الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

في تجربة الرئيس .. من محمد علي إلى عبد الناصر

في أحد اللقاءات التليفزيونية، كان ذلك منذ سبع سنوات تقريبا، وعلى الفضائية المصرية، ذكرت أن الرئيس عبد الفتاح يتسلم مقاليد الحكم في مصر وأمامه تجربتان هامتان هما ميراث مصر في العصر الحديث: الأولى تجربة مؤسس مصر الحديثة محمد علي باشا، الذي جاء به المصريون حاكما لهم عقب فشل الحملة الفرنسية على مصر، تلك الحملة التي كانت لحظة الصدمة الكبرى، ليس لمصر فحسب، بل للشرق جميعا وللعالم الإسلامي كله، حيث كشفت عن الفرق الهائل في القوة بين الغازي بونابرت وبين المماليك الذين كانوا يسيطرون على حكم مصر، من ناحية، والفرق الهائل في العلم الذي كانت أوروبا قد خطت في طريقه خطوات كبيرة في حين مصر والعالم الإسلامي يغطون في غياهب الجهل.
هذه اللحظة الكاشفة والصادمة كانت بداية لتجربة محمد علي باشا التي تخللها مغامرة دفعت لها القوة الهائلة التي امتلكها محمد علي بعدما استطاع تكوين جيش مصر لينافس به أقوى جيوش العالم هذا الذي جعله يسيطر على الحجاز وفلسطين والشام ويقف على أبواب إسطنبول وكاد يحقق القضاء على الخلافة العثمانية التي لم تف بوعودها لحاكم مصر، فما كان من الدول الأوروبية إلا أن تحالفت ضد جيش مصر لتوقف زحفه الذي تخطى كل الحدود المسموح بها، حيث كانت الدول والقوى الأوروبية تخشى أن تحل مصر القوة الفتية الصاعدة محل الخلافة العثمانية الضعيفة.

فما أن خلف السلطان عبد المجيد الأول أباه السلطان محمود الثاني، وهو صبي لم يبلغ الثامنة عشرة من عمره، إلا وسارع إلى إجراء مفاوضات مع محمد علي. فاشترط محمد علي، لعقد الصلح، أن يكون الحكم في الشام ومصر حقًا وراثيًا في أسرته. وكاد السلطان عبد المجيد أن يقبل شروط محمد علي لو لم تصله مذكرة مشتركة من بريطانيا وروسيا وبروسيا والنمسا، تطلب منه قطع المفاوضات مع محمد علي. وكانت الدول الأربع قد اتفقت على منع محمد علي، القوي، من أن يحلّ محل السلطنة العثمانية، الضعيفة، في المشرق العربي، الذي تمر فيه طريق بريطانيا إلى الهند.

ولسنا في حاجة إلى الدخول في تفاصيل مؤتمر تلك الدول الأربعة الذي عقد في العام ١٨٤٠ مع الحكومة العثمانية في لندن والذي تم فيه بحث ما عرف "بالمسألة الشرقية" ولكن ما يعنينا هو نتيجته حيث وقّع محمد علي اتفاقية مع خصومه وعد فيها بالإذعان لرغبات الدول الكبرى والجلاء عن بلاد الشام بشرط ضمان ولايته الوراثية لمصر، فأصدر السلطان فرمانًا بجعل ولاية مصر وراثية لمحمد علي باشا، وانتهت بذلك الأزمة العثمانية - المصرية، وجلا المصريون عن الشام.

أما التجربة الثانية التي قصدت بأنه لابد من النظر فيها بتريث شديد وتأني عميق هي تجربة الزعيم جمال عبد الناصر والذي هو أول رئيس مصري يحكم مصر بعد الملكة كليوباترا: الملكة كليوباترا السابعة هي آخر ملوك الأسرة المقدونية، التي حكمت مصر منذ وفاة الإسكندر الأكبر في عام 323 قبل الميلاد، وحتى احتلال مصر من قِبَل روما عام 30 قبل الميلاد.
والذي كان له مشروع طموح يظهر في حجم التغير الذى جرى في الاقتصاد والمجتمع بمصر، وجرى لدور مصر في المنطقة، في أقل من عقدين من الزمن، وهو تغير لا يضاهيه أي شيء مماثل في تاريخ مصر منذ العصور الوسطى إلى الآن (باستثناء العقدين الأولين من حكم محمد على قبل قرن ونصف القرن من عصر عبد الناصر).

ومهما تم من تناول للتجربة الناصرية فإن أصدقاء وأعداء الرجل خارج مصر والعالم العربي، رأوا ما يقوم به على أنه مشروع، وتصرفوا معه ومع مصر في عهده، على أن ما يقوم به جزء من كل، وأن ذلك الكل هو مشروع متكامل.. بعضهم رآه مشروعاً يستحق المساعدة، وبعضهم رآه خطرًا لا بد من القضاء عليه، ولقد نجح الفريق الأخير في إجهاض هذا المشروع الذي مازال يملك أفئدة وعقول العديد من أبناء الشعب المصري والشعوب العربية، ويتم استدعاء الرجل البطل في كل إخفاق يصيب الأمة.

وذكرت في ذلك البرنامج التليفزيوني، المشار إليه، مقولة هامة وكاشفة لأديبنا العالمي نجيب محفوظ تعليقا على هاتين التجربتين: العلوية والناصرية واللتين رأى سببا مشتركا في إخفاقهما وهو العامل الخارجي، فرأى أنه على مصر في علاقتها بالقوى العظمى أن تكون كعلاقة كوكب الأرض بالشمس فلا تبتعد عنها فتتجمد ولا تقترب منها فتحترق، في إشارة هامة لأهمية التوازن وضرورته في طموح مصر ودورها الإقليمي والدولي.

ومن الملاحظ في هاتين التجربتين كذلك هو اعتمادهما الرئيسي على الجيش، ذلك الذي لا يمكن لأية دولة تسعى لتحقيق مشروع لها وفرض دور حيوي إلا إذا امتلكت من القوة ما يحمي هذا المشروع وما يساعد على القيام بهذا الدور، وما يمثل سلاح وقوة ردع لكل الأعداء ولكل من تسول له نفسه الاعتداء أو العبث بقدرات الشعب المصري أو العبث بالأمن القومي المصري، أو الطمع في ثروات الدولة المصرية.
إن قوة أي دولة تتمثل أول ما تتمثل في الجيش الذي يجب أن يلتف حوله أبناء الشعب، ومن هنا يمكن أن ندرك أهمية ما قام به الرئيس عبد الفتاح السيسي من بناء متين للجيش المصري الذي لا يوجد جيش في العالم ينعم أن يتمتع بما ينعم ويتمتع به من دعم مطلق من شعبه، حيث أن الشعب المصري جميعه يقف صفا واحدا خلف قواته المسلحة.

إننا نستطيع أن نقول ونحن مطمئنو البال أن الرئيس عبد الفتاح السيسي يقوم على تجربة مصرية جديدة فريدة مستفيدا من التجربتين السابقتين إفادة كبيرة، فالمتابع لما يحدث على أرض مصر، يدرك إدراكا تاما أن العماد الأول للمشروع "السيساوي" تم ويتم العمل عليه بكل إصرار وقوة وهو بناء جيش مصري عصري قوي يمتلك أحدث الأسلحة وأقواها ويمتلك أكفأ العناصر المدربة على هذه الأسلحة والقادرة على تنفيذ أية مهمة تكلف بها، إنه امتداد لقوة جيش محمد علي هذه القوة التي جعلته يحتل مركزا متقدما بين جيوش العالم: فهو يحتل المركز الأول عربيا ، حيث تعتبر أقوى دولة عسكرياً بين الدول العربية. ويحتل الجيش المصري المركز 13 عالمياً بحسب قائمة موقع غلوبال فاير باور، وهو ما يمثل قوة ردع لكل من تسول له نفسه العبث بمقدرات مصر وأمنها القومي، ولعل مشروع الحرب الذي انتهى قبيل قليل والذي أقامه الجيش المصري بالتعاون مع الجيش السوداني على أرض السودان الشقيقة والذي جاء تحت شعار "حماة النيل" والذي شاركت فيه العديد من أفرع وأسلحة القوات المسلحة، هذا المشروع الذي سبقه مشاريع مع عديد الجيوش المتقدمة في العالم: الصديق منها والشقيق، إنما يعكس العديد من الدلالات والتي على رأسها جاهزية القوات المسلحة المصرية للذود عن حقوق مصر التاريخية وثرواتها المكتشفة والدفاع عن أمنها القومي بالبسالة المعهودة من أبطال القوات المسلحة المصرية.
إن المشروع السيساوي، مثله كل مشروع حضاري مصري، يعتمد اعتمادا كبيرا على قدرات جيشنا، الذي لا يحمي المشروع فحسب، بل يشارك بالنصيب الأوفر في تحقيقه، حيث تتشارك قوات الأمن المصرية مع كافة مؤسسات الدولة المصرية، تلك التي حرص الرئيس السيسي على بنائها وتحديثها لتناسب المرحلة السيساوية التي نرى فيها مصر تلعب الدور الأول والأكبر والأهم في الإقليم، كما تلعب دورا هاما على الصعيد العالمي، هذا الدور الذي يشهد به كبار قادة العالم، ولعل الأزمة الأخيرة في أهم قضية في الشرق الأوسط وإحدى أهم القضايا العالمية وهي القضية الفلسطينية والتي شغلت العالم لمدة بضعة عشر يوما، لم تنجح كافة المساعي ولم يستمع فيها إلى صوت القادة حتى حملت القاهرة القضية على كتفها وهنا وضعت الحرب أوزارها واستمع الطرفان لصوت الحكمة الخارج من القاهرة على لسان زعيم الأمة الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي أرسل وفدين أمنيين لكل من الإسرائيليين والفلسطينيين ليعرضا الحل المصري الذي وافق عليه الطرفان، وهنا عمل الرئيس السيسي على تثبيت هذا الحل فأرسل رئيس المخابرات المصرية اللواء عباس كامل ليلتقي في تل أبيب برئيس الوزراء الإسرائيلي وكذلك رئيس السلطة الفلسطينية الرئيس محمود عباس ورئيس حماس في غزة، كل ذلك لرفع المعاناة عن الشعب الفلسطيني وتثبيت وقف إطلاق النار برعاية وضمانة مصرية، شهد العالم كله لها، هذا الذي جعل قادة الدول الكبرى في العالم تسعى للاتصال بالرئيس عبد الفتاح السيسي مبدية تقديرها لدوره الفاعل وحكمته الكبيرة وقدرته على إدارة أعقد صراع ليس في المنطقة فحسب بل في العالم كله، وكان على رأس من اتصلوا بالرئيس عبد الفتاح السيسي الرئيس الأمريكي جو بايدن الذي غرف من بحر المديح ليوفي الرئيس عبد الفتاح السيسي بعض حقه.

