الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الطاقة النظيفة.. من «فضلات الإنسان»!


كلما اطلعت على تقرير إخبارى يحمل فكرة مبتكرة أو رؤية جديدة للواقع، يتعمق إيمانى وتتضاعف قناعتى بدور وقيمة وأهمية العلم والتفكير الإبداعى لإقامة حياة كريمة أو الوصول إلى مستوى إنساني أكثر رقيا وتحضرا .. بل ومن فأس العلم ومحراث العقول النابغة تنهض المجتمعات وتنشط قدرتها على حل المشاكل وتجاوز الأزمات والانتقال من صف الفقر والاضمحلال إلى مرتبة الثراء والقوة.. ويجسد ذلك بوضوح وامتياز ما تداولته المواقع الإلكترونية ودوائر الإعلام المرئية والمسموعة من دراسة لشركة "ثيمز ووتر" البريطانية العملاقة تخطط بها قريبا لتدفئة آلاف المنازل بالاعتماد على الفضلات البشرية، فى تجربة هى الأولى من نوعها.. وتهدف الدراسة إلى استخدام الحرارة الزائدة عن عملية معالجة مياه الصرف الصحى، وبدلا من إعادتها إلى النهر مباشرة، يتم التقاط ثلثها وإرسالها إلى مركز طاقة جديد، للمساعدة فى تسخين  المياه واستغلالها فى عملية تدفئة المنازل بأقل التكاليف وبما يوفر مصدرا حيويا ودائما من الطاقة النظيفة الخالية من التلوث البيئى.

وفى حالة نجاح التجربة، تستعد "ثيمز ووتر" لتوسيع نطاقها بحيث تشمل المباني العامة والتجارية فى لندن، وهو ما شددت عليه سارة بنتلى، الرئيس التنفيذى للشركة البريطانية عندما أكدت أن جوهر المشروع هو الاستفادة من "فضلات الإنسان" لخلق حرارة متجددة وتعزيز حماية البيئة بالمساهمة فى تقليل ملايين الأطنان من انبعاثات الكربون من ناحية، وإتاحة طاقة نظيفة مضمونة النتائج بخلاف طاقة الرياح والألواح الشمسية مما يوفر  للمرافق نحو ٤٠ مليون جنيه إسترلينى سنويا من ناحية أخرى.

هذه هى القصة باختصار، ومن يرغب فى التفاصيل يذهب إلى ورقة البحث ومناقشة صاحبها .. ولكن ما يعنينا هو غياب هذه الأفكار المضيئة عن حيز اهتمامنا والانغماس فى استراتيجيات تقليدية تهدر الوقت والجهد وتستنزف الأعصاب .. بينما غيرنا يفكر وينقب عن أشياء وقاذورات القمامة ومخلفات دورات المياه لإعادة تدويرها وجلب المنفعة من ورائها فى صورة طاقة نظيفة أو سلاح تعمير أو أداة بناء .. وإن كنت أتصور أن مثل هذه الأبحاث والدراسات ليست مهجورة من عقول وخيال علمائنا وأبنائنا الموهوبين، وإنما فقط لا تلقى الاستجابة المطلوبة والرعاية المنشودة من دوائر السلطة وصناع القرار لاعتبارات سياسية وأمنية معروفة، وصار من الضرورة التمرد على هذه الاعتبارات وكسر حواجزها حفاظا على ثرواتنا القومية .. وأجيالنا القادمة!.

العالم يتغير بقوة وسرعة صاروخية، وثمة دول تتقدم وتقفز بسنوات ضوئية نحو مكانة أعلى ونفوذ أكبر، لأنها أدركت مواردها وفتحت الطريق أمام شعوبها لإعمال العقل وتطوير الواقع بأساليب تستند إلى التفكير الإيجابى والتفوق العملى .. وأحيانا النظر إلى "فضلات الإنسان" أفضل وأجدى - وأكثر ربحًا - من البحث فى دفاتر "مخالفات البناء" القديمة أو الغرق فى ملفات "التسجيل العقارى" وابتزاز الأزواج وذوى الأملاك!.     
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط