر لطبيب آخر إن كان ذلك في مصلحة المريض، وللأقارب عندما يتعلق الأمر بالرعاية، وللمصلحة العامة، عند انتشار وباء أو للتحذير من سائق أو طيار يعاني من الصرع.

وخارج صيغة هذا القسم، هناك سلوكيات كثيرة على الطبيب أن يلتزم بها حتى لا يتصادم مع تقاليد المجتمع ونصوص القانون، فمثلا لا بد من الحصول على موافقة المريض في كل صغيرة وكبيرة، بدءا من رفع الملابس عند الفحص إلى إجراء العمليات وإدخال المناظير والقسطرة، مع شرح مفصل لما سيحدث وإبلاغه بأي مضاعفات محتملة، وفي حالات الأطفال والمتخلفين عقليا تؤخذ موافقة ذويهم.

من جهة أخرى، هناك من يرى أنه ليس من الضروري شرح كل شيء للمريض حتى لا يؤدي ذلك إلى تخويفه وانسحابه ويكون هو الخاسر، ولا بد من إيجاد حل وسط وصيغة "دبلوماسية" لحسم الموقف.

الطبيب يتعامل مباشرة مع الحياة والموت، وعمله يختلف عن عمل المهندس الذي يرسم بناية، أو معلم يقوم بشرح مقرر دراسي.. فكيف ومتى توجه تهمة الإهمال إلى الطبيب؟

هناك حالات واضحة تؤكد خطأ الطبيب عن جهل أو إهمال، كإزالة كلية سليمة لمريض دخل غرفة العمليات لإزالة كلية فاشلة بسبب خطأ في قراءة الأشعة، أو بتر قضيب لرضيع أثناء عملية طهارة، أو ترك آلات جراحية ومناشف في بطن المريض، وقد تحدث أخطاء أخرى لكنها أقل وضوحا ويصعب كشفها وإثباتها.

والمؤسف ما ينشر أحيانا في وسائل الإعلام عن قلة من الأطباء تخل بالقسم الذي أقسمته جريا وراء المال، وذلك بضلوعها في أعمال محظورة كتجارة الأعضاء والإجهاض وختان الإناث، وهي جرائم يعاقب عليها القانون. 

لكن لا بد من الإنصاف وقول الحق، والتذكير بإحترام الطبيب وما يجب أن تكون عليه أخلاق المريض أيضا، بمعنى أنه كان يجب على المريض أن يقسم هو الآخر على احترام الطبيب كما أقسم الطبيب على احترامه، فما أكثر الإهانات والاعتداءات على الأطباء ظلما وعدوانا خصوصا في المستشفيات العامة. 

يأتي المريض وأقاربه إلى المستشفى وهم مشحونين ويتصورون أن الطبيب يجمع الملايين، وهو المسئول عن كل شيء، حتى قلة إمكانيات المستشفى وعدم نظافتها هو السبب فيها، ولا يدركون أن أعباء الطبيب ثقيلة ويعمل تحت هرم إداري معقد، وراتبه في بداية مشواره أقل من الحد الأدنى، ومعظم أحمال المستشفيات على أكتاف الأطباء الشباب، لدرجة أن الكاتب الساخر أحمد رجب في مقاله المختصر "نص كلمة" في صحيفة الأخبار، اقترح ذات يوم إضافة شريحة الأطباء الجدد إلى شرائح مستحقي الزكاة!.. علما أن الطبيب المصري لو سافر إلى دولة أجنبية سيحصل على 30 ضعفا لراتبه.

في الماضي كان يقال لمن يدخل كلية الطب أن في انتظاره عند التخرج "5 ع"، ويقصد بها "عيادة وعربية وعروسة وعزبة وعمارة".. وبعد دراسة شاقة ومكلفة لسبع سنوات، يتخرج الطبيب ويجدها كلها أوهام، والمحظوظ منهم فقط، من يحصل على واحدة من هذه الخمسة. 

يتخرج في مصر تقريبا 9 آلاف طبيب كل عام، وهذا العدد قليل إذا علمنا أن هجرة الأطباء إلى الخارج تتسارع، وفي نفس الوقت يزيد عدد سكان مصر بأكثر من 2 مليون سنويا.. وكما تشير إحصاءات وزارة الصحة، فإن مصر تعاني من نقص شديد في الأطباء وبحاجة إلى 36 ألف طبيب إضافي بحلول عام 2020. 
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط