الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

يوم ينفع الصادقون صدقهم


لاشك أن التأمل في نصوص القرآن الكريم تعمل في النفس البشرية حراك يفضي إلى إنتاج مشاهد تتفاعل مع الوجدان تكون خير مبين للإعجاز القرآني ترتكز على النظم الفريد الذي أعجز البلغاء و الفصحاء عن معرفة كنهه ، و قد تباينت المشاهد ما بين الترهيب والترغيب التي تحمل بين طياتها معني وحقائق لمن كان له قلب.

يتجسد مشهد القيامة وبخاصة مشهد تطاير الصحف و ما يعقبه من حساب، حيث أول من يسأل من البشر هم الأنبياء والرسل، حيث ينادي رب العالمين – جل وعلا – على أول من بعث إلى البشر، ينادي رب العالمين: يا نوح – عليه السلام - – قائلا: هل بلغت قومك ، والله – سبحانه وتعالى - هو الأعلم بما دار وحدث، كي يقيم الحجة على العباد، فيحيب نوح بالإيجاب: نعم يا رب، ويسأل الله - عز وجل - قوم نوح: هل بلغكم نوح؟؛ يقولون: لا يا رب، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، حيث جاء النطق بسابقة الأعمال، لأن العمل والنطق لم يكن بلسان المقال بل بلسان الحال في الحياة الدنيا، ما أعظمه موقف يثر في النفس الفزع و الرهبة في يوم تسلب في الإرادة والتمكن الذاتي، وفي هذا المقام يقول نوح: وعزتك وجلالك قد أبلغتهم، يقول الله – جل و علا - : أمعك من يشهد ، يقول بلي يا رب : محمد و أمته ، ليتجلى للرائي قول الحق – سبحانه و تعالى – تأكيدا على صدق كلامه : ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا )} البقرة : 143 {
يتجلى عظمة الأمة، مقام سيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم - ،وسطية الإسلام ، فيسأل الحق – جل و علا – سيدنا محمد : يا محمد هل أبلغ نوح قومه ؟ ، يحيب المصطفى : نعم يا رب ، و ينادي الحق – جل و علا – أمة محمد :يا أمة محمد : هل تشهدون أن نوح بلغ قومه ؟ ، يقولون : نعم يا ربنا ،تقول أمة نوح في حينها مستنكرة :كيف تستشهد علينا بمن لا يرانا ؟! على اعتبار أن أمة محمد جاءت بعد أمة نوح بآلاف السنين ، يقول رب العالمين : يا أمة محمد كيف تشهدون على شيء ما رأيتموه ؟، تقول أمة محمد : يا ربنا قرأنا كتابك و علمنا أن ما فيه حق ، و أن نوح بلغ قومه ، و أن قومه كذابون ... يقول ربنا : صدق محمد ، و صدق نوح ، و صدقت أمة محمد
ما أعظمه تشريف للأمة التي يتشفع فيها النبي الشاهد على العالمين ، ما أعظمه مقاما مستمد من القرآن العظيم .
و تستمر المشاهد المروعة الرهيبة الكاشفة عن هول يوم القيامة و ما بها من أحداث تشيب من هولها الرؤوس ، تتتابع المشاهد دواليك مع كل الرسل إلى أن يصل الحساب إلى سيدنا عيسى – عليه السلام –
فيسأل الحق أمام الناس قائلا : ( أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ ۖ) استفهام يقرر من خلاله الإجابة إلى المنكرين و المكذبين و الذين تقولوا عليه بهتانا و زورا ، يجيب سيدنا عيسى مبتدأ : (سُبْحَانَكَ) تنزيه عن كل عيب أو نقص فأنت لك كل الكمال ، متابعا قوله : (مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ ۚ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ۚ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116)) }المائدة {
متابعا إلى قوله تعالى : ( كنت عليهم شهيدًا ما دمت فيهم )
ثم قوله تعالى : ( إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118))
نسق قرآني فريد يثير في النفس بالفطرة العربية عن علة تزييل الآية المباركة بقوله تعالى : ( فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) بدلا من : الغفور الرحيم ، لأن البناء النظمي في الآية المباركة سائرا على عدم الاعتذار أو طلب الرحمة، على الرغم من هول هذا الموقف المخيف ، فضلا عن كون الإشارة الكامنة في دلالة البناء الدالة على أن هؤلاء القوم المدلسون لا يستحقون الرحمة أو المغفرة .

أدب نبوي أمام رب الأكوان.

إشارات قرآنية تحمل في طياتها مشاهد تؤكد على أن الحياة الدنيا بما فيها من أفعال هي المحرك الأساسي للإجابة عن السؤال، يوم تسلب الإرادة و الميل و الرغبات و لا ينطق الفرد إلا بلسان حل أعماله ؛ فإن كان عمله فاسدا كان جزاءه على ما اقترف ، و إن كان عمله صادقا كان جزاءه من جنس ما فعل ، عبارة ينطق بها لسان اليقين، مصداقا لقول الحق – سبحانه و تعالى: (هَٰذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ ۚ ).المائدة :119

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط