الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

زائر النهار!

 

داخل حجرتها الصغيرة بأثاثها “الدمياطى” .. عالمها المفضل .. عكفت فتاة الساحل وابنة القرية النقية على ميكروسكوبها تستذكر دروسها وعيناها تتعلقان بأوراق البحث والعلم .. وكل يوم يمر عليها تحلم وتصر على بلوغ هدفها فى التحصيل والإنجاز .. فتتفوق وتفوز بأعلى الدرجات والمراكز الأولى فى مراحل التعليم والمسابقات الكبرى .. ويشتهى عقلها لمزيد من الطموح والنبوغ .. وذات يوم يدق جرس المنزل .. فى عز النهار .. لتستقبل أسرة “طالبة العلم” زائرا خاصا بملابس رسمية وهيئة “ميرى” ويسأل فى وضوح وبشك مباشر : - آنسة ياسمين موجودة؟! .. فتخرج بطلتنا من غرفتها فى هدوء وثقة : أنا يا فندم .. أى خدمة؟!
ناظرا إليها بإمعان وبرود : حضرتك تشرفينا بكرة الساعة ١٠ صباحا فى العنوان ده؟ .. ولم يمنحها فرصة الرد أو التفكير .. لأنه انصرف بسرعة البرق مغادرا المكان بعد أن أدى دوره بإتقان كـ “مجرد رسول” .. أما هى وأهلها فنظرات متبادلة فى حيرة وذهول .. وخوف!.
وجاء الصباح .. واتجهت “ياسمين” إلى العنوان المذكور لتجد نفسها على أبواب مبنى ضخم بداخله ممرات طويلة وقاعات فسيحة و”مقاعد” وثيرة إلى أن قادها الحرس إلى مكتب “كبير” .. ودلفت العالمة الصاعدة إلى حيث يجلس “رئيس المكان” وسط حزمة ملفات وبين يديه ملف بعنوان “ياسمين يحيى مصطفى” .. وأمرها بالجلوس وبدأ الحوار السريع :
- إنتى ياسمين؟
- تمام يا فندم
- الملف ده كله عنك
- خير؟
- مبروك يا معالى الوزيرة!
- أنا؟!
- (وتحدث دون النظر إلى أى ورقة أمامه) .. مش إنتى البنت الشاطرة من مركز “كفر سعد” .. اللى حصلت على المركز الأول عن فئة “علوم الأرض والبيئة” فى معرض “إنتل” الدولى للعلوم والهندسة عن اختراعها لجهاز يعمل على تبخير المياه على حرارة حرق قش الأرز على درجة حرارة تصل إلى ١٢٠ درجة مئوية وتمرير الغازات الناتجة عن الحرق على طحالب لتنتج “بايو ديزيل” وزيت واستغلال الغازات الناتجة بعد ضغطها فى توليد انواع الطاقة المختلفة .. وكان بحثها بيركز على استغلال رماد القش فى صناعات متعددة مثل الأسمنت والسماد والعضوى .. وبُناءً على دراستك العلمية انهالت عدة عروض من دول أجنبية لتنفيذ مشروعك.
- بس أنا ……
- (مقاطعا) رفضتِ وتمسكتِ بتنفيذ المشروع على أرض بلدك .. مصر .. (ثم استكمل بنفس النبرة والفخر) ..  وبعد كده كرمتك وكالة “ناسا” الأمريكية للفضاء علشان يتقرر إطلاق اسمك على الكويكب اللى اكتشفتيه تكريما لجهودك وإنتاجك العلمى الرفيع!.
- أنا مش عارفة أقول إيه يا فندم؟
- تخرجى من هنا على مكتبك فى وزارة البحث العلمى وعايزين منك آلاف .. ودى مهمتك!.
- طب ومعملى وأبحاثى .. وحلمى!
- ده تكليف رئاسى وممنوع الفصال .. وكل التسهيلات حتتوفر لك علشان مشروعاتك الجديدة بجانب دورك الرسمى .. يا “وريثة زويل”! .. (ومد يده مصافحا بحرارة) شرفتى .. ومنتظر أسمع عن نشاط خلية النحل تحت قيادتك .. حتقدرى؟!
- يا فندم .. أنا اتعودت بفضل الله وعيلتى إنى أحقق أحلامى .. أشكرك!
.. وانصرفت .. وعادت إلى حجرة منزلها “العظيمة” وذهنها مشغول بالجديد فى أبحاثها وكيف تُفسح الطريق لظهور أقرانها وزملائها بعد أن حصلت على “الضوء الأخضر” لأحلام الملايين!.
ما رأيكم - دام فضلكم - فى هذه النهاية السعيدة لقصة طالبة مصرية اتخذت من العلم سلاحاً .. ومن الإنجاز والعمل الصامت طريقاً واتجاهاً؟! .. فأبسط ما تستحقه هو أن تصل المكافأة والتقدير إلى أعلى المستويات، ونشهد أمثالها فى أرفع المناصب وعلى رأس المسئولية لصنع القرار والمشاركة فى البناء والتعمير .. والتجربة السياسية لاتقل أهمية وضرورة عن التجربة العلمية، وعندما نضع عباقرتنا فى الموقع المناسب ونستعين بخبراتهم ومستودع أفكارهم فى ظل مناخ مُحصَّن ضد الفساد و”ثقوب الضمير”، لنا أن نتخيل حجم المكاسب والأرباح .. ومن هذه الزاوية يندفع قطار التنمية بقوة وثبات .. وتلك هى القصة القصيرة، بطلتها حقيقية وحية تُرزق وتعمل وتفيد .. أما أحداثها وشخصياتها الأخرى فقد تكون حقيقية أيضا!.

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط