الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الإنسان والأمراض


أحصى العلماء عدد الأمراض التي تصيب الإنسان وقالوا إنها تزيد على المائة ألف! والأغرب أنها في ازدياد بسبب ظهور أمرض جديدة من وقت لآخر.. ورغم ذلك، نجد الدول والشعوب مشغولة بالفتن والحروب، ولا أحد يكترث لتحذيرات العلماء.

تقسم الأمراض بعدة طرق: معدية وغير معدية، أو إلى مجموعات، مثل الأمراض المعدية والسرطانية والنفسية والغذائية والخلقية والجينية والمناعية، وأحيانا حسب الأجهزة، فيقال أمراض جلدية أو صدرية أو عصبية إلخ، وهناك تصنيف آخر حسب قدرتها على حصد الأرواح، فنجد أعلاها قتلى الطاعون والجدري تليهما الملاريا والكوليرا والدرن وأمراض القلب وضغط الدم والسكري.. وهكذا.

وفي تقريرها لعام 2017 نظرت منظمة الصحة العالمية من زاوية أخرى، واعتبرت الأمراض المعدية هي السبب الرئيسي للموت في الدول الفقيرة، وفي الدول المتقدمة أمراض القلب والسرطانات، تليها الحوادث والزهايمر والسكري ثم الإنفلونزا والالتهاب الرئوي.

في القرن الرابع عشر الميلادي مات 50 مليون مواطن في أوروبا (60% من إجمالي السكان) بسبب موجة من وباء الطاعون استمرت سبع سنوات، وخلال القرن العشرين مات 500 مليون شخص بمرض الجدري، وفي عام 1918 قتلت الإنفلونزا 40 مليون شخص.. قد ينسى المواطن العادي ذلك، لكن العلماء لا ينسون ويؤرقهم هاجس تكرار تلك الكوارث في أي لحظة.

ورب قائل إن تلك الأيام قد ولت ولن تتكرر لأن الطب تقدم، لكن هناك دائما مستجدات، فعندما تأتي التحذيرات من منظمة الصحة العالمية فلا بد أن تؤخذ على محمل الجد.. تقول تقارير المنظمة بشأن استخدام المضادات الحيوية أن في نصف الحالات، إما المضاد الحيوي غير مطلوب أو لا يعمل بكفاءة، مما يتيح ظهور أنواع جديدة من البكتيريا شديدة المقاومة التي قد تتسبب في زوال الجنس البشري يوما ما.. وهناك هاجس الحرب النووية التي لو اندلعت ستمحو الجنس البشري لتحل محله الصراصير لأنها لا تتأثر بالإشعاع النووي.

ويبقى الإنسان ضعيفا مهما ابتكر من مضادات حيوية وأسلحة دمار، وتلك حقيقة ذكرها القرآن الكريم في سورة النساء "وخلق الإنسان ضعيفا" (28).

يتطفل على جسم الإنسان عددا هائلا من الطفيليات: حشرات وديدان وبكتيريا وفيروسات.. من يتابع ويتأمل سلوك هذه الطفيليات وأساليبها الملتوية يتعجب ويندهش، لأن أفعالها وأساليبها لتحقيق غاياتها تدل على أنها من فعل عقل مدبر، مع أنه لا يوجد من بينها من يملك عقلا في الأساس.

أنثى الأسكارس تضع 200 ألف بويضة يوميا في أمعاء المريض ليخرج هذا العدد الهائل مع برازه عسى أن تصل واحدة أو اثنتان منها إلى بطن شخص آخر وتضمن استمرار جنسها، ديدان الاكسيورس الشائعة عند الأطفال تضع الواحدة منها 10 آلاف بويضة عند فتحة الشرج ويتكرر صعودها ونزول غيرها لوضع البيض طوال الليل مسببة آلاما وحكة تحرم الأطفال النوم، وبالتأكيد تنتشر هذه البويضات وتعدي باقي الأسرة.. ولكثرة أنواع الديدان وأعدادها، قدر عالم عدد الديدان الموجودة في أجسام البشر، وقال إنها لو قسمت على أهل الأرض جميعا لكفت دودتان لكل فرد!

كم من كبد دمرته ديدان البلهارسيا وتسببت في موت الآلاف وهم في قمة شبابهم وعطائهم، وكم من مرضى تضخمت أطرافهم السفلية بسبب ديدان الفيلاريا، وقد تصل هذه الديدان حتى إلى العين، فيبيض لونها ويفقد صاحبها البصر، ليس من بياض العدسة ولكن لامتلاء كرة عينه بالدود.

تستبسل الديدان من أجل البقاء في جسم الإنسان بثلاثة طرق: بأعدادها الكبيرة في البطن الواحد، وبطرح كمية هائلة من البيض يوميا، أو باختيار وسيط غير متوقع كالبعوض والمحار والكلاب لضمان انتشارها.

البعوض وبق الفراش والبراغيث والقمل والقراد وحتى بعض أنواع الذباب (الذبابة السوداء والتسي تسي وذبابة الرمل) تمتص دم الإنسان، وليت من يأخذ وجبته يرحل بسلام، بل ينقل الأمراض. البعوضة تمتص الدم وتغرس في نفس اللحظة واحدا من عشرين مرضا تخصصت في نقلها بين الناس من أشهرها الملاريا!

وكما تحتاط الديدان وتخطط من أجل بقائها، تفعل البكتيريا والفيروسات ما هو أكثر من ذلك، إذ تغير من تركيب نفسها لتتحاشى تأثير المضادات الحيوية كما ذكرنا، ويخشى خبراء منظمة الصحة العالمية أن يأتي يوم لا يمكن التحكم فيها! ومع أن دولا قليلة تقوم بهذا النوع من الأبحاث وتنتج مضادات حيوية جديدة باستمرار، لكن هذه الكائنات لديها دائما ذكاء وتخطيط أقوى من محاولات البشر.

وبالطبع لا يتسع المجال لذكر طرق الوقاية لكل هذا العدد الهائل من الأمراض، لكن نكتفي بالتأكيد على احتياطات النظافة والغذاء المتوازن..

ومن محاسن الصدف أن أكتب هذا المقال عن الإنسان والأمراض، ومصر تنطلق إلى البناء والتعمير بيد، وباليد الأخرى تقوم بتنفيذ برنامجها العبقري "100 مليون صحة" للقضاء على فيروس سي وعلى الأمراض غير السارية لكل المصريين.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط