الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د. محمد عسكر بكتب: الإنسان الهجين … إنسان النصف آلة

صدى البلد

يبدو أن الخيال العلمي نفسه لم يعد قادرًا على مجاراة التطورات التكنولوجية المتلاحقة على أرض الواقع، فهناك عجز حقيقي في الأفكار التي يتم طرحها، سواء في الكتابات أو حتى في أفلام هوليود، عن شكل الحياة البشرية في المستقبل القريب، وكيف يمكن أن تؤثر عليها هذه التطورات التكنولوجية ، خاصة على المستوى الإنساني والإجتماعي،  لأن التقنيات الذكية التي تم إبتكارها ويتم تطويرها باستمرار قد تتعدى قدرة العقل أحيانًا على تخيل تبعاتها وتداعياتها على شكل الحياة البشرية. العقل الجمعي للذكاء الإصطناعي سيكون عن قريب أذكى وأسرع من العقول البشرية بملايين المرات، وبمجرد إدراكه هذه الحقيقة سوف يتعامل مع البشر بدونية شديدة، فهم أقل منه ذكاءً ومهارة، ويرى البعض أنه لا سبيل للحفاظ على الإدراك البشري إلا من خلال تطوير القدرات البشرية كي تساير قدرات الذكاء الإصطناعي، من خلال زرع شرائح ذكية داخل العقول والأجساد البشرية تُحسّن من أداء عملها ووظيفتها في مواجهة قدرات الذكاء الإصطناعي، وبذلك نضمن استمرار بقاء الجنس البشري في مواجهة الذكاء الإصطناعي.
لقد اقترب الوقت الذي سيكون فيه الإنسان هو "التقنية" أو "الأداة" التي ستخضع قريبا للتطوير والإبتكار، فالوتيرة التي تسير بها الثورة الصناعية الرابعه متسارعة للغاية بصورة أكبر مما كنا نتوقع. وعلى ما يبدو أن هذه الثورة التي بدأت منذ عقد من الزمان مدفوعة بتطوير تقنيات الذكاء الإصطناعي وإنترنت الأشياء والويب والإتصالات اللاسلكية قد أوشكت على الإنتهاء، وأصبحنا على أعتاب ثورة صناعية خامسة، أرى أنها ستكون الثورة الأخيرة في هذه الحقبة من الحضارة الإنسانية لتعلن بذلك نهاية عصر وبداية فجر جديد لحضارة مختلفة تماما عن سابقتها تسمى حضارة السايبورج ، تلك الحضارة التي تختلف تماماً عن الحضارات السابقة التي عرفتها الإنسانية، فقد ينتج عن الإنسجام التام بين الآلات وبعضها، وبين الذكاء البشري والذكاء الاصطناعي نوعا جديدا من المعرفة (البشرية - الإصطناعية)، تبتكر أنواعا مختلفة من الفنون والآداب والموسيقى والعادات والتقاليد. هذه الحضاره الجديد ستكون الغلبة فيها بلا شك للإنسان الهجين، ذلك الإنسان المزيج بين البشر والذكاء الإصطناعي من خلال دمج شرائح ذكية في مخ الإنسان تعمل على تطوير قدرات العقل البشري وإكسابها مهارات لم تكن موجودة من قبل.
ومن هنا تبدأ مرحلة جديدة من الحياة "النصف بشرية"، التى يعامل البشر فيها أنفسهم معاملة الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية، ويتم تصنيفهم لأجيال حسب خصائص وقدرات الشرائح الذكية المدمجة فيهم، كل حسب شريحته الذكية التي يتحكم فيها في النهاية قدرات هذا الشخص المالية على شراء الشريحة الأحدث والأسرع.

ولعل الهدف الرئيسى من هذه الثورة الصناعية الخامسة المستقبلية المحتمله هو دمج البشر والتكنولوجيا معا بعناية، ما يضمن أن كليهما يعملان بشكل وثيق ما يمهد الطريق لظهور نسخ معدلة تكنولوجيا من البشر، تلك النسخ الهجينة التي تندمج فيها التكنولوجيا بالأعضاء الحيوية للإنسان فتصبح مكونًا رئيسيًّا من الجسد البشري، يختلط فيه اللحم بالسيليكون، والعقل بالأسلاك، والإدراك بحالة شحن البطارية فيظهر لدنيا جيل جديد من البشر يستطيع أن يتذكر أدق التفاصيل ، ويعمل أطول فترة ممكنة دون كلل أو ملل، جيل لا تتأثر قراراته بالعواطف أو المشاعر، ولا يشعر بالإرهاق أو الألم فى حالة مستجدة على الوجود الإنساني.
 أسئلة كثيره تجول فى خاطرى عن مدى إمكانية أن يحقق التطور التكنولوجى تقدما حقيقيا في تعديل الجنس البشري عن طريق الشرائح الذكية المدمجة بالعقل البشرى لكي يصبح الإنسان خارقا بالفعل. كما تراودنى أسئلة أكثر حول كيفيه تأمين هذه الشرائح من الإختراق وما هو الحال إذا تم إختراقها بالفعل وتمت سرقة جميع الأفكار والذكريات والمعلومات الموجودة عليها فى رأس أحدهم؟ وهل ستُترك جميع المعلومات محفوظة فقط بالرأس البشري أم أننا سنحتفظ بنسخة إحتياطية منها على خوادم خارجية بداعي التطوير والتحسين وهل يمكن أن يتم ذلك دون حتى أن نستأذن صاحبها؟ وما هى من الضمانات أن الشركات المطورة لهذه الشرائح لن تتجسس على الشريحة بنفسها وتسرق أفكارنا؟ .

أسئلة أخلاقية وتنظيمية كثيرة تثير مخاوفى، قبل أن تكون أسئلة علمية، لا بد من الإجابة عنها أولًا، فالإنسان كائن إجتماعي بطبعه، كيف يمكن حذف مشاعر معينة من قائمة خياراته بهذه السهولة؟ وهل تتحمل طاقة الإنسان النفسية هذا الكم الرهيب من الذكريات والأفكار والنظريات والإدراكات ؟ وماذا يحدث إذا استطاعت مجموعة من البشر إمتلاك هذه التقنية الثورية، هل سيتركون الباقي يتمتعون بالحق في اقتنائها؟ أم سيتم حرمانهم منها بدواعٍ أخلاقية مزعومة كي يستأثروا منفردين بالسلطة؟