الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

«صناعة وطنية» بامتياز!


أحيانا عندما تذهب يداك إلى التقاط كتاب قديم لقلم له ثقله وتاريخه وإلمامه بالكثير من الحقائق والأرقام، تنسى التوقيت الذى ظهر فيه هذا الكتاب .. وتتجاوز مرحلة الفترة الزمنية التى خرج فيه إلى النور والظروف المحيطة بصياغته ونشره .. أولا لغزارة ما يزخر به من معلومات وتحليل مدروس ومنهجى للظاهرة التى هى محور الحديث .. وثانيا لأهمية ما يطرحه الكاتب من قضية لا تقتصر على عناوين الفهرس، وإنما تشمل مصير شعوب ونمو مجتمعات ولانبالغ إذا ما ذكرنا أنها فى الواقع - وبلا مجاملة أو تضخيم - "مستقبل وطن"!.

وهذا الشعور يتولد منذ قراءة السطور الأولى لكتاب "٦٠ سنة سينما" للمؤرخ العظيم عبد الله أحمد عبد الله الذى اشتهر بلقب "ميكى ماوس" لرشاقته بين  غابات الحقل السينمائى واستخراج ما يحظى به من كنوز إخراجية وجواهر فنية نفيسة على مستوى عناصر العمل السينمائى .. ولم يقنع "ميكى ماوس" بدوره لتأصيل تاريخ السينما المصرية وتسجيل أبحديات صناعتها، وإنما يتحدث إلينا مشاركا فعالا وترسا حيويا فى عجلة الإنتاج والإشراف على كتابة السيناريوهات وإخراج أعرق وأجمل أفلامنا الكلاسيكية .. وعند كل حائط يشيده قلم مؤرخنا الراحل داخل بيت السينما الضخم يفتخر القارئ بصناعة ثقافية واقتصادية كبرى ضحَّى من أجلها عشرات النجوم فى التمثيل، والعلامات فى التأليف، والمواهب فى الإخراج، والوعى والذكاء التجارى فى الإنتاج .. وخلال العقود الستة الأولى من عمر السينما تخرج أساتذة وعباقرة من جامعة "الفن السابع"، ورسم لنا "ميكى ماوس" بتعبيراته الأدبية المدهشة وبحر ثقافته السينمائية خريطة ثرية ووافية عن سلاح تعمير جبار، وأداة تنمية اجتماعية واقتصادية تثمر أموالا طائلة فى خزينة الدولة .. وتتكشف أمام كل فصل من الكتاب قدرة السينما الخرافية على بناء المجد الفنى محفورا بأسماء لمبدعين ومثقفين  لا غبار على رصيدهم وسُمعتهم ومشوارهم .. وما تملكه هذه الصناعة الوطنية من خير وفير للفنانين  والمنتجين  ورواد الفن المخلصين ، وصولا إلى عمال البلاتوهات وجنود "خلف الكاميرا" الشرفاء، وموظفى دور العرض كحراس للغة السينما وحرفيتها الجاذبة بالترفيه والتنوير!.

هذا ما حدث فى أول ٦٠ سنة سينما .. وكان الجزء الأول من رواية "ميكى ماوس" عامرًا بالأبطال والفرسان .. رجال ونساء، وأطفال أيضا لم يدخروا جهدًا وعرقًا ومالًا لخلق مُناخ فنى صحى وغرس قيمة وضرورة السينما فى حياتنا إذا ما أردنا نهضة بلد وبناء إنسان .. ووسط انتشار الأفلام وقتذاك - كمًا وكيفًا - يتعجب المرء من تراجع وانحدار السينما المصرية فى السنوات الأخيرة وعدم الحفاظ على هذا الميراث العظيم، بل وضعف الاستفادة من تجارب الأجداد والأجيال الذهبية .. وبالفعل صرنا أمام "صناعة خاصة" .. ولكنها تصدر رسائل سلبية وتنتج بضاعة رديئة المستوى وخالية من الذوق والوعى وتخاطب فى أغلبها النصف الأسفل من أجسامنا           
لتحرك الغرائز وتخدر العقول!.

‫-‬ كان حلما جميلا ومريحا على أنغام "ميكى ماوس" .. قادنا إليه الحنين  نحو الماضى الدافئ، وشاهدنا فيه شريط سينما طويلًا ومُشرِّفًا لـ "صناعة وطنية" بامتياز .. ومع الأسف لانريد أن نستيقظ منه هروبا من صدمة الواقع والوضع الراهن .. ولكننا مضطرون، على الأقل للتفكير فى وسيلة إنقاذ نحمى بها الباقى من ساعات "أرقى الفنون" وأكثرها تأثيرًا وسخاءً .. وحضارة!
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط