الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الكلمة الفصل في ليبيا

 
تبدو الأزمة الليبية على مدار العشر سنوات الماضية، واحدة من "التراجيديات الكبرى" في العالم العربي، ليس فقط بحكم التدخل الخارجي فيها، ولكن بحجم الخلافات بين الأطراف السياسية داخلها. لدرجة أن البعض كان ولا يزال يظن أن المصالحة السياسية بين الأطراف الليبية هى الأصعب على الإطلاق وربما تستغرق سنوات عدة قادمة حتى تعود المياه إلى مجاريها بين الليبيين.
والواقع أن التطورات داخل المشهد الليبي وبقدر ما كانت مفرحة بعض الوقت خلال الفترة الماضية إلا ما لبثت أن تحولت إلى أخبار مقلقة ولا أريد أن أقول محزنة. وبالخصوص إثر الخلاف الدولي تجاه التمديد للبعثة الأممية في ليبيا، مع وجود رفض روسي واضح للتمديد لها وخلاف كبير أعاق التمديد لعام إضافي واكتفى أعضاء مجلس الأمن بالتمديد لنهاية سبتمبر الجاري فقط. 
والقضية بخصوص البعثة الأممية ليس في حد ذاتها أو السيد يان كوبيش الذي يتولى رئاستها الآن بعد السيدة ستيفاني ويليامز ولكن لأن البعثة الأممية أصبحت من وجهة  نظر الكثيرين، هى الجهة الأكثر مصداقية داخل ليبيا ولولا وجود هذه البعثة ما كان قد حدث تطور سياسي حقيقي في البلاد. في الوقت ذاته فإن البعثة الأممية ورغم بعض الخلاف والاختلاف بين وليامز وكوبيش إلا أنها الجهة التي تقدم تصور متكامل لحل الأزمة الليبية يتمثل في الدفع نحو إجراء الانتخابات الليبية المقبلة واعتبارها الفيصل لحالة السيولة الأمنية والسياسية في البلاد.
والشاهد انه بقدر وجود اصراردولي ومواقف معلنة من جانب الدول الكبرى ومجلس الأمن ودول الجوار الليبي، بحتمية إجراء الانتخابات الليبة القادمة في سبتمبر المقبل، ووجود إصرار شعبي ورغبة عارمة في إجرائها تمثل ذلك في حجم الإقبال الهائل على التسجيل في الانتخابات القادمة سواء في الداخل أو الخارج، لكن مع هذا هناك العديد من الإشكاليات التي تعترضها:-
في مقدمتها وجود معارضة معلنة من جانب تيار تنظيم الإخوان في ليبيا بتأجيل الانتخابات القادمة، لأنهم ليسوا منظمين ولا مستعدين، وبالطبع يملكون هم والميليشيات التابعة لهم السلطة في البلاد ولا يريدون يخسروها مثلما حدث في مصر وتونس والمغرب.
وتبدو المعارضة الإخوانية "هائلة وشريرة" بمعني الكلمة وخبيثة، بعدما تبدى أن سيف الاسلام القذافي نجل الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، عازم على الترشح للانتخابات القادمة. فهناك حالة هلع حقيقي من النظام الجماهيري ومن شعبية سيف الإسلام القذافي لأسباب كثيرة يطول شرحها، لكن تظهرها مختلف احصائيات الرصد والتتبع للحالة الليبية وكل استطلاعات الرأي التي تنشر عن "مزاج الليبيين" واختياراتهم في الانتخابات القادمة. فشعبية سيف الاسلام القذافي، باعتراف تنظيم الإخوان أنفسهم تهدد وجودهم ومستقبلهم السياسي في ليبيا، خصوصا وأن السنوات العشر الماضية شاء من شاء وأبى من أبى
كانت كفيلة لملايين الليبيين للكفر بما أطلق عليه ظلما ثورة في ليبيا، وكانت كما يسميها قطاع عريض من الليبيين "نكبة حقيقية". فالسنوات الماضية شهدت تفشيا للميليشيات والفوضى وتدهور في أوضاع المعيشة وانهيار في الخدمات والكهرباء والبنية التحتية، وتحول الشعب الليبي من شعب غني ودولة جاذبة لملايين العمالة العربية والأجنبية سنويا كما كان أيام القذافي، لشعب قرابة مليون فيه اليوم، يعيشون على المساعدات الإنسانية والأممية. لقد أفقدت أحداث 2011 الليبيين كرامتهم ووطنهم، وكلهم يعانون من تبعات هذه الأحداث ولم يروا ثورة على الإطلاق ولا أي تغيير ولكن فوضى وسرقة وفساد وترنح في أحوال المعيشة ونهب عام لمقدرات ليبيا. لذلك تعلق الكثيرون بالانتخابات القادمة التي لم يعد باق عليها، سوى أقل من 100 يوم بالكاد. وتبدو المعركة بخصوصها "معركة وعرة" تدور على ليبيا ومستقبلها. فإما انتخابات تُفرز قيادة ليبية وطنية حقيقية مختلفة تماما عن كل الغث والفاسد والميليشيوي، الذي تبدى في الساحة خلال السنوات الماضية، ومجلس نواب حقيقي معبر عن "مزاج الليبيين" بالفعل ورغباتهم الحقيقية، ونزاهة يشهد لها العالم أجمع وإما "عشرية سوداء" جديدة يدفع فيها الليبيون من دمائهم ووطنهم الكثير والكثير. 
.. ومع هذا وذاك، تظل أحداث 2011 هى النكبة الأكبر في حياة ليبيا، فحلف الناتو قاد البلد للجحيم وأسقطها عبر  مؤامرة دولية وعربية مشهودة، اعتذر عنها فيما بعد أوباما والعديد من قادة أوروبا الذين شاركوا فيها. وركبها للأسف شياطين التنظيمات الدينية والخونة والعملاء، فأصبحت ليبيا كيان مهلل ودولة تحتشد بالفوضى وملايين معذبون يعيشون على الأمل وفي انتظار انتخابات مخلصة من "الواقع المرير".

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط