الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

"لقد فهمت.. لقد سمعت.. آسفة".. ثم استقالت ليز تراس

إبراهيم شعبان
إبراهيم شعبان

قبل مجيء ليز تراس، رئيس وزراء البريطانية المستقيلة، وصفتها الصحافة الإنجليزية بأنها المرأة الحديدية الجديدة، التي ستعيد عهد مارجريت تاتشر، وتتصدى لموجة التضخم الأعلى في بريطانيا منذ 4 عقود، وانهيار قيمة الجنيه الاسترليني أمام الدولار، إلى مستوى تاريخي، حتى وصلت إلى 19.7% منذ بداية العام الجاري، وقدمت ليز تراس ما وصفتها بـ"الميزانية المصغرة" للخروج من المأزق الاقتصادي الحالي. وفي عز الأزمة والخلافات الأخيرة قبل استقالتها قالت: "أنا مقاتلة ولست مستسلمة". ولكن الحقيقة كانت شيئا أخر.

 

وطوال 6 أسابيع من بقائها في المنصب، على رأس الحكومة البريطانية، لم تستطيع ليز تراس أن تنفذ ميزانيتها المصغرة، ولم تستطيع أن تعيد الاستقرار للأسواق التي انفلت عيارها بالغلاء والتضخم، فقدمت استقالتها، ولم تخجل من ذلك، لإفساح المجال أمام رئيس أخر ينتخبه "حزب المحافظين".

وإذا كان البعض يقول، أن ليز تراس، ستدخل التاريخ باعتبارها أقصر فترة لرئيس وزراء بريطاني في الحكم، فأنا اعتقد أنها ستدخل التاريخ باعتبارها أشجع سياسية بريطانية في مواجهة الأزمة. ففشلها لم يدفعها للعناد أو الفسلفة أوالتواري خلف عباءة الأزمة الاقتاصدية العالمية – وهى على الكل – ولكنه دفعها للاستقالة، وهى ليست عيبًا لأي سياسي، بل أحيانا ما تكون شرف للإبقاء على دوران العجلة وترك الفرصة لمن يستطيع.

 

ووسط العاصفة والضجة السياسية الكبرى في بريطانيا، فات الكثيرون معرفة حقائق الأزمة وسبب الانفجار، والتي تتلخص في الآتي بكل بساطة:-

-أن البرنامج الاقتصادي الذي طرحته ليز تراس، نسف بالكامل،  فالميزانية المصغرة التي طرحتها وتسلمت السلطة بناءً عليها وتقوم في الأساس على نقطة رئيسية تتمثل في خفض الضرائب على الفقراء والأغنياء معا وتمويل العجز عبر الاقتراض، نسفت بالكامل على يد وزير الخزانة الجديد جيرمي هانت.
-وسط أزمة اقتصادية عنيفة لم تستطع ليز تراس العثور على من ينفذ أفكارها الاقتصادية بدقة، أو أن يكون لديه الإيمان بها مثلها تماما. فأعطت عجلة القيادة لوزير الخزانة، جيرمي هانت الذي خرج لوسائل الإعلام بخطة مختلفة تماما وكأنه هو رئيس الوزراء الفعلي وليست هي.
-وأمام استمرار الأزمة الاقتصادية قدم 100 عضو من حزب المحافظين -حزب تراس- طلبا لحجب الثقة عنها لأن برنامجها أصبح والعدم سواء.

 

التخبط الاقتصادي والامني داخل حكومتها، ما دفع ثلاثة وزراء لتقديم استقالاتهم خلال فترتها الوجيزة، فاستقالت وزيرة الداخلية، سويلا برايفرمان، من حكومة تراس، لأسباب شخصية تتعلق بمخالفة فنية للقواعد، ومخاوف جدية من عدم التزام الحكومة ببرنامجها. وأقالت تراس قبلها وزير المالية كواسي كوارتنغ، عقب أزمة تتعلق بتراجعها عن الموازنة المصغرة وخفض الضرائب، وقبله في بدايات أكتوبر أقالت تراس وزير السياسة التجارية كونور بيرنز.

 

-أما القشّة التي قصمت ظهر حكومة ليز تراس، فكانت البيانات الرسمية التي أظهرت تراجعا في مبيعات التجزئة البريطانية، بنحو 1.4% على أساس شهري في سبتمبر، بعدما حجّم التضخم المرتفع، لمستويات غير مسبوقة شهية المستهليكن في الإقبال على الشراء. بمعني آخر فالتضخم المرتفع الذي وصل إلى 10%، أوقف حال شركات ومصانع ومحال وحركة تجارية بريطانية، واسعة داخل اقتصاد من أكبر الاقتصادات العالمية، كما أن حدوث أكبر قفزة في أسعار الغذاء والمشروبات الكحولية وصلت إلى 14.5%   الشهر الماضي، وهى أكبر قفزة في بريطانيا منذ عام 1980، شكل ضربة جديدة للأسر البريطانية التي تحاول التأقلم مع زيادة تكاليف المعيشة. فالبلاد المتقدمة تحرص دائما على الحفاظ على مستويات معيشية مناسبة للجميع، حيث الهم الأول لسياسيها كبح جماح الأسعار، وأحيانا كما هو الحال في بريطانيا تستقر الأسعار لسنوات طويلة ولا تصاب بالسعار أو الجنون أو الانفلات، وسط معدلات نمو مرتفعة حقيقية، فيتولد الإحساس بالرخاء.

 

أخيرا شكرًا ليز تراس.. فستدخلين التاريخ البريطاني "بشجاعتك في الاستقالة، وليس الفشل في إدارة أزمة" وستبقى جملتك أمام مؤتمر حزب المحافظين 5 أكتوبر الجاري، "لقد فهمت، لقد سمعت، نمو، نمو ، نمو".. ثم بعدها "آسفة"، تعبير عن صدق السياسي وشجاعة الاعتراف بأخطائه.