الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

يا ليتها صدقت!!


أيام لا تنسي، لم تكن في حسبان البعض، أتت كالعاصفة فاقتلعت القلوب من الصدور، واهتزت المشاعر، وانطلقت الطاقات المكبوتة لسنوات متعددة، جيل بأكمله ولد وعاش تحت مظلة حكم بعد حروب واستعمار، لم نعرف غيره، عاصرنا حكم الرئيس الراحل أنور السادات، وقتل أمام أعيننا جميعًا، ثم تلاه حكم الرئيس محمد حسني مبارك، واستمر الحكم لسنوات طويلة، ممزوجة بخليط من الفرح والحزن، من القهر والتقدم، اختلفت الإنجازات ، البعض مستفيد والبعض يدفع الثمن، كما هو الحال علي مر العصور وفِي مختلف الدول شرقًا وغربًا شمالًا وجنوبًا.

تابعنا بكل ترقب ودقة ما حدث في تونس، واستغل البعض الفرصة، وعلت الأصوات ، مطالبة بالعدل والمساواة، والحياة الكريمة، كانت الصيحات تعلو بكلمات رنانة، عيش حرية عدالة اجتماعية، البعض كان صادق النية ، يهتف بكل إخلاص ورغبة حقيقية في التغيير، والبعض يعمل لمصلحته فقط، وآخرون مأجورون لإشعال الفتنة بيننا، قد تكون الأحداث تدبير حقيقي لدول أخري تسعي لتقسيم المنطقة، وتحويلها إلي دويلات صغيرة يسهل السيطرة عليها والقضاء عليها وقت الرغبة في ذلك.

وربما قد استغلت بعض الجماعات الحدث للظهور والانتشار بين البشر، ولكن ما لا نستطيع إغفاله أن جموع حقيقية من الشعب المصري استجابت لتلك الدعوات المطالبة بالتغيير نتيجة مخزون من ظلم وقهر وفقر وفساد استمر لسنوات طويلة، ولا أقصد من حديثي سرد للأحداث إنما المغزي الحقيقي من الحديث هو وصف المشاعر الإنسانية والرغبات التي تلاقت والشجاعة التي تجمعت من مختلف الناس وفِي مختلف المحافظات لرفض الظلم، والانتفاض ضد الفساد الذي عاشت تحت مظلته البلاد لفترات طويلة.

بغض النظر عن أطراف التآمر والأيدي الخفية التي عبثت في مقدرات الشعب رغبة منها في تقسيمه ، إلا أن المشاعر الحقيقية للأغلبية التي ثارت لن ينساها التاريخ، وسرعان ما تبدلت الأحوال حتي جاءت ثورة ٣٠يونيو لتصحح الأوضاع وتحاول إنقاذ الوطن، وتجمع الشعب من جديد، واجتمعت الرغبة علي التقدم والاستقرار، واستقر الحال بعد سنوات بائسة وحان وقت التغيير، تغيير ماضِ من الذكريات المؤلمة من فقر وديون وسياسات خاطئة أضرت بالوطن.

الغريب في الموضوع أن تلك المشاعر التي قلبت موازين الحكم، وبدلت الأوضاع سرعان ما اختفت وعادت النفوس المريضة إلي أمراضها ، كانت تلك الثورات رغبة حقيقية للتغيير، فهل تغيرت معها طباع بعض من الشعب المصري؟هل عادت الضمائر إلي الحياة؟هل قُضِي علي فساد النفوس الضعيفة؟هل أدي كل منا عمله علي أكمل وجه؟ مع الأسف يا ليتها كانت صدقت، ما زلنا نعاني من انعدام ضمائر البعض، والجشع والاحتكار رغم محاولات الدولة المبذولة للقضاء علي الفساد ، إلا أن النفوس المريضة تقف عائقًا أمام التقدم الحقيقي المثمر.

فلاح الدول ليس ببناء مدن جديدة وفتح أبواب للاستثمار فحسب، فلاح الدول أساسه بناء الإنسان وإحياء الضمائر والإيمان الحقيقي بالمولي عز وجل قولًا وفعلًا وليس بتأدية مجموعة من العبادات مع استمرار الرشاوي والفساد واحتكار السلع وفساد بعضها، الحياة تحت مظلة الازدواجية حياة واهية لا معني لها ،نحن شعب تخطي المئة مليون نسمة،نستطيع أن نبني ونعمر، نستطيع أن نعلم أنفسنا الفرق بين الحلال والحرام ، نستطيع النهوض من كبوتنا والعودة إلي الصفوف الأولي في ترتيب الدول كما كان الحال أيّام أجدادنا ، من صنعوا الحضارة الحقيقية التي عاشت علي مر التاريخ، وما زال العالم يتحاكي عن مصر القديمة، التي حيرت الجميع و ما زالت محط أنظار البعض.

نحتاج إلي تغيير حقيقي للخطاب الديني لزرع مفهوم المواطنة الحقيقي، وبث روح العمل والكفاح في النفوس، نحتاج لمن يعلم أصحاب الضمير المعدوم أن لكل شئ نهاية، ولهم أيضا نهاية، نحتاج أن نزرع الرحمة في نفوس بعض التجار الذين تحكمهم مشاعر الجشع وحب المال، وليتذكر الجميع قول المولي عز وجل مَّنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ۚ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ۗ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا (15) وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (16) وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِن بَعْدِ نُوحٍ ۗ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (17)

الفسوق هو بوابة الهلاك، ووقت الطوفان يضيع الجميع، الصالح والطالح،فلنصلح من أنفسنا قبل أن نغضب المولي عز وجل، مقومات النجاح الحقيقية تكمن في قوة الإيمان ، والإيمان لا يجتمع مع الفساد، من أراد الستر والنجاة فليتقي الله في خلقه، وليتقي الله في عمله، وليتقي الله في وطنه.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط