الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

هل نمارس التنمر فى مجتمعنا؟


كثيراً ما تتردد على مسامعنا كلمة التنمر، فلان يتنمر على فلان، هذا يمارس التنمر على هؤلاء، ابنى يمارس عليه التنمر بالمدرسة، زملاء بنتى يتنمرون بها فى العمل، أخى الأكبر يمارس علي التنمر، فى العمل يتم التنمر بصديقى، وغيرها من العبارات التى أصبحت تستخدم هذا المصطلح العلمى الجديد نوعاً ما على مجتمعنا العربي، ويكاد لا يخلو مجتمع من هذا التعبير حسب الدرجة والشدة والنوع، ويتوقف كل هذا على درجة ومستوى الوعى والأخلاق والتقاليد والعادات والثقافة من مجتمع لآخر.


فالتنمر أصبح منتشرا بشكل كبير، وبدرجة مباشرة أو غير مباشرة، وأصبحنا نرى هذه الظاهره الخطيرة فى كل الطبقات الاجتماعية، وفى كل مكان من حولنا، المنزل، والعمل، والمدرسة، والأندية الرياضية، وفى الشارع، حتى أماكن العبادة، ووسائل التواصل الاجتماعى.


والتنمر يعرف على أنه سلوك عدوانى متكرر يهدف إلى الإضرار بشخص آخر بشكل متعمد، من خلال سلوك عدوانى جسدى أو نفسي، ويأخذ هذا السلوك أشكالا متنوعة منها: التنابز بالألقاب والمعايرة، والإساءات اللفظية المباشرة أو المكتوبة، والعبارات النابية، أو الاستبعاد من النشاطات والمشاركات، أو الأنشطة الاجتماعية، والإكراه على أشياء لا يرغبها الشخص.


وهناك العديد من الأمثلة والنماذج التى نمارسها أو تمارس على أشخاص من حولنا، مما نطلق عليه لفظ أو مصطلح تنمر على الآخر.


فنجد أحياناً من يستخدم ألفاظا نابية وعبارات أو تلميحات مهينة ضد شخص آخر، أو استخدام كلمات ينادى بها شخصا آخر لا يرغبها الشخص الآخر وتسبب له ألما نفسيا.


وهناك من يلصق اسما بشخص آخر مرتبط بعلة جسدية أو عاهة أو تشوه معين، وكثيراً ما نسمع تلك العبارات التى ينادى بها أفراد حى شعبي معين بعضاً من ذوى الإعاقات الجسدية أو النفسية، مما يدل على التجرد من المشاعر الإنسانية، ويشعر المتنمر بنشوة الانتصار على ضحايا الواقع عليهم التنمر، ورغبة فى لفت الانتباه والتفاخر واستعراض القوة، وأحياناً يكون بدافع الثأر لنفسه على التنمر الذى حدث له فى فترات ماضية.


كما نرى الكثير من سلوكيات التنمر بالركل والضرب والتعذيب الجسدى والاعتداء الجسدى، وما أكثرها على الحيوانات والتلذذ بإيقاع التعذيب الجسدى والنفسي بها، وترك علامات جسدية شديدة الخطورة.


وما أكثر التنمر الاجتماعى حالياً من خلال ترك الفرد وحيداً، أو إلصاق التهم والشائعات عليه بالباطل كما يحدث على وسائل التواصل الاجتماعى والتشهير بالبعض والتنمر بهم وعرض معلومات مضللة وكاذبة كى ينالوا منهم ومن سمعتهم.


أيضا التنمر بذوى الاحتياجات الخاصة، ونجد استغلال حالات كثيرة كنوع من الدعابة والضحك وجمع أكبر عدد من مشاهدات عبر يوتيوب أو تيك توك دون أدنى رحمة أو إنسانية، كما أننا نتنمر ونخترق الحيز الشخصى لمعظم ذوى الاحتياجات الخاصة من خلال النظر إليهم كما لو كانوا كائنات من عالم آخر، ولم يقف التنمر بالنظر فقط بل يمتد لكلمات جارحة وأحيانا ضحك وسخرية وتعليقات.


والتنمر فى المدرسة أصبح ظاهرة خطيرة تنتشر فى مدارسنا بشكل ينظر بالخطر على أبنائنا، وارتفاع معدلات السلوك العدوانى والعدوانية بين الأطفال، والتنمر لا يقف على مرحلة التعليم الابتدائى بل يمتد لمراحل الثانوى والجامعة وأماكن العمل لحد ينظر بدق ناقوس الخطر.


ونجد أن المتنمر لا يعير أى انتباه لضحايا، ولا يشعر بمدى الألم النفسي الذى يلاحق من وقع عليه التنمر، بل العكس يزداد المتنمر فخراً وتباهيا واستعراضا للقوة والتفاخر بما قام به.


وإذا نظرنا إلى سيكولوجية المتنمر، نجد أنه شخص تنحسر شخصيته المضطربة ما بين اضطراب شخصية سيكوباتية معادية للمجتمع، لديه نقص فى تقدير ذاته فاقد الثقة بنفسه، لديه عدائية متغلغلة فى سمات شخصيته، يتصف بالأنامالية، أنا ومن بعدى الطوفان، أنانى الطبع، يعانى من التفكك والصراعات الأسرية منذ الصغر، متدنى الأخلاق، يعانى من خلل فى الضمير والشعور بالإحساس الجمعى.


كما نجد لأن الضحية، وأعنى هنا الشخص الذى وقع عليه التنمر، أصبح يعانى من الاكتئاب، وبعض الاضطرابات السلوكية، خاصة لدى الأطفال، وفقدان الثقة بالنفس، والانعزال والشعور بالوحدة والقهر النفسي واليأس والإحباط، ونجد أن كل هذه الاضطرابات يصاحبها القلق الشديد والتوتر واضطرابات النوم وتصل إلى حد اللجوء إلى إيذاء الذات كاستعمال المواد المخدرة أو محاولات الانتحار أو الانتحار بالفعل.


وللحد من تلك الظاهرة وعلاجها، نحتاج إلى فرض قوانين صارمة لضبط سلوك المتنمرين، فالالتزام بالقوانين واللوائح ينظم العلاقة ويوفر بيئة آمنة سواء داخل المدرسة أو فى الشارع أو عبر وسائل التواصل الاجتماعى، حتى تصبح السلوكيات محكومة بقوانين تحد من شيوع السلوك العدائي بين أفراد المجتمع.


احترام الآخر وتقبله، ثقافة وأخلاق حثت عليها الأديان السماوية، ولا بد من التركيز عليها داخل دور العبادة ووسائل الإعلام وأدبيات السينما المصرية بل والعالمية، دور الأجهزة التنفيذية والرقابية مهم جدا لحماية المواطنين سواء الأطفال والشباب والكبار من التنمر والعدوانية.


نحتاج لتفعيل منظومة القيم والأخلاق فى مدارسنا وجامعاتنا ووسائل الإعلام ودور العبادة حتى نخلق جيلا واعيا بثقافة احترام الآخر، جيل يعى معنى الحرية وقبول الآخر ويقدر الاختلاف والتنوع بين البشر، وللحديث بقية.


المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط

-