الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

التقدم والتخلف والشرق الأوسط الجديد


كنت أقلب تقارير عام 2018 عن قوة اقتصاد دول العالم ومعدلات التنمية فيها، وشد انتباهي المتربعون على قمة هذه الدول، واللذين هم في ذيلها، وبالطبع، موقع مصر الصاعد.

لاحظت أن الدول العشر الأكثر ازدهارا في العالم هي: سويسرا، كندا، النرويج، ألمانيا، بريطانيا، اليابان، السويد، أستراليا، الولايات المتحدة الأمريكية، وهولندا.. وتقرير آخر ذكر نيوزيلاندا وسنغافورو وفرنسا.. بحثت عما يميز هذه الدول عن غيرها، فوجدت أنها توفر لمواطنيها كل ما يحتاجون إليه ويحلمون به: تعليم راق وخدمات صحية متكاملة، وظائف متاحة ودخل مرتفع، وسائل ترفيه وشعور بالسعادة والرضا، وبالتالي ارتفاع معدلات الأعمار.

أما أفقر عشر دول في العالم فهي: هاييتي، الكونغو الديمقراطية، موزمبيق، أوغندا، إثيوبيا، تنزانيا طاجيكستان، اليمن، قرقيغستان، وازبكستان، وفي تقرير آخر أضيفت لها جمهورية إفريقيا الوسطى والنيجر وليبيريا.. هذه الدول إما مغلقة بلا منافذ بحرية، أو أنهكتها الحروب الأهلية والفساد، ولا توفر لمواطنيها الحد الأدني من متطلبات العيش الكريم، وبالتالي تفشي الأمراض وقصر الأعمار.

وبالنسبة لمصر، قال عنها تقرير "ماجنيت" لعام 2018 أنها من الدول الصاعدة بسرعة، وأنها الأسرع نموا بعد الإمارات، وترتيب اقتصادها 25 عالميا، وسيحتل المرتبة 15 بحلول عام 2050.. وهذه شهادة عالمية مشرفة لمصر.

نحيت التقارير جانبا، وفتحت المعاجم لأكشف عن معاني بعض الكلمات ذات العلاقة مثل "التقدم" و"التخلف" و"الفهلوة" و"الهمبكة" و"الأونطة"..

تقول المعاجم أن الفعل "تقدم": خطا إلى الأمام، تطور وارتقى، بينما الفعل "تخلف" معناه فاته الركب وتجاوزه الآخرون، وتخلف الطفل: بطء نموه.. أما الفهلوة والهمبكة والأونطة، فوجدت لها جذورا فارسية وإنجليزية ويونانية على التوالي، لكنها تعربت وتمصرت واستوطنت، وترسخت لاحقا في وجداننا بفعل نوادر جحا، وكلها تحمل نفس المعنى تقريبا وهو "ادعاء العلم والتظاهر بالتفوق، وخلق هالة وهمية على غير أساس، وغياب التخطيط البعيد، والتحايل لغرض الكسب السريع"، وهذه الثلاثية هي سر متاعب الشعب المصري والعرب.

صحيح أن المارد المصري استيقظ في السنوات الخمس الأخيرة وفطن لما يدور حوله، وتحولت مصر إلى خلية نحل تعمل ليل نهار واستعادت هيبتها، إلا أن هذه الثلاثية جزء من تراثنا وستبقى معنا لبعض الوقت.

يرى محللون أن الفهلوة هي سبب هزيمتنا المدوية عام 1967، عندما أبلغ القادة العسكريون الرئيس عبد الناصر بتفوقهم وجهوزيتهم العالية، فاطمئن لهم وصدقهم، وحدث ما حدث.. وحتى شغل الأرصفة بالمقاهي والباعة، وبعض المهن الإجبارية كمسح زجاج سيارة نظيف عند إشارة مرور، كلها فهلوة.

ومن الفهلوة أو الهمبكة أيضا أن تقدم لنا قناة فضائية طفلا في الصف "الثاني الإعدادي" على أنه أصغر عالم في العالم.. لديه تعديلات على عمل المفاعلات النووية! يتكلم في النانوتكنولوجي ويبتكر روبوت يلتقط فيروس سي من الجسم "التقاطا"! ولديه حل لنقص المياه في مصر، ولديه أيضا طريقة لحماية طائراتنا من الصواريخ المعادية!، ولم يقف عند هذا الحد، بل راح يهاجم الكبار وينتقد طريقة د. مصطفى السيد في علاج السرطان بالذهب.. كل هذا، وعمره 13 سنة.

وحتى لا ينخدع القارئ والمشاهد بالأوسمة والجوائز التي تمنح لمثل هؤلاء الأطفال ويعرضها التلفزيون أثناء الحوار، فهي تمنح لهم من باب التشجيع فقط لمجرد أنهم فكروا، وليس لأنهم أنجزوا.

لكن هذا لا ينفي ظهور عبقريات حقيقية عند بعض الأطفال بعيدا عن الهمبكة، ودائما تكون محصورة في تخصص علمي واحد.. الطفل الفلسطيني براء شرارة (8 سنوات) أثبت نظرية جديدة في الرياضيات وتشكلت له لجنة علماء من بريطانيا وفرنسا وألمانيا اعتمدوا نظريته وحصل بسببها على منحة انضم بها إلى جامعة أكسفورد في هذا السن المبكر، ولا ننسى أيضا مشاريع وأفكار خريجي كليات الهندسة المصرية التي تبهر العالم كل سنة.

الهمبكة تؤثر سلبا على إنتاجية الدول وعلى ثقافتها ومستقبلها، فقد أشار تقرير للاتحاد العربي للتنمية البشرية إلى أن إنتاجية العامل العربي من أقل المعدلات في العالم.. أما من حيث الإبداع والابتكار، فقد نشر المنتدى الاقتصادي العالمي ترتيب الدول الأكثر ابتكارا ولم يكن للعرب نصيب في الأربعين الأولى.. وحتى عام 2018 كان نصيب العرب مجتمعين 9 جوائز نوبل فقط من بين 591 جائزة.

وعن القراءة ونشر الكتب، تشير منظمة اليونسكو إلى أن أعلا نسبة أمية موجودة في العالم العربي، ما يعني تدهور واقعهم الفكري والثقافي وتدني حصتهم في الكتب المنشورة سنويا على مستوى العالم.

ومن الفهلوة القاتلة ألا يعي العرب ويحتاطون لما يدور حولهم ويحاك ضدهم، ولا يؤمنون بنظرية المؤامرة.. أدعو كل مواطن عربي أن يفتح جوجل ويطلع على "خارطة برنارد لويس للشرق الأوسط الجديد"، التي اعتمدها الكونجرس الأمريكي عام 1983 كخطة ملزمة لكل رئيس أمريكي يحكم، وبدأ تنفيذ بعضها بالفعل: "ثلاثون دويلة عربية هزيلة حول إسرائيل كبرى من النيل إلى الفرات"!.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط