الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أنت تحديدا.. لا تدافع عن مصر

علي الرز
علي الرز

بداية لا بد من التفريق بين تقدير دور مصر كقاعدة إقليم وثقل حجمها الجيوسياسي عربيا واسلاميا وافريقيا ودوليا، وبين التفاعل اليومي مع حركة السياسة والاقتصاد والمجتمع. 

أرباب دائرة "التقدير" مقاربتهم للتفاعل اليومي أكثر نضجا وصدقا وحرصا وخوفا على التجربة، وارباب دائرة "التفاعل" من دون الخلفية التاريخية والرؤية الاستراتيجية مقاربتهم متحركة بمعنى الترحيب ان شهدت الأمور تطورا والتنديد ان حصل جمود او تراجع. وبين الفريقين، ثالث، لا أجندة لديه سوى ضرب الصورة وخلق مناخ سلبي وحالات احباط، وهو ربما من قصدته القيادة المصرية بقولها "ان لم يرد أحد المشاركة في البناء فمن المسيء جدا ان يشارك في الهدم"... وهذا الفريق تحديدا هو من يتوجه إليه المقال.  

مصر هي مصر، تحني المصاعب والتحديات ظهرها لكنها لا تكسره. أمة تركت بصمة حضارية تاريخية بسواعد أبنائها في زمن لا ثروات فيه الا ثروتها البشرية لا يمكن ان تستنزف رصيدها الإنساني مهما استنزفت الظروف رصيدها من العملات الأجنبية او احتياطها الغذائي. من طوع الصخر والحجر وتغلب عليه لن تغلبه ازمة مهما كان وقعها مؤلما.  

ما ورد سابقا ليس من باب السرد الشعري او الانشائي، لكنه مدخل لا بد منه لمقاربة ما تتعرض له مصر حاليا من حملات... وهنا لا بد من كلام صريح.  

أولا، مصر ليست الدولة الوحيدة التي عانى اقتصادها نتيجة ظروف كورونا وما بعدها والحرب الروسية الأوكرانية... بل العالم كله – حرفيا - عانى من ذلك. أسعار المحروقات في أوروبا ارتفعت 3 اضعاف وأسعار الطاقة صارت مثل البورصة والاضرابات عمت مختلف القطاعات المحتجة على تراجع العملة وتردي الخدمات وفقدان الرواتب لقيمتها الشرائية. ولسنا هنا في وارد تفصيل "النكبات" الاجتماعية والاقتصادية في الغرب لأن البيانات موجودة ومستمرة.    

ثانيا، باستثناء بعض دول الخليج العربي، فإن انعكاس الازمات الاقتصادية والمالية على الدول العربية الأخرى ودول شرق آسيوية مثل تركيا وإيران كان أقسى وأشد ان لم نقل كارثيا. انهارت عملات الى مستويات غير مسبوقة واختفت الكهرباء وتعطلت الحياة برمتها وليس المشاريع فقط.    

ثالثا، ما كان يمكن لمصر أن تتلافى الأزمات لأن الجمهورية الجديدة مولودة أساسا من رحم أزمة، فما سمي الربيع العربي وبالتالي حكم الاخوان والاضطرابات المصاحبة والشلل الذي أصاب الحياة العامة وثورة التصحيح وإعادة البناء من الصفر أو مما تبقى من مؤسسات منتجة... "مش ببلاش". ركز الجميع على الاستقرار واعادة هياكل الدولة وانتظام عمل المؤسسات. صفقوا للسرعة التي عادت فيها مصر واحة أمن وأمان. هللوا لسياسة الانفتاح مع كل الدول التي ضعفت علاقاتها بمصر في فترة معينة واتضح ان هذه العلاقات جزء من الأمن القومي ممنوع التفريط به. راقبوا بإعجاب الحركة العمرانية الضخمة المتمثلة بشق الطرق والمدن الجديدة، لكن ذلك كله تطلب "جسرا ماليا" للإنعاش او ما يشبه مشروع مارشال مصغر لعبت دول خليجية الدور الاعظم فيه.  

رابعا، النقاش والحوار والانفتاح والليبيرالية والديموقراطية إرث مصري تعلمه الآخرون. من هنا تصبح مشروعة تساؤلات المختصين حول جدوى الأولويات التنموية بين شق طريق او بناء مصنع او قيام مشاريع زراعية ضخمة، فهذه الاسئلة مستحقة وقد تكون لها اجابات موثقة بالأرقام لا يعرفها كثيرون او يمكن ان تكون هناك عوائق لا بد من شرحها.  

خامسًا، التطوير الاداري في القطاعات الضخمة المنتجة مثل السياحة والاستثمار وغيرها صار ضرورة قصوى، ويشعر المسؤولون المصريون بالحاجة الى "ثورة ادارية" تتعلق بتجديد الرؤية وخلق مناخات جاذبة وعصرية. فهل يجوز ان يكون الدخل السياحي لمن يمتلك ثلثي آثار العالم أقل من دخل حلبات ثيران في اسبانيا او حدائق اقحوان في هولندا؟ هل يجوز ان يغادر المستثمر العربي والاجنبي الى دول اخرى فقط لأنه لا يستطيع اخراج امواله وارباحه او ادارة مشروعه كما يديره في بريطانيا او فرنسا او حتى في دول من العالم الثالث؟ وهذا الامر ينطبق على تعقيدات اخرى ايضا تحتاج الى تسهيلات وستكون الاستفادة الكبرى منها للمصريين في الخارج والداخل.  

استقرار مصر استقرار للمنطقة وضعف الدولة فيها لا قدر الله لن يقتصر على حدودها. وإلى حامل معول الهدم ونافخ الكير الذي لا يعرف غير طريق التحامل، مصريا كنت أو عربيا او اجنبيا، إسلاميا او ليبيراليا او يساريا او رأسماليا أو اشتراكيا، أنت تحديدا لا تدافع عن مصر ولا أحد يريدك ان تدافع عنها. واصل هجومك وأعلم، مهما ارتفع صوتك، انك في النهاية تطلق النار بيدك على... قدمك.