الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

رصيد الستر

نيفين منصور
نيفين منصور

ربما يتعجب البعض من مقولة رصيد الستر ، وربما ينفيها البعض الآخر معتقدا أن الستر قد يكون مطلقاً ودائمًا لأنه يأتي من عند المولى عز وجل، ويظن أن غطاء الستر عندما يغطيه في إحدى المواقف قد يدوم للأبد فيتمادى في أفعاله التي قد تكون باطلة ، وكله ثقة أنه ممن أعزهم الله بستره ، وقد تزداد الثقة ليظن أنه على حق وهو في الحقيقة علي باطل ، و لا يدري أن الستر أتى له فتنة  وفرصة للتذكرة ، حتى يعيد النظر في ما فعل ويحسن التصرف لعل الله يرحمه ويديم عليه الستر  إلي الأبد.

في الحقيقة أن تلك النظرة الضيقة للأمور تدل على قلب غفل صاحبه ، ولا يعلم مكر الإله العظيم الذي وصف نفسه بأنه خير الماكرين حيث قال في كتابه الكريم في سورة الأنفال (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ). فالأيام دول يتداولها الناس فيما بينهم يوم لك ويوم قد يكون عليك ، وقد تظن في ظاهر الأمور أن الأيام لك ولكن تأتي في النهاية عليك لتتعرى أمام الجميع وتجد نفسك بائسا حزينا تحاوطك الخيبة من كل اتجاه.

أتعجب كثيرا من أفعال البعض، فمنهم من كرمه المولى عز وجل بالمال والزوجة الصالحة والأولاد والمركز المرموق، ويترك خلفه كل تلك الأمور ويسعى للحصول علي زوجة أخرى لا تناسبه وقد تدمر حياته ، يتزوجها في الخفاء خوفا من زوجته الأولي ، وسعيا وراء الشهوة، ويتناسى وضعه  وعائلته وعمله المرموق ، وتثبت له الأيام أنها سبب شقائه ، وتتحول حياته إلي مأساة لأنه سعى وراء شهوة زائفة ولم يحسن الاختيار، فيخسر في النهاية سمعته وحياته ويدمر أولاده وأهله أجمعين، وعندما تنكشف الحقيقة مع الوقت يكتشف أن رصيد الستر قد نفذ ، وتتناثر من حوله فضائحه، فضيحة تشد الأخرى حتي يتعرى تماما، ويفقد كل شيء، بعدما ظن أنه مستور بستر الإله.

هذا المشهد يتكرر بين العباد، ابحث عن كل من طغى وتكبر وظلم ، ستجده يفكر بنفس الطريقة ، يظلم من حوله ، وعندما يكسب بعض الجولات يظن أنه موصول بالخالق وأنه على حق لذلك يستره ويعينه ، ويوفقه في تحايله علي الأمور، ولكن سرعان ما تتبدل الأحوال، ربما بدعوة من مظلوم تأذى بظلم هذا الطاغي ، فينفذ رصيد الستر وتنفضح الأمور ، وينصر المولى عز وجل المظلوم ويفضح الظالم.

رصيد الستر لا يدوم ، إنما هي فتنة تخدع من ظن أنه على حق وهو في حقيقة الأمر على باطل، البعض يتناسى أن من أسماء المولى عز وجل ، اسم الحق ، فإذا أردت أن يدوم عليك ستره فانظر دائما بعين الحق، وتذكر أن لقاء المولى عز وجل لقاء قد يكون يسير وقد يكون يوم عسر على صاحبه، ستكون وحيدا دون أي وساطة ممن حولك، يقول المولى عز وجل (وَيَأْتِينَا فَرْدًا ).

مشهد الرحيل جلل ويحتاج للانتباه فالغفلة تزول والحقيقة تنكشف ، ولا وساطة عند الله جل في علاه، ومفتاح الستر التقوى، والتقوى لها شروط ، من يتعداها ينكشف عنه غطاء الستر إن آجلا أو عاجلا، وفي النهاية يكتشف غفلته ، يقول المولى عز وجل (وَجَآءَتۡ سَكۡرَةُ ٱلۡمَوۡتِ بِٱلۡحَقِّۖ ذَٰلِكَ مَا كُنتَ مِنۡهُ تَحِيدُ (19) وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِۚ ذَٰلِكَ يَوۡمُ ٱلۡوَعِيدِ (20) وَجَآءَتۡ كُلُّ نَفۡسٖ مَّعَهَا سَآئِقٞ وَشَهِيدٞ (21) لَّقَدۡ كُنتَ فِي غَفۡلَةٖ مِّنۡ هَٰذَا فَكَشَفۡنَا عَنكَ غِطَآءَكَ فَبَصَرُكَ ٱلۡيَوۡمَ حَدِيدٞ ).

سكرات الموت تأتي بالحق وتنكشف معها الأمور، كذلك رصيد الستر قد ينتهي فجأة ويظهر الحق ويزهق الباطل ، وتظهر الحقيقة كما هي ، مهما طال الزمن أو قصر ، فالنهاية آتية، واللقاء مهيب.