الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

حال النخبة المثقفة في عالمنا العربي

 

علينا في البدء أن نعترف بل نؤمن أنه ما من أمة نهضت وغيرت حالها من حال لا ترضى عليها إلى حال تنشدها إلا بفضل  مثقفيها ومبدعيها ومفكريها وفلاسفتها وعلمائها، هؤلاء الذين هم طليعة أي مجتمع، هؤلاء الذين يجب أن تفتح لهم كل الأبواب وأن تصغي لهم كل الآذان وأن يكونوا قبلة الأنظار، وهذا هو المتبع في كل دول العالم المتحضر التي ترهف السمع لما يصدر عن أدبائها ومفكريها وعلمائها وفلاسفتها.

هذا الذي، للأسف الشديد، هو بعيد كل البعد عن مجتمعاتنا العربية التي لا تلفت للمفكرين ولا المبدعين ولا العلماء الحقيقيين، بل الأكثر من ذلك فإن العديد منهم تظل تحوم حوله الريبة مرة من السلطات الحاكمة ومرة من السلطات الموازية للحكم وأخرى من المجتمع نفسه، هذا الذي يجعلهم يخوضون حربا ضروسا، ليس فقط دفاعا عن إبداعاتهم، بل دفاعا عن أنفسهم.

ومن هنا فإن الغالبية الساحقة من مبدعينا ومفكرينا وفلاسفتنا لا يتم تكريمهم من الأساس، وإن تم فإنه يأتي إما في نهاية رحلتهم الحياتية أو بعد أن يتركوا عالمنا، وذلك راجع إلى عدم الاهتمام في الأصل بالعلماء الحقيقيين والمفكرين الجادين والأدباء الأفذاذ،  عدم الاهتمام هذا الذي أزعم أنه كان متعمدا من النخب الحاكمة، حيث أنه في تصوري لو كان هناك رغبة حقيقية من هذه النخب لعملية تغيير حقيقية وإصلاح جذرية لقدمت هؤلاء في مقدمة الصفوف، ولكن لأن ما كان يتم إطلاقه من تصريحات عن التغيير والإصلاح ليست أكثر من شعارات فمن هنا يأتي تجاهل المفكرين والمثقفين والعلماء والفلاسفة، وإني أظن أن مرد ذلك كان خوف تلك النخب الحاكمة على مكانتها حال تم تحرير العقل العربي من خلال مفكريه ومثقفيه.

وإنني أرى أن هذا التكريم الذي يتم إنما يأتي من باب ذر الرماد في العيون، ليس إلا.

للأسف الشديد هذا الذي يحدث بمحاولة تكريم المفكرين والأدباء بعد حياتهم أو في تلك الأيام الأخيرة قبل أن ينتقلوا للعالم الآخر إنما يعكس تداعي المجتمع العربي الذي لا يدرك قيمة هؤلاء الذين يحملون شعلة الفكر والثقافة، كما يؤكد على أن المؤسسات الثقافية والتعليمية والإعلامية والأدبية الرسمية تعيش في حالة غيبوبة ولا تتابع عن كثب الإنتاج الفكري والأدبي والثقافي لأدباء ومثقفي الأمة أو على أقل تقدير فإن القائمين على هذه المؤسسات من الضعف بمكان لدرجة أنهم لا يستطيعون تمييز حالات الإبداع الحقيقية وكذلك لا يقدرون على فهم المنتج الفكري لأدبائنا وفلاسفتنا ومن ثم فإنهم لا يسعون إلى: أولا التعريف بهم، وهذا أعظم تكريم في وجهة نظري، للجمهور العربي، وثانيا إلى تكريمهم تكريما معنويا وماديا.

ومما لا شك فيه أن للمستوى الفكري والثقافي للإنسان العربي دور هام في هذه الظاهرة، فلو كان الإنسان العربي يتمتع بالقدر الكافي من الثقافة والفكر لأدى ذلك حتما إلى الضغط على المسؤولين عن المؤسسات الثقافية والفكرية لتكريم القامات العربية في كافة المجالات، وإننا نرى أن هذه الظاهرة المؤسفة يشارك في تكريسها كل العناصر المنتمية للمؤسسات الثقافية والتعليمية وكذلك المؤسسات الإعلامية التي للأسف تجتهد في تقديم التافه من الفنون والسطحي من الفكر وتعزف عن الإنتاج الفكري الجاد، وتتجاهل القامات العلمية والثقافية الحقيقية،  وهو ما يعود على المجتمع بالعديد من المثالب، وعلى الإنسان العربي كذلك الذي يلجأ إلى السهل المتاح ولا يجهد نفسه للوصول إلى الفكر الجاد والعلم الرصين.

إن أول ما يمكن أن نقدمه إلى هؤلاء أصحاب الإسهامات الأدبية والثقافية والعلمية هو نشر تلك الإسهامات على جماهير الشعب العربي، والعمل بكل قوة على شرح وتقديم ما أنتجته العقول العربية الفذة، كما ولابد من التعريف بالشكل المناسب بالمبدعين والمفكرين العرب بما يضمن لهم التقدير المناسب من أبناء مجتمعاتهم، وبما يجعلهم قدوة ومثلا تسعى الناشئة من أبناء الأمة العربية للوصول إليه، ليس بتقليدهم بل بدراستهم دراسة موضوعية، وعلينا أن نعلّم هؤلاء الناشئة أن تقدير تلك القامات الفكرية والأدبية لا يعني تقديسهم ولا يعني الوقوف عند ما وصلوا إليه ولا التجمد عند ما حققوه، بل علينا أن نعلّهم أن نقد المشاريع الفكرية للقامات من العلماء والمفكرين العرب وتجاوز ما وصلوا إليه هو الهدف من دراستهم، فلا يعني الاحترام والتقدير لهؤلاء المفكرين أن نقع أسرى فكرهم وعبيد إنتاجهم، كما هو حالنا اليوم مع التراث العربي الإسلامي، بل أن الخطوة الجديرة بالتقدير والاحترام من الأجيال القادمة هي في كيفية تجاوز ما تم إنتاجه في أي عصر من العصور، فلا قدسية لمفكر، ولا قدسية لفكرة، ولا قدسية لمشروع.

ولعله من نافلة القول أن نطالب، في إطار تكريم الكبار من مفكرينا وأدبائنا العرب، بأن يتم تسليط الضوء الإعلامي عليهم، كما ولابد وأن تخصص المناهج التعليمية أبوابا لتدريس ما أنتجوه مرة وتدريس حياتهم الشخصية مرة أخرى.

وكما نطالب بأن يتم إطلاق أسمائهم على الأحياء والشوارع، ويا حبذا لو تم إطلاق أسمائهم على المدارس في الأحياء التي خرجوا منها، ففي ذلك تقدير كبير لاسم المفكر، كما أنه سيكون دافعا للتعريف على مشروعاتهم الفكرية وإنتاجاتهم الأدبية ومنجزاتهم العلمية، وهذا هو التكريم الأهم.

 

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط