الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

حُلم الخديوي الذي راودني


حطت "أوبرا عايدة" رحالها هذا العام في معبد الملكة حتشبسوت غرب الأقصر، بعد غياب نحو عقدين من الزمن عن موطنها، وأقيمت الملحمة الإنسانية الخالدة للموسيقار الإيطالي فيردي، بالتزامن مع مُرور قرنٍ ونصف على أول عروض "أوبرا عايدة" الذي أقيم بمسرح دار الأوبرا الخديوية في عام 1869، بعد أن حال تأخر وصول التجهيزات من إيطاليا دون تحقق حُلم الخديوي إسماعيل في عرض "عايدة" ضمن مراسم الاحتفالية المهيبة لافتتاح قناة السويس التي شهدها ذات العام 1869، لتُعرض بدلًا منها أوبرا "ريجوليتو" لفيردي.

تأخر حُلم الخديوي إسماعيل كثيرًا عن التنفيذ، حتى تحقق بعد مرور 146 عامًا كاملة، بعرض أوبرا "عايدة" في حفل ساهر على ضفاف القناة، عقب الافتتاح الرسمي لقناة السويس الجديدة، في أغسطس 2015، بحضور الرئيس عبد الفتاح السيسي وعدد من ضيوف مصر، وتمنيت أن أرى حُلم الخديوي والموسيقار الإيطالي فيردي يتحقق مرة أخرى، في الاحتفال بمرور قرن ونصف على افتتاح قناة السويس للملاحة العالمية لأول مرة، والذي تم في 17 نوفمبر الجاري، وجاء على نحو لم يتناسب والأهمية التاريخية والاقتصادية التي يُمثلها هذا الحدث، باعتباره يُؤرخ للحظة فارقة تدفقت فيها المياه بين البحرين المتوسط والأحمر، لتحمل على مدار عقود تلت سفن التجارة العالمية بين مُختلف الموانئ، تختصر الزمن بين الشرق والغرب، كشريان حياة للعالم.

راودني حُلم الخديوي إسماعيل مُنذ تابعتُ باهتمام عروض أوبرا عايدة هذا العام في الأقصر، بمناسبة مرور150 عامًا على عرضها الأول، وانتظرت بشغف أن يشهد الاحتفال بمرور قرن ونصف على افتتاح قناة السويس عرضا ضخمًا للحدث الفني الذي ارتبط بها تاريخيًا، لنُبهر العالم من جديد بـ "أوبرا عايدة" على ضفاف المجرى الملاحي العالمي الأبرز، بمشاركة مايسترو محترف، وأوركسترا بديعة، ونجوم كبار من مغنيي السوبرانو والتينور، لنستمع إلى مارش النصر، ونرى "عايدة" تجثو لتعترف بحبها للقائد المصري "راداميس"، الذي تنتصر في داخله العاطفة على الواجب فيكشف لـها سر الهروب من الأسر، فتُقرر الأميرة "امنيريس" البطش به، وتضعه بين خياري الموت أو الزواج بها، فيأبى بشجاعة التضحية بحبه لـ "عايدة"، وينفذ في حقه حكم الإعدام بتهمة الخيانة، لتُقرر "عايدة" أن تشاركه القبر، ويموتا سويًا، بينما يناجيان نفسيهما مُناجاة الخلود.

حُلم "الخديوي" الذي راودني، صاحبُه أيضًا تمنٍ آخر، حيثُ اخذتُ أترقبُ الاحتفالية التي ستُقام بمرور قرنٍ ونصف على افتتاح قناة السويس، ولكنها مرت بهدوء ودون صخب، وفق مراسم عادية رتيبة، كلمات افتتاحية، وعروض تقديمية، وتسليم دروع، ثم جولة بحرية للحضور الذين خلت قائمتهم من أسماء هامة، فالاحتفالية المنتظرة جاءت خالية من أي مظاهر للإبهار تتناسبُ مع ضخامة الحدث والذكرى التاريخية الفارقة، ولعله من دواعي الفخر في داخلي أني حظيت بشرف حضور حفل افتتاح قناة السويس الجديدة في أغسطس 2015، والذي شهد مراسم ضخمة، وحضورًا مميزًا من الشخصيات العالمية والمحلية، واستعراضًا قويًا لعناصر القوة البحرية العسكرية المصرية، وبمُشاركة شعبية واسعة النطاق امتدت بطول المجرى الملاحي الجديد، كما أن الشغف بالتاريخ جعلني أكتشف العديد من مظاهر الإبهار التي شهدها الاحتفال المهيب لافتتاح قناة السويس في نوفمبر 1869، أو إعادة افتتاحها في يونيو 1975، فالأمر في النهاية يتصلُ بصورة الوطن وقيمته.

الكثيرُ من الأحلام التي تُراودنا لا تجد طريقها سريعًا نحو الواقع، والحُلم الذي راود الخديوي، انتظر قرنًا ونصف كي يتحقق، فلا تكف عن الحُلم والتحليق في فضاءات شاهقة وإن بدت لا تُلامس الأرض، حتمًا ستصل، لترى الحلم يتحقق يومًا، أو يتحقق دون أن تراه كما هو الحال مع الخديوي، فالحُلم هو سر الوجود، والتوقف عن الحُلم يعادلُ الموت، تمامًا كما شدا محمد منير في عام 1994 أغنيته المُلهمة التي صاغ كلماتها الشاعر عصام عبد الله، ووضع ألحانها المبدع مصطفى علي إسماعيل "لو بطلنا نحلم نموت".

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط

-