إن المشروع السيساوي الذي اهتم اهتماما كبيرا بالقوات المسلحة لم يغفل ناحية من النواحي، ولا مجالا من المجالات، إذ كيف لمشروع يسعى أن يترك بصماته، ليس على تاريخ مصر فحسب، بل على التاريخ العالمي أن يهمل ناحية من النواحي؟! فوجدنا العمل السياسي والدبلوماسي يتناغم بنفس القوة مع النشاطات القتالية للقوات المسلحة، ذلك الذي فرض مصر فرضا على الساحة الإقليمية والساحة الدولية.
وإن كان المراقب يستطيع أن يلحظ دور ومكانة مصر الإقليمية والدولية فإن المتابع لما يجري على أرض مصر من مشروعات عملاقة وإصلاحات اقتصادية غير مسبوقة، وتشريعات تحمي ما يتم تحقيقه من إنجازات هذا المتابع يدرك دون عناء أن أدوات المشروع السيساوي تعمل جميعا في وقت واحد وفي خطوط متوازية لتحقيق نهضة غير مسبوقة أؤكد أنها خلال بضع سنوات سوف تضع مصر في مصاف دول العالم الذي يشار إلى تجربتها بالبنان، والتي ستكون محل بحث ودرس وفحص لتسفيد منها شعوب دول العالم الساعية نحو التقدم.

إن من يعمل على مشروع بهذه الضخامة وذلك الطموح لن يعدم الوسيلة تلو الأخرى التي يوفر من خلالها الأدوات التي تحمي هذا المشروع، هذا الذي يجلعني، بصفة شخصية، لا يساورني أدنى شك في أن صاحب المشروع القائد الأعلى للقوات المسلحة المصرية لن يعدم الوسيلة والتي لابد أن تكون هي المناسبة تمام المناسبة في قضية القضايا للشعب المصري على مر جميع أجياله عبر التاريخ وهي قضية مياه النيل، التي أعلن الجيش عن حمايتها في المشروع المشترك مع الجيش السوداني "حماة النيل" والذي فيه رسالة واضحة من أنه على أتم الاستعداد إن صدرت له الإشارة للتعامل مع قضية سد النهضة، وإن الاعتماد عليه هو أحد الخيارات المصرية وإن لم يكن الأخير، بل ربما كان آخر هذه الخيارات التي يتدرج فيها القائد الأعلى للقوات المسلحة المصرية الرئيس عبد الفتاح السيسي تدرجا يناسب القضية، فلا يقدم حلا قبل حل ولا يستبعد حلا مهما كان، حيث أن النتيجة المطلوب الوصول إليها في كافة الحلول هي الحفاظ على حصة مصر في مياه النيل التي أعلن الرئيس أنها خط أحمر وأنه غير مسموح بنقصانها بمقدار قطرة مياه واحدة، وكلنا ثقة في أن ذلك لن يحدث، طالما هناك قائد بحجم الرئيس السيسي قوةً، وفي عقله رجحاناً وفي قراراته حكمةً.

 

 

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط