الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

آثارنا .. وغاباتنا المتحجرة!


ما أكثر الأقلام الشريفة والأصوات الصادقة التى حركتها الغيرة الوطنية وارتفع نداؤها بإعادة آثارنا التاريخية المنهوبة فى الخارج، واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لاسترداد هذه الكنوز النادرة، ومحاسبة القراصنة الذين استولوا عليها واستفادوا من ورائها فى متاحفهم ومزاراتهم السياحية بمنطق المحتل الغاصب .. وآخر نداء قرأناه للكاتب الصحفى المثقف عبد الله عبد السلام بعموده اليومى “أفق جديد” بجريدة الأهرام، ضاربا المثل بالنموذج اليونانى الذى لا تتوقف قيادته السياسية عن المطالبة باسترجاع آثار وتماثيل الإغريق القديمة القابعة فى لندن، بل ويرتفع سقف المطالب إلى حدود التعويضات عن سنوات السرقة والتربح من وجود هذه الآثار بعيدا عن أرض الوطن .. 


ولعلنا نقتدى بهذا الموقف الثابت من أصحاب الحضارات العريقة - ونحن من نفس الفصيلة - ونكثف من المساعى الدبلوماسية والجولات المكوكية بالتنسيق بين وزارتى الآثار والخارجية لتشكيل فريق بحث متكامل العناصر ويتكون من ذوى الكفاءات والخبرة العلمية فى التاريخ وأصول الحضارات والثقافة الفرعونية .. على أن يتولى هذا الفريق مهمة تتبع كمية الآثار والمقتنيات الثمينة التى تملأ متاحف أوروبا وتتزين بها أمام السائحين والزوار من مختلف الدول والجنسيات، بينما نحن - أصحابها وملاكها وأحفادها الحقيقيون بالوثائق والمستندات - خارج الصورة ونجلس فى مقاعد المتفرجين نصفق ونفتخر فقط!.


لقد دق جرس الإنذار فى هذه القضية الكثيرون من النخبة الثقافية وكوادر العلم وأساتذة التاريخ والأنثروبولوجيا.. ومن المؤكد أن الجهات الرسمية بلغتها تلك التحذيرات واستمعت لدعواتها ومناشداتها بالتدخل والتحرك السريع لتحرير كنوزنا المسلوبة من قبضة الاستعمار الثقافى والغزو الحضارى .. ولاتزال النتائج سلبية والاستجابة ضعيفة سواء من “شرفاء حكومتنا” أو أنظمة الدول المتهمة بالسطو على حقوقنا المشروعة .. وأرى أن بطء السلحفاة فى إنقاذ آثارنا يقتضى مرسوما رئاسيا صارما يلزم الوزارات المعنية بالموضوع بوضع خطة دقيقة ومصحوبة بجدول زمنى لإجبار الغرب على احترام وتلبية رغبتنا فى عودة كنوزنا إلى أرضها واستثمار عوائدها الاقتصادية والقومية لصالح الدولة والشعب المصرى بأسره .. وتحديدا لست على دراية تامة بكيفية تطبيق الخطة أو آليات تنفيذها، وإنما بالاعتماد على أهل المعرفة ومتخصصى علوم التاريخ والسياسة وجهابذة القانون الدولى، بمقدورنا أن نتوصل إلى صيغة وبرنامج مرسوم ينتهى بإعادة كل الآثار الضائعة، تحت إشراف لجنة عليا ونقلها إلى حجرات وقاعات المتحف المصرى الكبير الذى نستعد لافتتاحه الضخم بالتسويق والدعاية .. وأظنها فرصة ذهبية وعظيمة لاستغلال مساحات المتحف الشاسعة فى شغلها بآلاف القطع الأثرية المهاجرة، ولنا أن نتخيل عمق وسخاء الفائدة سياحيا واقتصاديا عندما تحتوى “معدة” المتحف الكبير على ما سرقه “اللصوص ٥ نجوم” على مرأى ومسمع من العالم .. فهل نتحرك ونفعل شيئا مفيا ونافعا لماضينا ومستقبلنا … أم ماذا؟!


- وقياسا على نفس المأساة .. طالعتُ درسا بديعا فى كتاب القراءة المدرسى لابنتى الكبرى بالعام الثالث الابتدائى، وكان عن “محمية الغابات المتحجرة” .. ودفعتنى المعلومات العامة عن المحمية فى الدرس المختزل إلى التنقيب عن أسرار هذا الكنز المهجور، لأكتشف ٧ كيلومترات مربعة هى مساحة المحمية الزاخرة بالأشجار التى تحولت من أخشاب إلى غابات حجرية عمرها أكثر من ٣٥ مليون عام .. بقعة سحرية على طريق القاهرة الجديدة فى اتجاه العين السخنة .. ويضربك شعور بالرعب والغضب بمجرد أن تعلم أن هذه المنطقة التاريخية صارت ساحة لأكوام القمامة وعرضة لنهب رمالها النفيسة على مدار سنوات بعد ثورة يناير .. وتدريجيا اختفت الحياة عن تلك المحمية واكتفت وزارة البيئة بالتعاقد مع شركة أمن أجنبية لتجنيد حراسها لحماية المكان! .. 


وهكذا نتعامل مع مقدساتنا الحضارية بمنتهى الإهمال والتقصير، ونفرط فى “منجم ذهب” إذا ما أحسنا استغلاله وتطويره وصون ما به من ثروات طبيعية، منحنا الكثير ووضعنا فى مرتبة أعلى ومكانة مرموقة على خريطة الكون! .. وما ذكرناه عن آثارنا المنهوبة فى الخارج ينطبق بحذافيره على غاباتنا المهدرة فى الداخل .. والمسئول فى الحالتين واحد .. ومعلوم!.

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط