الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

صلاح عطية.. فيلسوف العطاء (3/4)


ونستكمل حديثًا عن الراحل العظيم فنقول: ولم يقم المهندس صلاح عطية بزيارة قرية وغادرها إلا وأقام بها بيت مال للمسلمين. 

وعندما نتحدث عن مسيرته في العطاء فإنك ستجد العجب العجاب -الذي نعلنه لأول مرة- فقد كان رحمه الله يسير بالسيارة المخصصة لتنقلاته، وقد ملأها بالأكفان، والأحذية والملابس الجديدة، والعصي (عكاكيز)، إضافة إلى الكيك والبسكويت للأطفال، فإذا وجد ميتا فقيرا يحتاج إلى كفن أخرج كفنًا من سيارته، وإذا وجد رجلا أو امرأ يلبس حذاء باليا أو يمشي حافيا، أخرج له حذاء جديدا من سيارته، وكذا الملابس الجديدة، وإذا وجد طاعنًا في السن أو مَن يحتاج إلى عكاز أخرج له من سيارته عُكازًا مناسبًا.

وإذا تحدثنا عن مساعداته الطارئة فلن نوفيه حقه أبدا مهما كتبنا، وكان من بينها: زواج اليتيمات وقضاء ديون الغارمين والغارمات، وتقديم العلاج للمرضى وأصحاب العاهات، كما أعطى إخواننا السوريين عناية فائقة في تقديم العون المادي والعيني لهم، وكان رحمه الله لا يرد سائلا أبدا مسلما كان أو مسيحيا.. ولم يكن للراحل العظيم أرصدة في البنوك أو حسابات بنكية، بل كان يتقاضى راتبه من الشركات التي أنشأها كأي أحد من العاملين في الشركات.

مستشفيات خيرية مجانية:

ومن جميل إنفاقه أنه أنشأ دارين خيريين لعلاج المدمنين إحداها للذكور والأخرى للإناث، وفي الأعوام الأربعة الأخيرة اهتم اهتماما كبيرا بإنشاء المستشفيات الخيرية على نفقته الخاصة، حيث أنشأ مستشفى بتفهنا الأشراف يستقبل مرضاه بالمجان، وأنشأ مستشفى ثان لحوادث الطريق بالرست هاوس على طريق مصر إسكندرية الصحراوي، كما أنشأ مستشفى لزراعة الكبد بالمجان على أعلى مستوى في العالم، وجاري الانتهاء منها حاليا... ولعل مرضه الأخير وشعوره بآلام المرضى قد حفزه على المضي قدما في إنشاء المشافي والمصحات..

إنشاء دور العبادة:

أنشأ رحمه الله ثلاثة مساجد كبيرة في قريته منها المركز الإسلامي ومسجد الكريم ومسجد ثالث، أما المساجد التي أسهم في إنشائها في شتى أنحاء الجمهورية، فهي من كثرتها، قيل إنها يصعب حصرها، وكانت الوفود تأتيه من كل مكان بعد صلاة الجمعة من كل أسبوع؛ للحصول على إسهاماته، فقد كان يتبرع بجزء كبير من الحديد والأسمنت، وكان يحرص على أن تكون تحركاته قانونية وفي إطار القوانين المعمول بها، حيث اشترط في اللجان أن تكون معتمدة من الدولة وحاصلة على تفويض من وزارة الشؤون الاجتماعية..

الاستثمار في العنصر البشري:

إنشاء المعاهد الأزهرية ومعهد المتفوقين:

كان المهندس صلاح عطية يؤمن بأن التعليم والبحث العلمي هو كلمة السر في نجاح أي نموذج تنموي، يقول رحمه الله: (وعلى هذا الأساس بدأنا، فمن حصيلة الأرباح قمنا بإنشاء حضانة كبيرة بها‏350‏ طفلًا يدرسون بالمجان، ثم معهد أزهري ابتدائي مكونًا من ‏53‏ فصلًا ثم معهد إعدادي للبنين وآخر للبنات وتلاهما معهد ثانوي للطلاب وآخر للطالبات‏،‏ ومعهد للطلاب المتفوقين، وأنشأنا مجمعًا للخدمات بالقرية من أربعة طوابق يضم سنترالا ومشغلًا لتعليم الفتيات ومكتبة عامة ومقرًا للجنة المصالحات، كما استطعنا بفضل الله وتوفيقه إقامة محطة للسكك الحديدية تتوقف عندها القطارات المتحركة ما بين طنطا والزقازيق لخدمة طلاب العلم وأهل البلدة‏، وشراء سيارات خاصة تتبع المركز الإسلامي وتقوم بجلب طلاب الحضانة من القرى المجاورة مجانًا ويتم منح اشتراكات مجانية لطلاب المعاهد الأزهرية بالسكة الحديد إضافة إلى توزيع الزي الأزهري مجانا لطلاب وطالبات المعاهد الأزهرية،‏ وقبل شهر رمضان بيومين تقوم السيارات بتوزيع عبوات الدقيق والسمن على كل بيوت القرية البالغ عددها حوالي ألف منزل حتى منزل العمدة يأخذ نصيبه حتى لا ينظر أحد إلي الأمر على أنه صدقة‏ وكل ذلك بفضل ريع المشاريع الموقوفة لله).‏

كما أسهم رحمه الله في إنشاء ألف وتسعمائة معهد أزهري في كثير من القرى في شتى أنحاء الجمهورية، وفي بلدته أنشأ فرعًا لجامعة الأزهر على نفقته الخاصة.

قصة إنشاء فرع جامعة الأزهر بتفهنا الأشراف:

وهي أول حالة لوجود جامعة داخل قرية في مصر، بدأت بإنشاء كلية الشريعة والقانون، ثم ثنت بكلية التجارة ثم كلية التربية وأخيرا الدراسات الإنسانية. وواكب ذلك إنشاء مدينة جامعية للطالبات تسع ستمائة طالبة، ومدينة أخرى للطلاب تَسَع ألف طالب، مع صرف مقررات غذائية مجانية أسبوعية للطلاب وتحمّل تكاليف اشتراكهم بالسكة الحديد.. ووفد إلى القرية الطلاب من المحافظات المجاورة فضلا عن الطلاب الوافدين من الدول الإسلامية؛ مما تسبب في رواج تجاري لمحلات البيع الكائنة بالقرية ووسائل المواصلات التي تخدمها، وزادت عملية البناء لاستيعاب إقامة الطلاب، وهو ما حقق دخلا إضافيا لأهل بالقرية.

لجان فض المنازعات:

ويذكر المهندس صلاح عطية (رحمه الله) :أن لجنة فض المنازعات كان الهدف منها إحداث سلام اجتماعي بين الأهالي وأصبح معتادًا أنه عند حدوث خلاف بين شخصين أن يتقدما ببلاغ لرئيس اللجنة،‏ والذي يستعين بدوره بسكرتير اللجنة للنظر في هذا الخلاف إضافة إلى أعضاء متخصصين حسب نوعية المشكلة، فإذا كانت أحوالا شخصية فيمثل فيها حملة ليسانس الحقوق والشريعة والقانون،‏ وإذا كانت نزاعًا على أرض زراعية كان من أعضاء اللجنة مهندس زراعي وعدد من المزارعين‏، وقبل الجلسة يُوقع الأطراف على شيكات لضمان الجدية في الالتزام بحكم اللجنة‏..‏ ولا توجد طعون في قرارات اللجنة؛ لأنها محايدة ومتخصصة،‏ كما يتم تسجيل القضايا في محاضر مسلسلة كي يمكن الرجوع إليها واستنساخ صور منها ولو بعد عدة سنوات، والنتيجة أنه لا توجد قضية من القرية في نقطة الشرطة أو المركز، وإذا أفلتت قضية فإن المأمور ينصحهم باللجوء للجنة المصالحات‏،‏ ومن النتائج أيضًا أن أحد المحامين بالقرية تحول من محام إلى مأذون لعدم وجود زبائن، بينما الباقون ركزوا نشاطهم في القرى المجاورة" (راجع تقرير تفهنا الأشراف: تجربة تنموية انتزعت احترام المصريين للزميل عبد الرحمن هاشم)... وللحديث بقية.

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط