الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

معرض الكتاب ٢٠٢٠.. تناغم ووهج





اختيار المُفكر جمال حمدان، شخصية معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته هذا العام، أكسبها قدرًا من الرصانة، يتناسبُ والرجل، ذو الملامح الجادة، والدراسات المُتخصصة حول المُجتمع والأرض والبشر، والغموض الذي أحاط بملابسات رحيله، كما ساهم الإختيار في إعادة التذكير بحمدان الذي لا تعرفه أجيالُ عديدة، إلى حد تلقي الصفحة الرسمية للمعرض ـ بحسب مسئولي الإعلام الرقمي للحدث ـ رسالة يستفسرُ صاحبها عن موعد ندوة جمال حمدان، رغم أن الموت غيبه قبل قرابة ثلاثة عقود.

انتظر معرض الكتاب كل عام بشغف، وأحرصُ على تكرار زيارته لعدة مرات كي اتمكن من تفقد معظم دور النشر، والتعرف على أغلب العناوين والإصدارات، وحضور عدد وافر من الندوات والفعاليات الثقافية، وإذا كان نصفُ عمري الأول قد ارتبط بمعرض الشارقة للكتاب، حيث ولدت ونشأت، فمنذ ألقيت مرساتي في مصر قبل ١٨ عامًا، وأنا اتخذُ من معرض القاهرة للكتاب قبلتي في مطلع كل عام، لذا يمكنني أن أقول مُطمئنًا أن دورة معرض الكتاب هذا العام الذي حملت الرقم ٥١ كانت استثنائية، أعادت إلى الحدث رونقه، وبريقه، ليسطع نجمه من جديد بين الفعاليات الثقافية العربية الكبرى.

بالأرقام.. شكلت الدورة الحالية طفرة غير مسبوقة، حيث أقيم المعرض على مساحة ٤٥ ألف م٢، بزيادة قدرها ٥ آلاف متر عن الدورة الماضية، بمشاركة ٩٠٠ دار نشر، من ٤٠ دولة، بزيادة ١٥٣ دار نشر، و ٥ دول، وتوزعت على نحو ٨٠٨ جناحًا، بزيادة ٨٦ جناحًا، كما شهد المعرض تنظيم ١٢٠٠ نشاط وفعالية، وبلغ عدد زواره قرابة ٤ ملايين زائر، وشهد مبيعات ضخمة، حيثُ تخطت الهيئة المصرية العامة للكتاب وحدها، حاجز ٢٠٠ ألف نسخة مباعة، بينها نحو ٤ آلاف نسخة من موسوعة "شخصية مصر" لجمال حمدان، بواقع حوالي ٣٠٠ نسخة يوميًا، نتيجة بيع الموسوعة القيمة بسعر محفز، بعد اتفاق مثمر بين دار الهلال والهيئة المصرية للكتاب، في ضوء اختيار حمدان شخصية المعرض.

بالتركيز على عدد من الظواهر المرتبطة بالمعرض هذا العام، أود الحديث عن:

المتطوعون: فريق المتطوعين كان متواجدًا أينما تولي وجهك، يستقبلك منذ دخولك من باب المعرض، ويرافقك في كل قاعة ورواق، بابتسامة وأدب جم، وكان لهم دورٌ فاعل، في توجيه الجمهور داخل المعرض، وإرشادهم إلى وجهتهم بين القاعات ودور النشر وأماكن الخدمات، ومعظمهم من طلاب كليات الاعلام والسياسة والاقتصاد والآداب، وننتظر أن تشهد الدورة المقبلة ضخ عددً أكبر من المتطوعين، يتناسب والزيادة المتوقعة، بعد الإقبال غير المسبوق على الدورة الحالية، والذي وصل إلى رقم ٦٠٠ ألف شخص خلال الجمعة الأخيرة.

تطبيقات حديثة: شهدت هذه الدورة إطلاق تطبيق الهاتف المحمول للتعريف بالأنشطة الثقافية وأسماء الكتب وأماكن بيعها، وبلغ عدد من قاموا بتحميله للإستفادة منه نحو ٨٨ ألف شخص، إلا أن "التطبيق" ارتبط به نقطتين سلبتيين أتمنى أن يتم تداركهم العام المقبل: الأولى، تتعلق بعدم تزويده بكافة العناوين التي تواجدت في معرض الكتاب، والثانية، ترتبط بتأثير ضعف شبكات المحمول في أرض المعارض بالمنارة، وهي المشكلة التي جعلت التطبيق يبدو شبه معطل داخل قاعات المعرض، على النحو الذي لم يتح الاستفادة منه بالقدر اللازم.

الإعلام الرقمي: التغطية الإعلامية الرقمية للمعرض هذا العام لم تكن تقليدية، بل كانت في معظمها خارج حدود المألوف، ولن أقول خارج الصندوق لأني لا أحب هذه العبارة، ولعل هذه النقطة تحديدًا لم تكن مثار استغراب بالنسبة لي، لكوني أعرف من تم إيكال هذه المهمة لهم هذا العام، وهم فريق متميز، يمتلك العديد من الأدوات، ويعرف كيف يخاطب معظم الشرائح، وكان دورهم جليًا من خلال ما يتم نشره عبر الصفحة الرسمية للمعرض على موقع التوصل الاجتماع "فيسبوك"، من خلال التعريف بالانشطة ومحتويات دور النشر بصورة جاذبة، إلى جانب التطور الذي شهدته نشرة المعرض هذا العام، من حيث المادة المقدمة والإخراج الفني الجاذب، والصور المحترفة، الأمر الذي يرجع الفضل فيه إلى حماس المجموعة التي تولت مسئولية تحريرها.

صورتي مع كتابي: هي المبادرة الأكثر جذبًا، والتي استقطبت أكبر قدر من زوار ومحبي المعرض، حيث تم إلتقاط أكثر من 250 ألف صورة لزائري المعرض مع كتابه المفضل الذى حصل عليه ونشرها على كافة مواقع التواصل الاجتماعي، ولعل ما تتميز به هذه المبادرة هي الروح الرائعة التي تتمتع بها المجموعة الشابة التي تقوم بالتصوير والتفاعل مع المشاركين بصورة جعلت من جناح تصوير ISO Photography بمعرض الكتاب نقطة مهمة تجمع المثقفين والكتاب والزوار بغية اقتناص صورة محترفة بعدسة متميزة توثق لزيارتهم لهذا الحدث الثقافي، أو توقيع الكتب التي قاموا بإصدارها، أو لمجرد صورة حلوة والسلام.  

ركن الطفل : كان الطفل دومًا محور اهتمام مُنظمي معرض الكتاب، فهو الارض الخصبة لغرس بذور حب المطالعة، ولعل الدورة الحالية شهدت اهتمامًا متزايدًا بالبراعم الغضة، عبر التوسع في إقامة فعاليات خاصة بهم، في مقدمتها "ركن الطفل" الذي ضم كافة دور النشر المتخصصة في كتاب الطفل، كما تميز بالنشاط الفاعل لمكتبة مصر العامة، والذي شمل ورش تعليمية، وفنية، جذبت عدد كبير من أبناءنا، ناهيك عن اقامة مسرحيات للأطفال، تميزت بالمحتوى الجيد، الذي يرتقي بعقول أبناءنا ويغرز في داخلهم القيم الصالحة، كما وفر المعرض هذا العام وسائل حماية وأمان للأطفال من فقدان ذويهم من خلال "سوار" حول المعصم عليه اسم الطفل ورقم ذويه. 

الموقع : بات في حكم اليقين أن الموقع الجديد لمعرض الكتاب بالتجمع الخامس، بات مسألة تم تجاوزها هذا العام بعد دورة اليوبيل الذهبي العام الماضي، بالنظر إلى الإقبال منقطع النظير، الذي يسرت له خدمات النقل التي تم اتاحتها من الميادين الرئيسية فرص زيارة المعرض دون عناء، بل بدا بوضوح أن المعرض قد تحول في موقعه الجديد من مجرد زيارة بهدف شراء واقتناء الكتب إلى نزهة متكاملة، في ظل الخدمات التي تم اتاحتها لتوفر كل ما يحتاجه الزائر.

كلمة السر في نجاح الدورة الحالية لمعرض الكتاب، تكمن في التناغم بين كافة الأطراف القائمة عليه، التي بدت وكأنها تعزف من نوتة واحدة، منضبطة، بما أوجد نغمًا متجانسًا، له روح ونبض، وهي الميزة التي أرجو أن يتم استثمارها عامًا بعد آخر، للحفاظ على وهج هذه الفعالية الثقافية الأهم محليًا وعربيًا، التي تعد دون منازع إحدى أبرز أدوات القوة الناعمة المصرية.

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط

-