الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

رسالة إلى شهداء أكتوبر


أخى العزيز.. بل.. أبى العزيز.. بل كل شىء عزيز.

أكتب هذه الرسالة، وأبعث بها إلى روحك الطاهرة التى تمر دوما وأبدا على رأسى، وأشعر بها فى منامى ويقظى، بل لا أبالغ فى حديثى عن روحك الطاهرة حينما أقول إن تلك الروح التى كانت تسكن جسدا لا أعلم عنه شيئا تدور فى ذهنى وخواطرى وقلبى وكيانى، مذ كنت صغيرا فى المدرسة الابتدائية، حينما دخل مدرس مادة الدراسات الاجتماعية، وبدأ فى السرد عن معركة البطولة والشرف والأمانة، معركة استرداد الأرض والحفاظ على العرض ومكتسبات واستقلالية الدولة.

أتذكر هذا الدرس دون باقى الدروس التى نسيتها فى محطات الحياة  أتذكر أن الرجل بكى وهو يتحدث عن مصر، ثم انطلق واقفا وبصوت أعلى وبتمتمات مفهومة قال إن مصر هى مقبرة الغزاة، ولن يستيطع أحد أن يكمل مسيرته الظالمة ضد دولة تحتوى الجميع، ولا تفرق بين أبنائها فى الداخل أو الخارج، بل قام الأستاذ ووصف مصر بالأم الطيبة التى أرضعت الجميع، ومع ذلك ستجد بعض من أرضعتهم هم من يحاولون اغتيالها، ثم انهار الرجل فى البكاء أكثر وأكثر حينما بدأ السرد عن معركة السادس من أكتوبر فى عام 1973، قائلا كلمات شعرت أنها نابعة من لغة الأعماق البعيدة، نابعة بصدق وأمانة، وبرغم أنه كان يتحدث الفصحى الصعبة إلا أن الجميع من طلابه الصغار قد شعر بالكلمات ففهمناها، وتأثر الجميع وتحول الدرس إلى درس المشاعر الممزوج بحب الوطن، أصبح الدرس واضحا للجميع حتى قبل اكتماله، فأعطانا الرجل قصة بألف عبرة ومثل، كونت تلك الحكاية لدينا حالة استثنائية عاشت معى ومع باقى جيلى حتى اليوم برغم مرور السنوات الطويلة على انتهاء هذا الدرس.

يا سيدى الشهيد، أنت لم تمت وتحيا معنا دوما وأبدا وأنا بالخصوص رغم أنى لم أرك ولم أقابلك، ولكن تضحياتك شاهدة على إيمانك الذى زرعته فينا وأنت غائب عنا دون أن تشعر، دماؤك الطاهرة مازلت أراها مع أنى لم أكن بينكم فى جنبات المعركة، وصيحاتك المدوية فى الميدان ما زلت أسمعها فى أذنى بل تتردد داخلها كل ساعة ألف مرة، مع أنى لم أكن قد ولدت يوم المعركة، وقطرات عرقك ما زلت أشتمها وكأنها ممزوجة برائحة المسك، ولن تغيب هذه الرائحة عن جيلى ولا الأجيال القادمة حتى قيام الساعة، وصوت مدفعك ما زال يحركنى مع صوتك وتكبيراتك ويقينك بأن الله سينصر عبده وإن غاب بجسده.

يا سيدى الشهيد، إنك أعطيتنا الدرس الخالد واليقين الثابت، وقيما أخرى كثيرة، تجهلها الأمم التى لا تشبهنا، فشهادتك دليل على تاريخ مصر وأحد ملامح المجتمع العظيم، لأنك مثلت الحقيقة المصرية القديمة والحديثة الشاهدة على تاريخ الإنسان المصرى منذ أن خلق الله الأرض ومن عليها، لأن مصر لا تعرف الإستعمار ولا تسمح به ولا تعرف العدوان ولا تسمح به، ولا تعرف الظلم ولا تسمح به، بل تسمح فقط بالعدل والأصالة واليقين وإعطاء كل ذى حق حقه.

أيها الشهيد العظيم، كن مطمئنا فأبنائك لم يفرطوا فى ذرة تراب واحدة ولن يسمحوا، بل علموا الدنيا دروسا فى كيفية البقاء الأبدى، ومصر قدمت للإنسانية أعرق حضارة عرفها التاريخ، حينما جسدت الحرب كوسيلة للدفاع عن حقوق الإنسان، وحينما جسدت نسقا كثيرة من الوعى الاجتماعى والنشاط الإنسانى والحياة الكريمة.

يا سيدى كن مطمئنا، فأبناؤك وأحفادك من خلفك يكملون المسيرة، ويعلمون أنهم فداء لأوطانهم حينما يهاجمها أعداء الداخل والخارج، فمصر محمية بفضل الله وسواعد شريفة لا تبتغى غير وجه الله، وقيادة سياسية واعية لما يحدث من مؤامرات داخلية وخارجية، كن مطمئنا يا سيدى فمصر لن تسقط أبدا، وكل عام وأنت فى الجنة إن شاء الله تنعم بما وعدك به ربك.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط