الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

نهال علام تكتب : ثورة 30 يونيو

نهال علام
نهال علام

لم تكن الساعة قد جاوزت السابعة صباحًا، والاستيقاظ في ذلك الوقت في صباحٍ بلا عمل هو درب من الهبل، ولكنها بداية الصيف والطقس حار لدرجة القيظ، وكالعادة الكهرباء مقطوعة فغاب النوم عن مقلتي بعد أن أصبحت أشبه بالمحمومة، غادرت فراشي واتجهت لصديقتي المدعوة قهوتي، وبينما بدأ صوت خشخشة الماء والبن يطرب أذني تذكرت هذا الصوت الأجش الذي ألهب غضبي، عندما  كنت في طابور السوبر ماركت وحاول صاحب الصوت قليل الذوق تجاوز دوري، وعندما نبهته بأدب قال لي بمنتهى قلة الأدب اسكتي لأن صوتك عورة!

سكبت قهوتي وبينما كنت اتجه لشرفتي، دق جرس الباب الذي اخرجني من عزلتي، فلقد كنت حبيسة أفكاري في الكهرباء المقطوعة وأحاديث النساء الممنوعة والكثير من المصائب المتلاحقة وعلى رأسها الغربة التي أصبحت أشعر بها خلف خطوط هذا الباب، فتحت الباب فكانت أم صابر هي من تنتظر بصبر أن افتح وتدعو بالفرج وللهم أن يرحل، مكفهرة وجدتها.. عن سبب حزنها سألتها.. وكانت إجابتها التلقائية في الإجابة العبقرية (هو من يوم ما شفناهم شفنا حاجة عدلة).

ربت على كتفها وطبطبت ظهرها الذي انحنى في الأيام الأخيرة كما لم ينكفئ على مدى سنوات طويلة.

 
وسألتها ضاحكة لعلي أبدد بعض سحب يأسها الظاهرة، لقيتي أنبوبة أم مازال الأمر أعجوبة بعد ما تحول لسبوبة، يحظى بها أصحاب التبعية ومن هم للجماعة أهوائهم منتمية!


فكت طرحتها ونجحت أن أجعلها تتعالى ضحكتها وقالت كطفلة صاخبة، وعلى حكم قراقوش ثائرة والله يا أستاذة عرضوا يطلعوها لي لحد السابع ببلاش لجل ما أنضم لتلك العصابة اللي متسواش!

قاطعتها متسائلة وماذا فعلتي! أجابتني بفخر.. رفضت، وأكملت باعتزاز (بلاها الغاز إذا كان طريقه خسة واستفزاز) ضحكت واجبتها قائلة تعيشي يا أم صابر أبية ومقاتلة، والأن سأستلهم منك دور المحاربة، وأتوجه في معركة حاسمة لملئ خزان السيارة بما يتيح لى أن انضم لصفوف المارة، بدل من ركنتها أسفل بيتي وأنا أشعر بالمرارة، خبطت صدرها بفزع وحذرتني بصوت يرتعش من الهلع الطابور يا بنتي بالكيلوات، ولو توقفتي فميعاد شغلك فات، وفي كل الأحوال قبل ما يصل إليكي الدور سيكون مخزون المحطة انتهى ومات، ثم عقبت بلغة جادة سأبيت معك الليلة، وبكرة بعد الفجر مباشرة نتوجه لاداء تلك المهمة الثقيلة فما باليد حيلة، وتابعت بلهجة حادة آمرة عليكي أن تخففي من مشاويرك فالشوارع لم تعد مأمونة والوقود أصبح عملة غير مأمولة.

في التاسعة سمعت نصيحة دادة أم صابر وطلبت عم جابر ليقلني لأقضي مصلحتي الحكومية فلم يستطع مساعدتي لأن سيارته بلا بنزين وتغرد نشيد ينعي الوطن الحزين، لم يكن هناك مفر من استقلال سيارة أجرة، وذهبت للجهة الحكومية في ذلك المبنى الخردة، وبالطبع لم يخل الطريق من نظرات الوعيد من السائق ذو اللحية الذي يصدح كاسيت سيارته بأحد الصارخين بعذاب القبر ويوم الدين، وما أن وصلت وجهتي حتى طالب بثلاث أضعاف اجرته المقررة وكله بما يرضي الله، ودفعت وأنا أفوض أمري لله فأمرأة سافرة مثلي لو اشتكت لتكاتل عليها كل المتقزمين ممن عاشوا مأزومين وفجأة اصبحوا دعاة باسم الدين ولجماعات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مخترعين، وكأن مصر على مدى الاف السنين كان ينقصها بعض الافاقين لنتعلم منهم أصول الدين، نحن الموحدين منذ نعومة أظافر التاريخ.

في الحادية عشر دخلت للمصلحة المتداعية والتي تفتقد للتهوية، وحالت شبكات الكهرباء المقطوعة والانترنت الذي يعد حلماً بعيداً دون قضاء مصلحتي للمرة الثالثة، والشهادة لله لن أنكر التطوير في تغيير  كبير في طقم المديرين من ذوى الوجوه الكالحة وإذا وجدوا في الأرض العامرة حولوها لقاحلة.  

في الخامسة عدت لمنزلي أجر ذيول الخيبة بيد، وقائمة الطلبات المنزلية التى عدت دون شراء غالبيتها بسبب نقص السلع التموينية في يدي الأخرى، في السادسة مساء فتحت مواقع التواصل الاجتماعي لعلي أجد ما يسد رمق يأسي وحسرتي على ما تشهده دولتي من تدني واضح في كل المناحي الأمنية والحياتية والسياسية وحتى العلاقات الخارجية. 


وإذا مواقع التواصل تعج بفيديوهات كوميدية ساخرة حتى السوداوية، عن هفوات مندوب الإخوان في الرئاسة  التي لا ترقى لإدارة نادي صحي وليس دولة ليس كمثلها دولة وهي مصر أم الدنيا.

في السابعة ذهبت للأخبار لم يكن هناك إلا بعض تصريحات للمرشد ومساعديه ومعاونوه ورفقائه ومحبيه وخدامه، مما زاد اكتئابي وجعلني القي بهاتفي والملم افتقادي لصديقة عمري التى تركت الوطن هاربة بعد تلك الليلة الكئيبة التي فاز فيها ابن الجماعة الإرهابية. 


رفيقة عمري المسيحية التى ولت قبلتها صوب دولة غربية لا تُحرَق كنائسها ولن تضطر لاخفاء وشم ديانتها حتى لا تلقى المهانة والتهديد، وتكون يومياً في انتظار الوعيد.

في التاسعة ذهبت لشباك غرفتي اتنسم بعض الأمل فإذا بتكدس الشارع يقضي على أي أمل بقدر كبير من الواقعية حد الألم، فتحت خريطة جوجل فإذا بالقاهرة حمراء تختنق في زحام وفوضى صماء.

في الحادية عشر عادت الكهرباء ما استمر حوالي العشر.. دقائق لا تحلم عزيزي القارئ فذلك التاريخ تقاسمناه وتشاركناه، الحجر والبشر أصبح يتنفس الغضب، دولة أصبحت آيلة للسقوط وهوية باتت على شرف جرف هار من الانهيار الوشيك، وسط تضائل قامة مصر في المحافل الدولية وتراجع دورها على كل الطاولات العالمية، عام لم يشهد الوطن فيه بناء عمارة كعربون محبة لمشروع النهضة الجبارة، فقط انشغال بأخونة مفاصل الدولة وأطرافها، واستعداء شديد للصغير والكبير وكل من لايدين بالتوحيد للجماعة ولا بالولاء لمرشدها.

في الثانية عشر كان الإذن بميلاد نهار جديد، ليل انقضى ويوم سيبدأ حاملا معه تمرد الملايين ممن لم ينتموا يوماً إلا لحزب الكنبة الفريد، وفي سبيل ابنائهم وهويتهم ووطنهم لم يلتفتوا لوعيد، ولم ترهبهم أحداث الاتحادية ولا القتل على الهوية، ولم يردهم عنف جسدي ولا نفسي من بلوغ ميادين الحرية وامضاء استمارات تمرد بعين قوية مشمولة بأرقام البطاقات، في رسالة واضحة للخوان، لا تراجع ولا استسلام وليذهب للجحيم حكم الإخوان.

اليوم يمر عشر سنوات على ذكرى ثورة الكرامة واستعادة الهوية وفرض عقيدتنا المصرية بجدارة على كل من سولت له رأسه الصغير أن المصريين قابلين للتبعية والتغيير، عشر سنوات يشهد للقيادة السياسية ما قدمته من تأثير في حياة المواطن والكثير من التغير ، على سبيل المثال لصعوبة الحصر والتقدير فالتنمية أكبر مما يمكن وصفه والقصر.

٧ الاف كيلو متر من شبكات الطرق التي أضيفت لمصر بما يعادل سبع مرات المسافة من القاهرة لأسوان، وإعادة الروح في هيئة السكك الحديدية، وتطوير محطات مترو الأنفاق بصورة حضارية ومشروعات تعدينية جبارة وإعادة الاستفادة من الثروات التى تم إهدارها بالتصدير كمادة خام مثل الكوارتز والرمال البيضاء، أما تطوير الموانئ البحرية وتوسعة قناة السويس وإضافة شريان جديد، مع الاهتمام بالبحيرات المهملة مثل البرلس والبردويل وحوالي ١١ بحيرة أخرى، ومن أكبر التحديات كان القضاء على العشوائيات وتحول مصر لبقعة خالية من المناطق الخطرة الغير آمنة.

وفي مجال التنمية الزراعية جاء بناء الصوامع للحفاظ على ما يزيد عن ٣٥٪؜ من حجم هادر الحبوب الذي يذهب هباء، والتوريد للمرة الأولى بسعر مرضي وعادل للفلاح، واستحداث شتلات زراعية توفر الماء وعالية الانتاجية، هذا بإلاضافة لأكبر صوب زراعية في الشرق الأوسط، وتحقيق الاكتفاء في المحاصيل الرئيسية مثل الأرز والبنجر وغيرها من المنتجات الاستراتيجية مع استصلاح الاف الأفدنة في إطار الكفاية الانتاجية وذلك تأكيداً على رؤية الرئيس الواضحة من لا يملك قوته لا يملك قراره.

أما تمكين النساء والشباب والمكتسبات التي حصل عليها ذوي الهمم للمرة الأولى في تاريخ الوطن فحدث بلا حرج، إعادة بناء الكنائس المحترقة والتأكيد على أن الوطن لنا جميعا وكلنا نقتسم ذات المساحة المشتركة هو قناعة رئاسية يتم التأكيد عليها في كل تصرفات الرئيس التلقائية، ناهيك عن برامج اكتشاف المواهب والتأكيد على دور الثقافة واحياء التراث والتأكيد على دور الفنون في تشكيل وجدان الأمم هو الشغل الشاغل للقيادة السياسية والذي يظهر بصورة متجلية في كل المناسبات والأحاديث والأفعال اليومية.

أما علاقات مصر الخارجية وعودة مكانتها الدولية والحفاظ على الكل في خضم الأزمات كأصدقاء دون عداوة وبأريحية فمصر برعت في ذلك، توفير الطاقة وحل كل مشكلات الوقود والتعاقد على ٩٨ إتفاقية تنقيب بحجم استثمارات يقارب ١٦ مليار دولار، ومد خطوط طاقة لتصدير الكهرباء لأوروبا، مع محطات توليد الرياح الأكبر في الشرق الأوسط، ومحطة بنبان لانتاج الطاقة الشمسية وهي المحطة الأضخم عالمياً، محطات تدوير المياه وتبطين الترع ومساعي مصر الدولية في ملف التغيرات المناخية والتحول المتسق الخُطى للطاقة النظيفة ومشروعات الهيدروجين الأخضر.

إنشاء عاصمة إدارية ومدن ذكية وبرامج تعمير واضافة مساحة حيوية تعادل ٣٠٪؜ من المساحة التي نشغلها بالفعل فأصبحنا أكثر دول العالم تكدساً وذلك ما يخلق ثقافة الزحام التي تولد التحرش والعصبية وقلة الأمان، انخفاض معدل البطالة من ١٠٪؜ إلي ٧٪؜ بالرغم من ارتفاع معدلات الزيادة السكانية في عشر سنوات بنسبة ٢٥٪؜.

وإذا لم تكتفي بكل ما سبق وإذا لم يكن هناك بالأساس آي مما سبق فيكفي نعمة الأمان وحياة دون أرباب الإرهاب، وصناع المصائب وتجار الدم، وخونة الوطن، وقتلة أبناءه بدم بارد، نعمة الوطن غالية، وخروج ابنائنا وعودتهم في ظروف آمنة عطية أدامها الله علينا وحدها تكفي لتكون الإنجاز الأكبر لرئيس الجمهورية، عبد الفتاح السيسي الذي أسس هوية وجدانية لجملة تحيا مصر.

ولأن الأحلام لا تسقط بالتقادم كما قال الرئيس فالألام أيضاً يجب ألا ننسى أثرها بالتقادم، يوم حكم الإخوان كان بمئة عام، فلن ننسى ما قدمته أيديهم من مكر وخبث وما زرعته من كراهية، ولن نتوقف عن الدعاء لكل الأسر الثكلى التي قدمت شهداء بفضل تضحياتهم في معركة الإرهاب استطعنا أن نخوض معركة التنمية، ولن نقلق على مصرنا الحبيبة لأن فيها رجال صدقوا الله ما عاهدوه عليه، وأبنائها الوطن هو عقيدتهم والمحبة هي دليلهم، ستحيا مصر.. وتعيش بهية حلوة وحرة وأبية.