الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

«حقنة» الجنسية الأمريكية!

 

تماما كالمخدرات .. يسرى الحلم بالجنسية الأمريكية فى عروق أى أسرة تنتظر مولودا جديدا وتسعى جاهدة ومضحية بكل استقرار نفسى واجتماعى ليحصل اسم الابن أو الابنة على خانة “المواطن الأمريكى” ويتغذى الجنين فى الرحم على “حبر” جواز السفر العظيم!.
ومن هذا الحلم، بدأت متاهة “لعبة نيوتن” بخيوط ناعمة ورفيعة نسجها خيال المخرج تامر محسن مع فريق عمله من ورشة الكتابة وطاقم التصوير .. وتحت تأثير شهوة الطمع والضعف أمام إغراء “البيت الأبيض”، حصل كل بطل من أبطال العمل على “الحقنة الخادعة” باختيار كل فرد، ليسير فى الاتجاه المرسوم نحو قدره و”ثمرة” أفعاله .. فهاهى زوجة تتخبط فى تصرفاتها وقراراتها ما بين التهور والاضطراب السلوكى .. وزوج يستسلم لإملاءات الآخر ويرتضى لنفسه حالة الانتظار لأى فعل .. وثالثهما رجل يتخفى وراء ذقن التقوى ولسان الورع ليستر عوراته النفسية وماضيه المعقد الذى يدفعه لمحاولة امتلاك أى شئ وبأى وسيلة أو ثمن .. وأفرزت أ    ضلاع المثلث علاقات مشابهة تحركها مشاعر مشوهة ودوافع ملوثة .. وتفوق المخرج فى ممارسة مناورات “الشد والجذب” وفقا لنظرية نيوتن بين شخوص لعبته الدرامية، وكثيرا ما يترنح المتلقى بين هذه الحبال الوهمية، فأحيانا يتعاطف مع طرف، ويسخط على طرف .. يرفض مبررات الأم، ويتفهم حيرة الأب وبالعكس .. يحاول قراءة قصة الحب الأبوية المريضة نحو العشيقة المرتمية فى أحضان الموت .. يعيش لحظات داخل منزل عائلة “إخوانية” ليتعرف على منطق أفرادها وكيف يخطط الابن الأكبر لطريقه ومصير من حوله .. كانت لعبة مثيرة وشاقة أجبرنا المخرج على المشاركة فيها بشغف ومتابعة أحداثها المتدفقة بالإيقاع السريع وصراع المشاعر المشتعل ومفاجآت الشخصيات التى تُشرِّح ما تحت جلدها بـ “مشرط” الكاميرا الدقيق!.
وثراء الشخصيات بأبعادها المتصاعدة، يقتضى ممثلين يجمعون بين الموهبة فى التعبير والفهم الجاد لما يصدر عنهم من أفعال وإشارات .. ولذلك تذوقنا أداء منى زكى الحريرى وقدرتها البارعة على التقاط الأحاسيس وتحويلها إلى نظرات وإيماءات عميقة المعنى والمقصد .. وتحمسنا للمباراة المتكافئة بين محمد ممدوح بكل طاقته المتوهجة وإخلاصه فى تجسيد المعاناة، وبين محمد فراج المتمكن من أدواته سواء بلغة العين أو التنوع المدهش فى اختيار طبقات الصوت .. وتوقفنا عند عائشة بن أحمد برهافة حسها وسلاسة حالتها الإنسانية، بينما كنا نتوقع رؤية مغايرة من سيد رجب لنموذج “التاجر الحزين” بعيدا عن النمطية وتكرار نفس أسلوبه فى لحظات الصمت والانكسار والتسلط دون بصمة جديدة!.
- حقا كانت “حقنة” ذات جرعة كبيرة وشديدة التكثيف والقوة أبرزت تأثير “الجنسية الأمريكية” فى تغيير مسارات البشر وقدرتها السحرية على إغراقهم فى حروب نفسية تكشف مدى عبوديتهم لرغباتهم .. وعدم ترفعهم عنها بالأفعال النبيلة والتفكير السليم .. وأكبر جائزة تستحقها سيمفونية “ لعبة نيوتن” الهامسة والمتمردة على نغمات الضجيج والصراخ، أنها ضاعفت من نفورنا وانصرافنا عن دراما “الشتائم والألفاظ النابية” وماتنتجه من بضائع فاسدة وفارغة فنيا .. وأخلاقيا!.

 

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط