الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

حقوق الحُروف وزكاة المُكَن عند رشاد كيلاني* (1/2)


شخصيات فريدة في إخلاصها، وسمو نفْسِها، وطهارة أنفاسها، وجليل عطائها.. أبدعت في العطاء في كل شيء حتى في إقرار حقوق الحَرْف العربي وأيضا اللاتيني!!، وركَّزت على زكاة المُكْنَة من أجل إسعاد الفرد، وإسعاد المجتمع، والعطاء للدين والوطن والوجود.. تركوا بصمات غائرة في عمق النفس وفي ميادين الحياة، تحزن على فقدهم مفردات الكون والحياة.. ويفرح بهم أهل السماء.. فالنور الذي سيَّجهم الله به في دنياهم انتقل معهم من مكان إلى مكان، ومن حال إلى حال..
 
ومن هؤلاء -الذين نحسبهم كذلك ولا نزكيهم على رب العباد- الكاتب والمفكر الكبير الأستاذ رشاد كامل كيلاني -نجل الأديب العالمي كامل كيلاني رائد أدب الطفل- والذي رحل عن عالمنا فجر يوم الثلاثاء 9 شعبان 1434هــ الموافق 18 يونيو 2013م، والذي ستظل مواقفه وأعماله الخالدة تذكرنا به ليل نهار، وتطرق آذاننا وقلوبنا ووجداننا ما حيينا. 

مولده ونشأته وتأثره بوالده:
وُلِد الأستاذ رشاد كامل كيلاني في 17من شهر نوفمبر عام 1930م، وتخرج في كلية الآداب قسم اللغة العربية جامعة القاهرة عام 1951م. وعمل فور تخرجه محررًا ومصححًا ومراجعًا في مجمع اللغة العربية بالقاهرة خلال الفترة من عام 1951م إلى سنة 1959م، ورافق والده الأديب كامل كيلاني (رحمهما الله) ردحًا طويلا من الزمن، منذ أن كان في الحادية عشرة من عمره إلى أن لحق كامل كيلاني بربه الرحيم سنة 1959م؛ فتأثر بفكره، وكان دائمًا إلى جواره، مشاركًا إياه في قراءة ما يكتبه، ومراجعته مراجعة لغوية وطباعية دقيقة؛ حتى تكونت لديه الحاسة الأدبية والذوق اللغوي الرفيع.. ومن حسن حظّه أنه تلقى من والده بالعين، وتلقي منه بالأذن، الأمر الذي ساعده وأهَّله لأن يكون حكَّاءً من الطراز الفريد..

ولم يكن رشاد كيلاني يحترم العبارة فقط، أو الكلمة فقط؛ بل كان يحترم الحرف منها، وكان يقول إن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: (... لا أقول ألم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف) (أخرجه الإمام الترمذي) ولذلك كان حريصًا كل الحرص على أن يكون كل حرف مستقلا، وواضحا، خوفًا من أن يسأله الحرفُ يوم القيامة لماذا لا تعطيني حقي؟!.

لقد عكف رحمه الله على الاهتمام بمطبعة ومكتبة الأديب كامل كيلاني في حي باب اللوق بالقاهرة، والتي تعد مركزًا ثقافيًّا حرًّا لنشر أدب والده، وعقد ندوة الكيلاني بصورة دورية؛ وعكف على تراث والده فنشر ما لم ينشره كامل كيلاني في حياته، إلى جانب اهتمامه بنشر الفكر الإسلامي ومساعدة المراكز الإسلامية في أنحاء كثيرة من العالم، وتوزيع هذه الإصدارات في مصر والعالم العربي، إلى جانب نشر كل فكر رائد رائق في العالم العربي والإسلامي، كما عُني بترجمة كتب ومؤلفات -تعد خلاصة للفكر الإسلامي والإنساني- إلى اللغات الحية، ليشارك في تبليغ دعوة الإسلام الحنيف في الداخل والخارج..

إنتاجه الفكري والأدبي.. وزكاة المُكْنَة:
أنتجت قريحة الأستاذ رشاد كامل كيلاني كثيرًا من قصص الأطفال، بلغت 32 قصة، منها: مصيدة الفئران (إسرائيل)، ومؤتمر الحيوان، ومجموعة قصص (بابا حكي لي).. وكان من منهجه ما يُسمى بزكاة المُكْنَة ومعناه: أن كل إنسان مكَّنه الله من شيء، وأعطاه القدرة عليه، وكل إنسان أعطاه الله تعالى موهبة أو مواهب وهي من جليل نِعم الله تعالى عليه، ومن ثم لابد أن يُخرج زكاة هذا الشيء أو تلك الموهبة؛ لذلك نشر 48 كتابًا إسلاميًّا باللغة الإنجليزية و43 كتابًا باللغة الفرنسية و 62 بالألمانية إلى جانب بعض المترجمات بالإسبانية والتركية والهولندية.. وغيرها. 

