الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

هل يمكن إنتاج فيلم "ريش" عن فقراء فرنسا ؟

علاء حيدر
علاء حيدر

لو قام الفرنسيان، جولييت لوبوتر، و بيير ميناهيم،  منتجا الفيلم  المصري  " ريش"،  بإنتاج   فيلم عن الفرنسيين  الذين يعيشون في الشوارع الفرنسية، مشردين ،   بلا مأوى ، أو بلا منزل يسترهم  تحت  سقف ينامون تحته يحميهم من برد الشتاء القارس ،  فهل  يمكن أن يحصل هذا الفيلم على  جائزة  من مهرجان كان السينمائي الدولي ،  كما حصل فيلم ريش على جائزة أحسن فيلم  للمخرج المصري عمر الزهيري من نفس المهرجان  ؟ 

وهل لو قام نفس المخرج المصري،   أو حتى مخرج فرنسي،  أو أمريكي،  بإخراج  فيلم عن الأمريكيين بلا مأوى في الولايات المتحدة ،  يصورهم وهم مضطرون  للعيش    في سيارات قديمة ، و أخرى  يتم تأجيرها لهم مفروشة  في الشوارع  الأمريكية ،  فهل يمكن هو الآخر أن يحصل على جائزة أوسكار الأمريكية  ؟  

قبل  أن نجيب عن هذا التساؤل،  ينبغي أولا أن نشير الى أن  الفقر ، و العوز،  و الظروف المعيشية  القاسية ،  متواجدة  في كل المجتمعات ، و عندما يتم انتقاء بعض الحالات التي تعاني من قسوة الحياة ، و تجسيدها في فيلم مثل ريش ،  و منحه جائزة،  بل جائزتين  فرنسيتين ،  لإعطاء الإنطباع بأنه يمثل الوضع العام في مصر،    فهذا يعني أن الهدف من الفيلم هو تشويه صورة مصر و ليس لكونه فيلما متميزا  . 

 فكل  المصريين ، على سبيل المثال ، عندما يأتي ذكر اسم  فرنسا أمامهم ،  فإن كل تفكيرهم سيتجه نحو،  برج إيفل، و متحف اللوفر،  و شارع الشانزيليزيه ، بما يحتويه من محلات  تحمل أسماء الماركات العالمية ، لأن أحدا لم يكشف لهم عن حجم الفقر في  فرنسا لأن كل الأفلام  العالمية لا تظهر إلا الأماكن السياحية حيث الثراء و رغد العيش . 

وعندما  نتطرق للفقراء في فرنسا ، فسنجد أن فرنسا بها عشرات الآلاف من  المشردين بلا مأوى،  ينامون في الشوارع،  لأنهم لا يمتلكون بيوتا يعشون فيها ، و لا حتى   القدرة على إستئجار و لو غرفة واحدة تقيهم من برد شتاء فرنسا القارس ،  في حين أن ممثلي فيلم ريش ، يعيشون على الأقل،  في منازل يمتلكونها  حتى لو كانت منازل  متهالكة  . 

و سأستند هنا على صحيفة "لوموند"  الفرنسية الشهيرة  التي كشفت ، عن أن عدد  الذين يعيشون بلا مأوى،  أو منزل في فرنسا ، إرتفع بمقدار الضعف،  في 2020 ، ليصل الى نحو ،  300 ألف بلا مأوى ،   بالقياس ب 150 الف فقط ،  في العام  2012 .  و توقعت لوموند ، أن يزداد عدد المشردين  بلا مأوى في الشوارع الفرنسية ، الى معدلات مخيفة ، مع تفاقم الأزمة الإقتصادية،  و تداعيات أزمات فايروس كورونا  . و ذكرت لوموند ،  نقلا عن منظمة" الأب  بيير الخيرية " الفرنسية ، أن 146 طفلا ، ولدوا في شوارع  باريس في سنة 2020 ، من أمهات بلا مأوى . كما شهدت الشوارع الفرنسية وفاة  535 فرنسي بلا مأوى  خلال نفس العام ،  سواء بسبب المرض،  أو  البرد القارس ، أو الجوع  . و قالت الصحيفة أن المشكلة تكمن أن 38 في المائة من الفرنسيين بلا مأوى من النساء،  اللاتي يصبحن عرضة للإغتصاب،  بعيدا عن أعين القانون .  

 و بالقطع فكل مأساة من  هذه  المآسي  التي كشفت عنها صحيفة لوموند الفرنسية ، تستحق فيلما في حد ذاته،  فهل يمكن أن  تفتح  جائزة كان الفرنسية ذراعيها لفيلم  ينتج عن الفقراء بلا مأوى في فرنسا  لمنحه جائزة مثلما  منحت إحدى جوائزها لفيلم ريش المصري  ؟

 و لو ذهبنا للولايات المتحدة الأمريكية ،  سنكتشف من خلال ريبورتاج،  لقناة "فرنسا 24" ،  أن آلاف الأمريكيين،  يعيشون في سياراتهم، و من لا يمتلكون سيارات منهم ،  يلجأون لإستئجار سيارات  ميكروباص بعد أن  حولها أصحابها لمنازل يؤجرونها مفروشة للذين لا يمتلكون سقفا ينامون تحته .  

 يقول  مايكل روس و هو بلا مأوى للقناة  الفرنسية ،  أنه يضطر للنوم في سياراته التي لا يزيد ثمنها عن 200 دولار،  لأن أرخص  أستوديو في لوس أنجلوس،  مزود بحمام ، لا يقل إيجاره عن،  1200 دولار،  في حين أن  عمله في مجال الدليفري،  أي توصيل الطلبات ،  لا يعود عليه إلا ب 1100 دولار فقط . 

 و يكشف ساكن سيارة آخر،   أن المشكلة التي تواجهه في السكن في سيارته، تكمن في  أن سكان مدينة سان دييجو ، عندما يجدون سيارة تأتي يوميا للركن في منطقة قريبة من منازلهم ، يسارعون بإبلاغ الشرطة ، لأنهم يدركون أنها ستكون ملك شخص لا يمتلك منزلا،  و أنه حول سيارته لمنزل وسط منازلهم  . 

 و كشفت القناة  عن أن جون بيت و   كان في السابق بلا مأوى ،  أستغل فقر المواطنين الذين لا يمتلكون سقفا ينامون تحته ،  و أقام مشروعا  مربحا  بتحويل 13 سيارة ميكروباص قديمة  ، إلى  منازل  متحركة  بها ،  سرير ، و دولاب ، و بطاطين  ، مقابل إيجار شهري يصل ل 300 دولار،  ليصل دخله إلى 4 آلاف دولار،  و يصبح من أرباب الطبقة المتوسطة في أمريكا،  بعد أن كان لا يجد قوت يومه  .

 و أمام تفشي ظاهرة السكن في السيارات ، قامت  مجموعة من سكان مدينتي   لوس أنجلوس،  و سان دييجو،  باللجوء للقضاء،  لتجريم العيش في السيارات ، مستندين في ذلك على القوانين الأمريكية ،  التي تمنع النوم  في الشوارع ، لكن القضاء الأمريكي  حكم،  بأن السيارة،  تتشابه بالمنزل ، و سمح لهم بالعيش في السيارات ، بشرط تنظيف الأماكن التي تركن فيها هذه السيارات  .

 و يبرر سكان المناطق التي تركن فيها هذه السيارات ،  رفضهم لهذه الظاهرة التي تتفاقم مع مرور الوقت،  بقيام سكان السيارات ، بالتبول،  و التبرز ،و إلقاء فضلاتهم  أمام منازلهم . و أمام الخلاف القائم بين سكان المنازل ، و سكان السيارات و الميكروباصات،  قامت بلدية لوس أنجلوس،  بتحويل بعض الساحات  الخالية،  إلى ساحات مجانية   لإيواء هذه السيارات ، مع توفير دورات مياه لهم.  كما حرصت البلدية على  إغلاق هذه الساحات الجراجات،  الساعة التاسعة مساء،  بعد أن تعرض سكان السيارات لسرقة بطاطينهم و ملابسهم من قبل اللصوص .

 فهل يوجد سيناريو لفيلم كوميدي،   أفضل من قيام  لص فقير  بسرقة بطاطين فقير ليس لديه مأوى إلا سيارته  القديمة  ؟ و هل يمكن أن يذهب الفرنسيان ،  منتجا فيلم ريش المصري،  بصحبة المخرج ، عمر الزهيري ،  إلى الولايات المتحدة،  لإخراج فيلم عن ساكني السيارات الفقراء في أمريكا ، و التقدم بالفيلم  للحصول على جائزة الاوسكار؟

 بالقطع لا ، لن يستطيعوا ، حتى لو أرادوا ذلك،   لأن أحدا  لن يسمح لهم  بالمشاركة في الأوسكار،  لأن الفيلم  سيؤدي الى تشويه  صورة أمريكا أمام العالم،  في وقت تقدم فيه أمريكا  نفسها للعالم على أنها ، مركز للمال،  و الاعمال ، و  الثراء،  و  مناطق الجذب السياحي مثل منطقة تايمز  سكوير بنيويورك حيث المولات العالمية،  التي تتشابه مع شارع الشانزيليزيه في باريس .  

 و يبقى السؤال،  لماذا لم يكشف المنتجان الفرنسيان عن المأساة التي يعيشها الفرنسيون  بلا مأوى و يقدموها  لمهرجان كان السينمائي ، لا سيما و أنه يمكن أن يحتوي هذا الفيلم ، على مشاهد جنسية فاضحة  كفيلة  بجذب الإهتمام،  لو تطرق الفيلم لإغتصاب إمرأة فرنسية  بلا مأوى ، أو لظروف وضعها لطفلها في الشارع؟ 

الإجابة لن يستطيعا لأنهما لن يجدا مخرجا مستعدا  لتشويه صورة بلده فكان الحل الذهاب لصعيد مصر حيث عثرا على المطلوب  .