الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

النار والرماد

محمد ناجي زاهي
محمد ناجي زاهي

التعمق فى المعرفة الإنسانية أمر ضرورى وحتمى ويساويه فى الأهمية التعمق فى جذور الشخصيات المحيطة بنا فى هذا العالم الكبير، الذى إنقسم منذ سنوات لعالمين أحدهما حقيقى والآخر إفتراضى.

العالم الحقيقى مملوء بالتناقض والمزايا والعيوب والإعتقاد الممزوج بالصواب والخطأ، بل إن التناقض فيه وصل الى مرحلة الضحك الممزوج بالبكاء لتجد ان هذا العالم يتغنى بالشرف والتدين وإظهار الإيجابيات وطمس سلبيات الواقع، ومن ناحية إخرى يعتقد فى الخرافات والخيالات بعيدا عن الواقعية والحيادية.

القسم الثانى المتمثل فى العالم الإفتراضى لا يختلف كثيرا عن العالم الحقيقى بكل مساوئه "وعنجهيته" بل يزيد مع متناقضاته الكاملة المتمثلة فى التقليد والتجديد والعدل والظلم والحماس والخمول، ذلك لأن العلاقات الإنسانية فى العوالم الواقعية والعوالم الخفية تطورت بشكل ملحوظ وسريع وحدث تشابك معقد فيها ما بين الإفتراضى الحقيقى والجدلى الخيالى، فجدلية المكان والزمان فرضت نفسها وبقوة وظهرت منابع فلسفية جديدة حولت العلاقات وغيرتها من وضع الى وضع ومن مكان الى مكان لتصبح المعادلة بمعطياتها أكثر تعقيدا وصعوبة.

وكان لزاما علينا أن ندق ناقوس الخطر المرتبط بالعلاقات الإنسانية والاجتماعية التي هي جزء منها تحول الى نار تأكل كل ما تراه أمامها ولاتترك لها أثرا، وجزء من هذه العلاقات أصبح بقايا رماد الماضى المنصرم، فالعلاقات فى الماضى كان لها الأثر الأكبر ضمن الحق والخير والطيبة والضمير والتدين والعدل وكل القيم الجميلة.

 وتحولت علاقتنا اليوم الى منابع أخرى ليست بالضرورة أن ترى منها أو فيها الخير، فالعلاقات تحولت الى واقع مؤلم يحتاج تهذيب وتدريب وتثقيف للرجوع الى الخلف ليس من أجل العيش فى عصور الظلام ولكن للعيش فى حياة يشوبها القيم الإيجابية المفتقدة فى هذا العصر.

وفى هذا المقال اود تسليط الضوء بشكل سريع على ما أعتبره أساس الحياة، فالحياة لابد أن تعاش بشكل اخلاقى عنوانها المحبة والمودة والرحمة وبعيدا عن الظلم والتمييز، فما أكثر الظلمة وما أكثر المظلومين بسبب العلاقات الإنسانية المسمومة.

 وما يعنيني أكثر من هذا التعمق فى فلسفة الظالم بعيد عن المظلوم، كون معظم الظلمة الذين يسعون للظلم ـ أن يظلمون ويوزعون ظلمهم وعنادهم وشرورهم وليس بالضرورة أن ينالوا خيرا من ظلمهم، فالأهم بالنسبة لهم ضرر الأخرين والرقص فوق الجثث المصلوبة على الأرض من كثرة الظلم، حتى ولو كان ضرر الآخرين لن يعود بمثال ذرة من منفعة على الظلمة أنفسهم.

إننى أعيش فى واقع إنسانى مأساوى بكل ما تحمله الكلمة من معنى ومفردات فالبشر يحتاجون الى تدريب جديد على كيفية الحياة وكيفية إعمار الأرض، لا من أجل خرابها، بل إننى أحلم أن أعيش فى عوالم مختلفة ولكن تتفق فى التاريخ الرومانسى والواقعى الإجتماعى والفلسفى الرمزى والتجريبى لأصل الى إسهامات تطور الحياة بشكل منطقى ومعقول يليق بالبشر الذين يعيشون على الأرض، ومن ثم أظهر من خلال تشكيل الوعى والوجدان الذين يثروا المكان والإنسان فى كل زمان.

ولهذا يجب أن أسلط الضوء أيضا ناحية كيفية صناعة الإنسان بشكل عام ، فالإنسان يجب أن يشغل فكره وإهتماماته ويتغلغل داخل القضايا الإنسانية ويغوص فى أعماقها الفلسفية والتشابك فى معطياتها لكشف الإشكاليات من وقت الى أخر ومواجهة كل ما هو شاذ عن منطقنا وحياتنا، والأكثر من هذا يجب أن ينشغل الإنسان بنشر العلم والتفكير العقلانى المنضبط والموضوعى ليصبح مبدعا قادرا بفاعلية فى نهضه مجتمعه ونفسه.

والأهم فى الموضوع أن السبيل الحقيقى للنهوض بالفرد والمجتمع هو التربية الرشيدة التي تسمو بالثروة البشرية والتي تعتبر من أهم ثروات المجتمع على الإطلاق.