وكان الأستاذ رشاد كيلاني يدعو إلى الاهتمام بكتب الأطفال، وخاصة في مكتبات المدارس التي تعد النبع الأساسي للأطفال في المراحل التعليمية المختلفة؛ فالمكتبة هي حجر الزاوية تفيد الطالب والمعلم، وعلى وزارات الثقافة في العالم العربي أن تدعم تلك المكتبات وأن تمدها بإصدارات الرواد وبأحدث التقنيات التي تساعد القارئ أن يصل للكتاب الذي يريده بسهولة ويسر ودون معاناة. كما كان يطمح لتكوين مكتبات للسجون، ومكتبات للقطارات، وأن يكون كل كتاب ورثه أي شخص عن والده أو جده أن يضعه في المساجد لينتفع به المسلمون..

جهوده في نشر الدعوة الإسلامية:
وكان –رحمه الله- يُبجل ويحترم كل من يعمل في حقل الدعوة إلى الله تعالى، وكان من عاداته أن يُقَبِّل يد كل من كتب عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وظلَّ الرجل حائط صد ضد مَن يحاول أن يتعرض لمقام النبي (صلى الله عليه وسلم)، ففي إبان الهجمة الشرسة على رسولنا الكريم، نشر مائة وسيلة لنصرة النبي عليه الصلاة والسلام، وترجمها -على نفقته الخاصة- إلى عدة لغات، وكان يطمح إلى أن يترجمها إلى خمس عشرة لغة، لكن لم يسعفه القدر، فترجمها إلى ثماني لغات فقط. 

كما أخرج كتاب رياض الصالحين للإمام النووي واستخرج منه عشرين كتابًا ترجمها إلى عدة لغات، وكان شمعة مضيئة لكل الباحثين من طلاب العلم خصوصًا الطلاب الفقراء.

من أقواله:
يقول رشاد كيلاني رحمه الله: "زرع والدي رحمه الله فيَّ عدة كلمات، وهي علامات مهمة في حياتي، لا أحيد عنها، فكان يقول لي: "الإخلاص ليس له ثواب إلا الجنة، وأكد على وجود موردين أساسيين يجب أن أضعهما أمامي، وأن يكونا المرجع لي في كل شؤوني هما: القرآن الكريم، والسنة النبوية المطهرة". 

وكان يقول: "عليك أن تتبع سنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ولا تحيد عنها قيد أنملة"، وأحاول أن ألتزم تعليماته في تقديم الثقافة الإسلامية من خلال مكتبته، إضافة لقصصه التي تحتوي على القيم والأخلاق الإسلامية".

وكان يقول: "تعلمتُ من والدي العمل دون كلام، فقد كان رحمه الله لا يرد على النقاد الذين هاجموه في حياته؛ بل كان يأخذ من نقدهم ما يفيده في تأدية رسالته، ولا يضيع وقته في الرد عليهم أو السجال معهم".

مشروعه التنموي.. دار ومجمع سبيل الله:
من خلال مطبعته الخاصة أنشأ (رحمه الله) "دار سبيل الله العلي الأعلى"، التي تُعنى بنشر المؤلفات التي تحتوي على ثمار الفكر الإسلامي الوسطي المعتدل، تُقدم بالمجان لكل راغب في العلم، محب للثقافة، ولكل داع إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، ولا يبغي من هذا مالا.. 

كما أنشأ "المركز الإسلامي مجمع سبيل الله" بمدينة العمرانية الذي يضم: مسجدًا كبيرًا يعد شعاعًا للفكر الإسلامي، ودارًا لتحفيظ القرآن الكريم، ودارًا لمحو الأمية، وفصولا لتقوية الطلاب في المراحل التعليمية المختلفة... إضافة إلى عيادة ومشروع للتطريز والتشغيل.. 

وكان (رحمه الله) يجتهد في ربط الصبية والشباب بكتاب الله عز وجل، حيث كان يشتري هدايا وجوائز لتحبيبهم في حفظ القرآن الكريم والارتباط به.. كل ذلك وغيره حسبة لوجه الله تعالى، وحُبًّا لرسوله (صلى الله عليه وسلم).. وحوَّل هذا المشروع إلى مؤسسة خيرية تعمل بصورة مؤسسية لتستمر في تأدية رسالتها بشكل دائم، إيمانًا منه بأن خير الناس أنفعهم للناس، وكانت هذه المؤسسة بالنسبة له هي كل حياته... وللحديث بقية
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط