الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د. أحمد الصاوي يكتب: النبي وصاحباه وفن حل الأزمات 6

أحمد الصاوي يكتب:
أحمد الصاوي يكتب: النبي وصاحباه وفن حل الأزمات 6

من المعلوم من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم مدى غدر اليهود وخيانتهم وشدة عدائهم للإسلام والمسلمين، وتلك حقيقة تاريخية صدَّقَّها الواقع إلى يومنا هذا وأنه بعد هجرته صلى الله عليه سلم للمدينة المنورة وضع دستورا ، وكان من بين بنوده: أن للمسلمين دينهم، ولليهود دينهم، وأن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة، وأن بينهم النصح والنصيحة والبر دون الإثم، وأن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين.وهذا يدل على الحرية الدينية التي كفلها الدستور المدني ، وعلى المواطنة الكاملة لجميع المواطنين مسلمين وير مسلمين ، ولكن اليهود ـ كعادتهم ـ نقضوا العهد قبيلة قبيلة، وقد تحدثنا في المقال السابق عن يهود بني قينقاع ، واليوم نتحدث عن يهود بني النضير، والذي كان من أهميته أن تحدث عنه القرآن الكريم في سورة كاملة، وهي سورة الحشر، حتى سمَّى عبد الله بن عباس رضي الله عنه سورة الحشر بسورة بني النضير، فعن سعيد بن جبير رضي الله عنه قال: قلت لابن عباس رضي الله عنه: (سورة الحشر، قال: قل سورة بني النضير) رواه البخاري. وقال ابن كثير في تفسيره لسورة الحشر: "كان ابن عباس يقول: سورة بني النضير".
وكانت أزمة بني النضير بعد غزوة أُحُد في ربيع الأول من السنة الرابعة من الهجرة، وقد ذهب الامام محمد بن شهاب الزهري رحمه الله إلى أن غزوة بني النضير كانت بعد بدر بستة أشهر، وهذا وَهْم منه، أو غلط عليه، بل الذي لا شك فيه: أنها بعد أحُدٍ، والذي كانت بعد بدر بستة أشهر، هي غزوة بني قينقاع، وقريظة بعد الخندق، وخيبر بعد الحديبية". وقال ابن العربي: "والصحيح أنها بعد أُحُد"، وإلى هذا الرأي ذهب ابن كثير وغيره.
وهذا يرد على المستشرقين الذين يذهبون إلى فكرة عدم المواطنة في دولة النبي المدنية ‘ وإلى فكرة التطهير العرقي فبعد خروج بتي قينقاع لإرتكابهم جريمة الخيانة العظمى ظل يهود بني النضير بالدولة لهم كافة حقوق المواطنة حتى بعد غزوة أحد أي بعد خروج بني قينقاع بثلاثة أعوام
وكان سبب إجلاء يهود بني النضير عن المدينة المنورة هو تآمرهم على قتل النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد خططوا لإغتيال رئيس الدولة ووضعوا لذلك خطة محكمة ‘ فأرسلوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم: اُخرج إلينا في ثلاثة من أصحابك ويلقاك ثلاثة من علمائنا، فإن آمنوا بك اتبعناك، ففعل، فاشتمل اليهود الثلاثة على الخناجر، فأرسلت امرأة من بني النضير إلى أخٍ لها من الأنصار مسلم تخبره بأمر بني النضير، فأخبر أخوها النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يصل إليهم، فرجع النبي صلى الله عليه وسلم لما علم بتخطيطهم لاغتيال رئيس الدولة وكبار رجال الدولة معه ، ولو كان أي حاكم آخر لأعلن حرب شاملة عليهم ولقتلهم جميعا ولكن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل محمد بن مسلمة رضي الله عنه إلى يهود بني النضير، يخبرهم بأن يخرجوا من المدينة ولا يساكنوا المسلمين فيها بسبب غدرهم، فتأهبوا للخروج، ولكن المنافقين تدخلوا، وأخبروهم أنهم معهم ضد المسلمين، وأرسل إليهم عبد الله بن أبي بن سلول زعيم المنافقين من يقول لهم: "اثبتوا وتمنعوا، وإن قوتلتم قاتلنا معكم". فاستقر رأيهم على المناورة، وطمع رئيسهم حيي بن أخطب فيما قاله رأس المنافقين، فبعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنا لا نخرج من ديارنا، فاصنع ما بدا لك .. وفي ذلك يقول الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} (الحشر:11). فحاصرهم النبي صلى الله عليه وسلم فسارعوا إلى حصونهم، واحتموا بها، وأخذوا يرمون المسلمين بالنبل والحجارة، وكانت نخيلهم وبساتينهم عونًا لهم في ذلك، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع بعضها وتحريقها، فنزل قول الله تعالى مُصَوِّبًا ما فعله النبي صلى الله عليه سلم: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ} (الحشر:5).

لم يطل حصار المسلمين ليهود بني النضير وهم في حصونهم طويلًا، فقد دام ست ليال فقط، وقيل‏:‏ خمس عشرة ليلة، وقذف الله في قلوبهم الرعب، فنزلوا على الجلاء (الخروج)، ووافق النبي صلى الله عليه وسلم على أن يخرجوا منها بنفوسهم وذراريهم، وأنّ لهم ما حملت الإبل إلا السلاح، ووافقوا على ذلك.. ولحقدهم قاموا بتخريب بيوتهم بأيديهم، ليحملوا معهم الأبواب والشبابيك والجذوع حتى لا يأخذها المسلمون، ثم حملوا النساء والصبيان على ستمائة بعير، وأسلم منهم رجلان فقط، وذهبت طائفة منهم إلى الشام،وفي ذلك يقول الله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} (الحشر: 2).
وبهذا نرد على دعاوى المستشرقين ، وأن خروج وجلاء يهود بني النضير كان لارتكابهم جريمة محاولة اغتيال رئيس الدولة بل وكبار رجال الدولة فقد حاولوا اغتيال رسول الله وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، ولما علم رسول الله بتلك المحاولة وذلك التخطيط لم يقاتلهم ، وإنما أرسل إليهم أنكم غير مرغوب بيكم داخل الدولة لأنكم زعزعتم أمن واستقرار الدولة بتلك المحاولة الغاشمة ، وأنكم لم تحترموا الدستور والمواثيق ، فتأهبوا للخروج لشعورهم بجرمهم ، ولكن المنافقين والطابور الخامس داخل الدولة يريدونها حرب شعواء فأرسلو إليهم لا تخرجوا ونحن سنحارب معكم أو نخرج معكم ، فرفضوا الخروج فحاصرهم النبي صلى الله عليه وسلم ‘ فاحتموا بحصونهما بل وأخذوا يقذفون المسلمين بالحجارة واستعانوا بالنخيل والأشجار التي قطعها النبي العدنان في ميدان المعركة وليس هذا افسادا للعمران مما يتنافى مع رسالة الإسلام ، لأن هذا أذن به الرحيم الرحمن في ميدان القتال فقط وصوب فعل النبي العدنان وبهذا طهر النبي دولته من الخائنيين الذين حاولوا قتل رئيس الدولة وكبار رجالها