الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الأمل يرتدي كمامة


كل سنة وأنت طيب يا صديقي، اتمنى أن تكون كل أمورك أفضل، هنا كل شئ كما هو، لا جديد، فقط ظهر منذ شهور قليلة فيروس لا أعرف على وجه الدقة لماذا أطلقوا عليه اسم "كورونا"، لم أكن أود أن أحدثك عنه كثيرا، ولكن الناس هنا مرعوبة ولا حديث لهم إلا عن عدد المصابين والوفيات الذي تعلنه الحكومة يوميا، هنا يا صديقي يوجد حظر تجول من المساء وحتى الصباح أضواء القاهرة خفتت والمقاهى أغلقت وتجمع الناس في منازلهم على غير العادة، والقلق والملل  تمدد تحت الجلد ولكن لا أحد يجرؤ على الشكوى فهى وكما تعلم لغير الله مذلة.

لم أكن أرغب في أن أحدثك عن شارع الفيس بوك، ستجد كل ما تريد، هنا عزاء وبعد خطوات أفراح وبعدها صرخات امرأة فقدت أحد أظافرها وهنا رجل يستأذن في الخروج لمدة أسبوع وكأن العالم سيتوقف في هذه الفترة، وبعد لحظات ستجد صلوات وأدعية ونصائح لا تملك معها إلا أن تقول حاضر في سرك.

يا صديقي أمس كان عيد القيامة لم يصلي أحد في الكنائس، استمع الجميع لنصيحة "خليك في البيت"، كانت الصلاة منقولة على التليفزيون والبابا كان يرتدى الملابس الطقسية وتاجه الفخم، لم أكن سعيدا، المشهد كان ينقصه شئ ما.
كنت أود أن اشكو لك من كم الرسائل التى وصلتنى دون أن أشعر معها بأى امتنان تلك التى تأتى جافة مدببة باهتة وكأن صاحبها يتمم واجب مدرسي بلا روح، رسائل لا تحمل أسماء، ثقيلة ومستعملة، ولا تملك معها إلا الرد بأحسن منها.

كنت أريد أن أتذكر معك احلامنا بالعيد التى كانت تبدأ من جمعة ختام الصوم واصرارنا على الذهاب للكنيسة مبكرا لنرشم بالزيت، وقداس سبت لعازر وبعده أحد الشعانين والسهر حتى الصباح ومشهد باعة السعف والورود وسنابل القمح، والتناول، وحضورنا رش الماء في صلاة التجنيز، والبصخات وخميس العهد وزجاجة المياه والتحايل على أحد الشمامسة ليضع فيها قليل من ماء اللقان، والجمعة العظيمة وطحن الطعمية، وشرب قطرات الخل، ومنازلنا العامرة بالحب ونزولنا في المساء لشراء الملابس الجديدة، وليلة ابو غلمسيس وقراءة سفر الرؤية وتصحيح الكلمات التى تنطق خطأ، وعربة الفول القريبة من الكنيسة التى كنا نذهب إليها في مشهد كنا نسميه "لقاء الوداع"، وفي المساء كنا نرتدى ملابسنا ورائحة الطعام الشهى تملأ المنزل ونذهب للكنيسة وفي العودة نجتمع أمام التليفزيون وكل ما يشغلنا "البابا شنوده شكله تعبان السنة دى ولا كويس"، وفي الصباح حفلة العيد مع أطفال الكنيسة وتوزيع الهدايا، والهدايا يا صديقي ننتظرها العام القادم، مؤكد سيمنحها الله للبشرية كلها عندما يتحنن ويرفع الوباء عنها، بعد أن نكون قد تعلمنا الدرس.

هنا في بلادنا يا صديقي يحبون الحياة، يحبونها بكل ما فيها في المنازل في الشوارع في الحدائق المغلقة والمراكب النائمة في مراسيها، هنا يا صديقي مازال الأمل ينبض، حتى ولو كان على وجهه تلك الكمامة، حتى ولو كان الأمل تحت أحد أجهزة التنفس الصناعى، انا يا صديقي كنت فقط أريد أن أقول لك، كل سنة وأنت طيب.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط