الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د.أحمد الصاوى يكتب : النبي وصاحباه وفن حل الأزمات 2

صدى البلد

لقد واجه النبي صلى الله عليه وسلم ، وأصحابه الأزمة الثانية آلا وهي الأزمة الاقتصادية وهذا هو محور مقالنا
فالأزمة الاقتصادية تتمثل فيما يلي : انتشار البطالة الممثلة في الصحابة المهاجرين من مكة المكرمة التي كان يسيطر عليها النظام الاقتصادي التجاري إلى المدينة المنورة التي كان يسيطر عليها النظام الاقتصادي الزراعي ، فأدى ذلك إلى وجود بطالة وظهر ذلك جليا في أهل الصفة وهم أناس لا مال ولا أهل ولا عمل لهم.

هذا بالإضافة إلى أن المركز التجاري الرئيسي كما تذكر كتب السيرة كان موجودا عند يهود بني قينقاع في حيٍّ من أحياء اليهود، وكانوا يتعاملون بالربا والمقامرة، والتدليس والغش، والغرر والسحت والاحتكار، ويفرض على المتعاملين فيها الإتاوات، وهذا كله لا يتفق مع القواعد والضوابط الإسلامية للمعاملات.

وتتمثل هذه الأزمة الاقتصادية في الحوار الذي دار بين سعد بن الربيع وعبدالرحمن بن عوف ليمنحه نصف أرضه وبيته ، ولكنه لا يجيد فن الزراعة ، فقال له عبدالرحمن بن عوف : بارك الله لك دلني على السوق .

فن حل الأزمة الاقتصادية :
أولا : ضرورة وجود كيانٍ اقتصادي قوي للدولة قائم على التكامل الاقتصادي الزراعي الممثل في الأنصار والتجاري الممثل في المهاجرين في مواجهة الكيانات الاقتصادية المعاصرة سواء على مستوى المدينة نفسها في مواجهة اليهود أم على مستوى الدول والممالك المجاورة نظرا لمنافسة الممالك المجاورة للمسلمين خاصة والعرب عامة وكونهم إلى حد كبير يشكلون كيانات اقتصادية لتصريف الكثير من البضائع والمنتجات فاجتمع المهاجرون والأنصار بقيادة النبي عليه السلام واقترحوا أن يقوم الأنصار باستصلاح الأراضي ، وزيادة الرقعة الزراعة التي تعتبر يثرب إحدى أهم واحاتها في الجزيرة العربية ويظهر ذلك جليا في ثمن عتق سلمان الفارسي الممثل في ثلاث مائة نخلة أراد النبي عليه السلام أن يزرعها بنفسه لزيادة الرقعة الزراعية لمواطني الدولة ، وأن يقوم المهاجرون بممارسة نشاطهم التجاري بشراء المنتجات الزراعية وتصديرها للقبائل المجاورة ومن ثم لا بد من وجود مركز تجاري خاص بالدولة فكانت الخطوة الثانية.
 
ثانيا : رأى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن ينشئ سوقًا جديدةً للدولة يمارس فيه الصحابة (المهاجرون ) نشاطهم التجاري الذي يجيدوه ، فذهب إلى مكانٍ قريبٍ من سوق بني قينقاع وضرب قبَّةً- خيمة- كبيرة لتكون رمزًا وعلامةً يتجمع حولها المسلمون للبيع والشراء، فاغتاظ اليهود من ذلك وقام كعب بن الأشرف- زعيم اليهود وعدو المسلمين- فهدم الخيمة وقوَّضها وقطع أطنابها، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يشأ أن يجعل لهذا التصرُّف قيمةً ولم يلتفت إلى هذا السلوك الاستفزازي، وهذه المحاولة اليائسة من قبل عناصر اليهود المتعصبة، بل رد عليها عمليا فقال متحدثا عن كعب بن الأشرف وفعلته: "والله لأضربن له سوقًا ‘ وأنقلها إلى موضع هو أحسن من هذا ".

 واختار مكانا فسيحا بأطراف المدينة بعيدا عن المحال السكنية وذلك باقتراح من أحد الصحابة الذي قال للنبي إني نظرت موضعا للسوق، أفلا تنظرون إليه؟ قال: بلى فقام معه فلما رآه أعجبه وركض برجله عليه السلام وقال: نعم سوقكم هذا ، فلا ينقصن ولا يضربن عليكم بخراج ويقصد بذلك: لا بد وأن تكون السوق واسعةً ولا يضيِّق التجار بعضهم على بعض في الأماكن، كما لا يفرض على المتعاملين فيها إتاوات ، وقد ظلت هذه السوق طيلة عهد الرسول وعهد الخلفاء الراشدين عبارة عن فضاء حر من دون بناء، يخضع في تدبيره لنظام سنة المساجد كما كان يقول الخليفة عمر]: الأسواق على سنة المساجد، من سبق إلى مقعده فهو له حتى يقوم إلى بيته أو يفرغ من بيعه]ولم يبدأ البناء في الأسواق إلا على عهد معاوية بن أبي سفيان الذي سن تأجير أماكن السوق ثم إن قيام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بهذا فيه معالم كثيرة وهدي اقتصادي نبوي يجب على المسلمين عامةً وأرباب التجارات خاصةً أن يعوها، منها:

أولًا: من الصعب أن تكون هناك سوق يهيمن عليها طائفة خارج سلطان الدولة (اليهود) ؛ لذلك يجب أن تكون للدولة سوق حرة نظيفة طاهرة. تستطيع بها المحافظة على أموال الشعب وتنميتها بالحق، وأن تكون لهم سوقٌ خالية من كل صور السحت والربا وأكل أموال الناس بالباطل.

ثانيًا: أن فرض الإتاوات- الضرائب والرسوم وما في حكمهما- بدون ضوابط على المعاملات في الأسواق يؤدي إلى ارتفاع الأسعار وغيرها، كما فعل اليهود في سوقهم وهذا لم يقره رسول الله؛ ولذلك نهى عن فرض الخراج على المعاملات في الأسواق، وهذا واضح من قوله: "ولا يضرب عليها الخراج".

ثالثا : أن سوق المدينة المنورة الذي أسسه النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه وخطه برجله وهو أول سوق في الأرض يؤسسها نبي ، كرؤيه إصلاحية للنشاط التجاري الإسلامي الناشئ لتصحيح مسار النشاط التجاري عمومًا ووفق خطوات إصلاحية ذات طابع استقلالي وهذا ما يطلق عليه في الاقتصاد بـ"البنية الاقتصادية الأساسية"، وحتى يؤكِّد للناس شمولية الإسلام؛ فهو دين ودنيا يعطي للنفس حظوظها من الدين كما يعطيها حظها من الدنيا ، فالدين الإسلامي ليس مجرد طقوس ونسك ورهبانية فقط وانقطاع عن الناس فلابد من تلبية حاجات المجتمع الاقتصادية فكان انشاء السوق.

وهكذا أضحت المدينة المنورة عاصمة الدولة ذات ثمار وبساتين وغلال وأسواق وتجارات وطريق للقوافل التجارية, تزاحمت في أسواقها الغير المحملة بالبضائع ووقع على أرضها العقود التجارية وتم حل الأزمة الاقتصادية فاذا أردنا ان ننهض بمصرنا يجب علينا ان نتعلم من سنة نبينا فتقضي الدولة على البطالة عن طريق المشاريع الاقتصادية التجارية والصناعية الصغيرة والكبيرة ومشاريع الطاقة العملاقة وزيادة الرقعة الزراعية وأن نصبح مصدرين لا مستوردين هي بداية النهضة لوطننا الحبيب لتعود مصر كقوة عالمية فقوتها قوة للعرب وللمسلمين في ظل قيادة تعمل ليل نهار لحل أزمتنا الاقتصادية.