EN 
شريط أخضر ضيق على جانبى النهر الطويل ينتهى ببقعة شبه خضراء , وعدة نقاط متناثرة على ساحل البحرين الاحمر والمتوسط , هذا هو شكل مصر من صور الفضاء الواسع أوشباك الطائرة الضيق , والباقى لون اصفر متدرج الدرجات ما بين رمال صفراء فاقع لونها وجبال داكن لونها , فى صحراء جرداء موحشة , وذلك كله نتيجة تكدس الناس حول مجرى نهر النيل , تاركين باقى الارض فارغة تسأل من يسكن فيها ويعمرها بالزراعة والصناعة ويعمل عليها بالتجارة .
وهذه الايام أعلنت الدولة عن أنشاء خطوط سكك حديد كهربائية جديدة , أربع خطوط حديثة تقطع صحراء مصر طولاً وعرضاً وتمزق الخلاء الموحش وتبعث فيه أسباب العمار من جديد , مثلما كان أجدادنا القدماء يعيشون فى كل بقاع مصر , فاثارهم فى عمق الصحراء الغربية وعلى تخوم الجبال فى الصحراء الشرقية , وعلى ملتقى الخلجان فى جنوب سيناء , وفى أعالى النوبة وفى أقصى الشمال , كلها أثار تدل على ان مصر كانت كلها صالحة للسكن فى قديم الزمان , وان المصريين عمروا كل شبر فيها , ثم تكاسل الناس وتكدسوا حول نهر النيل , حيث الارض الخصبة السهل زراعتها والنقل النهرى المُيسر أستخدامه .
لذا فأن مشروعات القطار الكهربائى الجديد الذى يسير بسرعة 250 كيلومتر فى الساعة , والذى أحدها يبدأ من مدينة 6 أكتوبر وينتهى فى اسوان سوف يحول خلاء الصحراء الغربية الى مراكز ومدن سكنية عامرة , ويشجع الحركة السياحية بين أهرامات الجيزة ومعابد الاقصر العظيمة وأثار أسوان الكبيرة , مُخلقاً أسبابباً كثيرة للعمران بطول خط القطار الرابع الذى وجوده سوف يؤدى أيضاً الى جذب السكان للحياة فى مدن جديدة غرب المنيا وفى غرب اسيوط وغرب قنا مُعيداً توزيع الخريطة السكانية فى غرب صعيد مصر .
أما فى شرق صعيد مصر فسوف يكون الخط الثالث للقطار والمزمع بدايته من قنا الى سفاجا والغردقة , ليؤدى الى تفريغ جزء من التكدس السكانى فى قنا وتوابعها الى شرق قنا ومدنها الجديدة وصولاً الى سفاجا , واذا ما ربطنا الخط الثالث بالخط الرابع القادم من أكتوبر , سنجد السياحة ايضاً قد وجدت وسيلة عصرية للتنقل بتكلفة منافسة , مما يخلق برامج سياحية بأسعار تنافسية للعالم , ناهيك عن السياحة الداخلية , مما سيساهم فى عملية تسريع وتيرة التنمية الاقتصادية الشاملة فى الصعيد .
ثم يأتى الخط الاول الرابط بين البحرين الاحمر والمتوسط مروراً بالعاصمة الادارية , ليوفر وسيلة أنتقال عصرية للتجمعات السكانية على طول خط القطار , وبخاصة انه سيربط ما بين ميناء العين السخنة وميناء الاسكندرية , ممهداً الطريق لأى مشاريع مستقبلية لنقل البضائع أو على الاقل تنشيط حركة التجارة الداخلية بتكلفة اقل فى وقت قصير , وهو خط يتكامل مع الخط الرابط بين الاسكندرية وحدود مصر الغربية فيما بعد مرسى مطروح , وهو ما سوف يساهم فى جذب السياحة العربية من ليبيا وشمال أفريقيا اذا ما تم ربطه بخطوط سكك حديد فى هذه الدول الشقيقة مستقبلاً .
ومن هنا أستطيع القول بأن خطوط القطار الكهربائى الاربعة الجديدة سوف تؤدى الى أعادة توزيع سكان مصر , ليعودوا مثل اجدادهم يعيشون فى كل بقاع مصر , وليس التكدس فى شريط ضيق حول نيلها الطويل , سكان فى كل بقاع مصر دون أستثناء , مثلما هو موجود فى كل الدول الاوربية وفى الولايات المتحدة الامريكية حيث يتوزع السكان عبر المدن والولايات كلها , لتتحول كل بقاع مصر الى حياة نابضة بالحركة والحيوية والتنمية الاقتصادية الشاملة .
