الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

بيجين .. والفتى رمضان!


مجرد أن قرأت اسمه على الغلاف، وتأملت صورته المنقوشة بالحجر، أسرعت بيدى نحو نقودى البسيطة لشراء الكتاب على الفور ودون تردد .. مناحم بيجين .. الصقر اليهودى الذى جلس على كرسى رئيس الحكومة الإسرائيلية فى حقبة السبعينات وصافح الرئيس العظيم أنور السادات يوما لعقد "صفقة القرن" الحقيقية بعد طبول الحرب فى "٧٣" ليتقاسما معا جائزة "نوبل للسلام" عن جدارة واستحقاق وذكاء مشترك .. وكم كان يهمنى أن أعرف ماهية الرجل المولود من رحم اغتصاب الأراضى والراضع من ثقافة الاحتلال وغزو الآخر .. ودفعنى كتاب "حياتى" من تأليف الباحث المتبحر خليل حنا تادرس إلى تتبع مشوار بيجين منذ نعومة أظافره إلى أن بلغ أعلى سلطة سياسية فى إسرائيل ليغير مجرى التاريخ مع الفلاح الفرعون .. ويالها من مفارقات تسجل مدى التشابه إلى حد التطابق بين الشخصيتين من حيث ظروف النشأة وتشكيل الاتجاه السياسى، مرورا بمحنة الاعتقال والتعذيب والسجن الانفرادى كضريبة لعقيدة كل منهما والإيمان بقضيته .. وانتهاء بـ "دهاء الثعالب" الجامع بين الاثنين  والذى قادهما إلى مائدة المفاوضات وإنتاج التنافر فى المواقف بصورة حادة أحيانا نتيجة لثبات كل زعيم على مبادئه وأفكاره .. وعقيدته!.
كانت فصول الكتاب فرصة ثمينة ومغرية لإدراك الطريق الذى سلكه بيجين ورسمته أصابعه السياسية للوصول إلى هدفه الأكبر .. إقامة دولة إسرائيل .. المشروع الحلم .. فخاض حرب التحرير، وقاوم أطماع الإمبراطورية البريطانية فى الشرق الأوسط، وحمل السلاح تارة وانخرط فى الجماعات السرية والمنظمات النشيطة سعيا لبناء مشروعه التاريخى .. ثم تدرج سلم المناصب القيادية داخل الحياة الحزبية ومارس أسلوب المواءمات المتزنة مع الحلفاء والخصوم بحنكة ومهارة .. وعندما تولى رئاسة الوزراء خلفا للأفعى جولدا مائير، تعلم درس "٦أكتوبر" القاسى، وجدد الثقة فى الجنرال موشى ديان، ووزير خارجيته بن إليعازر، وبلدوزر المعارك إرييل شارون .. وبقراءة دفاتر مفاوضات كامب ديفيد وتفنيد تفاصيلها وصفحاتها، نكتشف نجاح الاتفاق العظيم بفضل هذه الشخصيات التى أحاط بها بيجين نفسه بالدرجة الأولى .. ونتيقن أيضا من أن القدر أراد أن يلتقى بيجين والسادات فى مكان وزمان واحد وفى لحظة فريدة اختارها الله بامتياز لما يمتلكه هذا النموذجان من صفات وملكات نادرة لابد وأن تُتوج بـ "ثمرة ناضجة" تفيد الأجيال .. بل والإنسانية كلها!.
شخصيا .. استمتعت برحلة بيجين ، وكثيرا ما انتابنى شعور بالإعجاب والتقدير لهذا النوع من البشر .. وتحديدا هذا اللون من السياسيين دون النظر لانتماءاته أو جذوره الدينية والاستعمارية .. وإنما ما يستوقف القارئ لهذا الكتاب تلك القدرة العجيبة على الفعل والصبر المدهش على المحن والمصاعب .. والإصرار على التحدى وكسر حواجز الخوف والتمرد الواعى على قواعد السياسة التقليدية .. وتغيير الاستراتيجيات بما يلائم المرحلة وتقتضيه الظروف والمصلحة ليتحقق المراد والهدف المنشود .. مفردات رجل دولة من الطراز الأول ومانفيستو مدروس لشخصية قائد يعلم خطواته، ويذاكر عدوه بعناية، ويستفيد من أخطاء وثغرات الخصوم، ويوظف أدواته لاستقطاب الحلفاء .. والنقطة الأهم فوزه الدائم بثقة شعبه وقناعة جماهيره بموهبته وعمق رؤيته!.
- لا مجال للربط بين  واقعة محمد رمضان مع المطرب الإسرائيلى، وبين كتاب "بيجين"! .. ولكن ماورد فى "حياة العجوز اليهودى" من وقائع ومعلومات وقصص نضال سياسى وعسكرى، ضاعف من احترامنا للفلاح المصرى الأصيل الذى صافح عدوه الشرس - بكل تاريخه وأمجاده فى الماضى - ودرس شخصيته وقرأ أسرارها، فاسترد الأرض وانتزع تحية العالم .. بينما "الفتى رمضان" التقط صورة مع مجرد مطرب وهو يجهل جنسيته ودينه، واستهان بوطنه وكبرياء فنه .. فماذا جنى؟! .. وانظروا وتأملوا ماذا خسر!!

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط