الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

وسيم الفيومي يكتب: السخرية لا تبني حضارة ولا تعمر ديارا

وسيم الفيومي
وسيم الفيومي

السخرية، أو التجريح، أو الهمز واللمز، أو الألش، صار منهجاً حياتيا لا يبني ولا يعلم،، ولا يحيي أمة.
فرق كبير بين الحرية المنضبطة وبين همجية الرعاع وتدخل العامة في فن أو علم من العلوم وفق أهواء غير متزنة أو هادفة....وهذا الذي بات واضحا من خلال الصفحات والمنصات وبرامج التوك شو والطواحين التي يصدر عنها ضجيجا وجعجعة ولا نرى طحنا أو طحين.


سابقا كان إذا تناظر متخصصان في فن أو علم من العلوم يتباريان كل يريد أن يثبت صحة نظريته بأدلة وشواهد وبراهين وليس بالسخرية من الآخر،، إنما هدف العاقل ومناط الحكم على صحة شيء من الأشياء هو الحجة والدليل.

وعندما نتعمق أكثر في مفهوم السخرية،  وأقصد تحديداً السخرية من بعضنا والسخرية من الأفراد من حولنا، سنلاحظ أن لها جانبين: الأول وهو التعبير عن مشاعر انفعالية غير مرغوب فيها بطريقة ساخرة، وتعد عملية إفراغ وجداني، لكنها عملية وقتية كالانفجار، تدوي ثم تختفي من دون الوصول إلى هدف أو قيمة، بل لها أحياناً انعكاسات سلبية سأذكرها لاحقاً. والجانب الثاني تأثير هذه السخرية في الإفراد ونمط الحياة يكون جداً سلبياً، ما يجعلنا نتساءل: ما هو تأثير هذه السخرية والتقليل من شأن الآخر؟

وهذا - للأسف - ما يحدث ونشاهده في وسائل التواصل الاجتماعي عندما يتم تحديد شخصية معينة ويبدأ الغالبية في ممارسة السخرية منها وتحقيرها والتقليل من شأنها، سنجد الجانب الأول حاضراً وبقوة، في عملية تعبير وإفراغ هذا الغضب، لكن سنجد أيضاً الجانب الثاني وتأثيره جداً سلبياً، بحيث يجعل الأفراد يفقدون قيماً ومبادئ أساسية ومهمة في حياتهم، من دون أن يعوا ويدركوا ذلك، لأن تأثير هذه السخرية لا يأتي بين يوم وليلة، بل ستأتي بعد فترة من الزمن.

 حينما يتعود الأفراد على السخرية والتلفظ السيئ وتحقير الآخرين، وسيكون هذا نمطاً سلوكياً يمتهنه العامة كلها، وستتحول مع الوقت من سخرية الأفراد إلى سخرية من الحياة، وحتى يصلوا إلى السخرية من النفس، وهنا الخطورة بأن تبدأ المشاهدة لها بدونية وتقزيماً واحتقاراً، ويعد نمطاً عاماً لكل أفراد المجتمع.

 
وللأسف نجد السخرية وصلت إلى كل شيء في حياتنا، أكلنا وشربنا وحديثنا ونظرتنا إلى الحياة، وهذا ما يميت القلب ويحطم أي نجاح، لأننا قللنا من قدراتنا وإبداعنا كوننا بشراً يمتلك قدرات ومواهب، وعطلنا روح العزيمة وجلسنا نتباكى بسخرية على الحظ أو الظروف، من هنا لا بد من أن ندرك أن من يسخر من الآخرين حتماً سيأتي يوم يسخر من كل شيء، أولها حياته، ولنتخيل مجتمعاً كاملاً يسخر من نفسه! ماذا بقي إذاً؟

كيف يتطور مجتمع يعاني من الاحتقار والسخرية من ذاته؟ وكيف يستطيع أن يواكب الصعاب والمتغيرات الحياتية السريعة وهو قابع مكانه يصدر الأحكام؟

الذي لا تدركه الغالبية أن العبرة ليست في مضيعة الوقت بالسخرية من هذا وذاك، العبرة أن يجتهد الفرد في تحقيق ما يرغب من علم ونجاح ومثابرة الذي يتطلب الشجاعة في مواجهة الظروف والحاجات، ومعرفة كيفية العيش الصحيح في البحث عنها بطريق العلم والعمل والعزيمة، أو توصيل الرأي بموضوعية أكثر بعيد عن الهجوم والتهجم والتحقير، توصيل ما يرغب به بطريقة واعية تتصف بالاحترام، لأن ذلك يعكس شخصية الفرد نفسه، وهنا شتان بين إهدار الوقت وإهدار النفس في ومهاترات لا قيمة لها غير تضييع الوقت.

من يتعود على السخرية وتقليل شأن الآخرين ستجده دوماً يتصيد أخطاء الآخرين ولا يشاهد غير النقص، وسيتحول جهده من تطوير حياته إلى متابعة أخبار الآخرين، فلا استطاع أن يغير الآخرين ولا حاول أن يساعد نفسه!
ولعل من أسباب السخرية والاستهزاء [الأخلاق الإسلامية لعبد الرحمن الميدانى] :
1- الكبر الذي يلازمه بطر الحق وغمط الناس .
2- الرغبة بتحطيم مكانة الآخرين .
3- التسلية والضحك على حساب آلام الآخرين .
4- الاستهانة بأقوال الآخرين وأعمالهم، أو خلقتهم، أو طبائعهم، أو أسرهم، أو أنسابهم، إلى غير ذلك .
5- الفراغ وحب إضحاك الآخرين .
ومن آثار السخرية التي نراها جميعا واقعة في مجتمعنا [نضرة النعيم] :
1- أنَّ السخرية والاستهزاء تقطع الروابط الاجتماعية القائمة على الأخوة، والتواد، والتراحم .
2- تبذر بذور العداوة والبغضاء، وتورث الأحقاد والأضغان .
3- تولد الرغبة بالانتقام .
4- أنَّ ضرر استهزائهم بالمؤمنين راجع إليهم .
5- حصول الهوان والحقارة للمستهزئ .
6- المستهزئ يعرض نفسه لغضب الله، وعذابه وقد نهى القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة عن الهمز واللمز والسخرية واحتقار الآخرين.
7- ضياع الحسنات يوم القيامة .
8- تولد الشعور بالانتقام .


إن الفرد يستطيع أن يعبر بطريقة إيجابية وسليمة وبحكمة تؤمن الاستقرار والسلام المجتمعي من دون ضجيج وبلبلة وبأسلوب واعٍ مدرك لقيمته وقيمة مجتمعه أيضاً، فيصد الباب على من يحاول أن يتصيد الثغرات. كل مجتمع فيه نقاط قوة ونقاط ضعف، ويظل الإنسان ساعياً وعاملاً ومجتهداً، لكن المهم أن يكون واعياً بقيمة ذاته ونظرته لها، فلا يجعل السخرية وغيرها من السلبيات أن تهضم حقه بجهل أو انفعال أو غضب.