الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

مهمة في تل أبيب


ميدان الشهادة، أوسع من ساحة القتال، فحتى على طاولات التفاوض يسقط شهداء أثناء دفاعهم عن أوطانهم، وهذا ما حدث مع الرائد محمد كامل الحويج ضابط المخابرات الحربية، الذي استشهد أثناء استماتته في القيام بمهمة رسمية في تل أبيب، خلال مفاوضات ترسيم الحدود بين مصر وإسرائيل.

الرائد محمد كامل أحمد عبدالله الحويج، الذي توفى على طاولة مفاوضات السلام ضمن الوفد المصرى العسكرى الرسمى الذى حمل على كاهله مساعىَ شاقة ومفاوضات مُرهقة لاسترداد كل ذرة تراب من أرضنا إبان مفاوضات طابا عام 1986، وتحديدًا فى الأسبوع الأخير من المفاوضات، الذى وصفته الصحافة الإسرائيلية بعد إعلان وفاته فى صحفها الرسمية: "وفاة عضو الوفد المصرى العسكرى المتشدد".

منذ عامين تحدثت مع أرملة البطل السيدة ماجدة كامل والتي روت لي تفاصيل حكاية البطل الشهيد قبل أن يرى وليده "أحمد" – ضابط حالي بوزارة الداخلية- ذو الـ 16 يومًا وقتذاك.

في 1975 تخرجت دفعة طلاب الكلية الحربية، من بينهم الرائد محمد الحويج، ليلتحق للعمل ضابطًا بسلاح النقل قبل انتدابه لإدارة المخابرات الحربية، بجهاز الاتصال بالمنظمات الدولية.

أجاد الضابط في عمله، حتى تلقى تكليفًا رسميًا بالسفر مع وفد عسكري مصري إلى تل أبيب عام 1986 ضمن وفد دولي لعمل مسح لتسجيل علامات الحدود المتنازع عليها، بجانب الوفد الدبلوماسي الذي كان يضم الدكتور نبيل العربي والدكتور مفيد شهاب.

اختيار الحويج ضمن الوفد العسكري المصري للتفاوض مع الإسرائيليين على علامات الحدود، خاصة العلامة 91 الشهيرة في قضية طابا وتم تجهيز السفر الى تل أبيب، وجمع كل الملفات والخرائط التي تثبت ملكية وأحقية الجانب المصري فيها.

فى اليوم الثالث للمفاوضات، الموافق 13 أغسطس 1986، كان هناك اجتماع مستمر بين الوفدين المصرى والإسرائيلى لوقت طويل بعد يومين متواصلين سابقين من العمل، وفجأة وضع محمد رأسه على طاولة المفاوضات، وكان يجلس بجانبه الدكتور مفيد شهاب، وتخيَّل الدكتور مفيد أن محمد يحاول فقط استرجاع قواه بعد المناقشات المُرهقة، فبدأ يكلمه ومحمد لا يرد، وبدأ يهز كتفه بيديه ومحمد لا يرد، ليكتشفوا أنه توفى إثر أزمة قلبية لم تستغرق سوى 14 ثانية بحسب التقرير الطبى بعد أن نقلوه للمستشفى، وأخضعوه لعمليات إنعاش للقلب على مدار ساعتين، لكن قضاء الله كان قد نفذ عشية عيد الأضحى، ليتوفى أصغر عضو في لجنة التفاوض (34 عامًا) على طاولة التفاوض.

سادت حالة من الفزع والهلع داخل قاعة بين أعضاء البعثة المفاوضين إثر سقوط الحويج فجأة، وتم استدعاء الأطباء فورًا ولكن حياته كانت قد انتهت إثر أزمة قلبية حادة نتيجة الإرهاق الشديد، وهو جالس على المنضدة، ولم يتمكن أطباء الفندق وفريق العلاج المكثف من إنقاذ حياته رغم قضائهم حوالي ساعتين في محاولة إفاقته.

بمجرد إعلان نبأ وفاة البطل الحويج قالت إذاعة لندن الناطقة باللغة العربية: "توفى أصغر أعضاء البعثة المصرية سنًا وأكثرهم تشددًا للقضية".

استقبال حافل للبطل وعودته محمولًا على الأعناق، وسط فرحة بعودة الارض ممتزجة بدموع وألم الفراق لأصحابه وذويه على فقدان صغر بطل مصري انتهت حياته ونال الشهادة وهو يؤدي واجبه لإعادة الأرض والحق.

لم يكن يدري إسلام الذي يبلغ من العمر عامين ونصف آنذاك أن ذلك الحشد يبكي رثاءً على أبيه أثناء تشييع جنازته، بينما ظل أحمد ذلك الطفل الوليد منذ 16 يومًا يبكي في حضن أمه.

"الحويج" كغيره، بطل مصري لا يعرفه الكثيرون، لكنه شارك في انتزاع الحق، ورد الكرامة، وإعادة الأرض لبلاده، فالتاريخ مليء بالنماذج التي سنظل نفخر بها.

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط