الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

السيد رشيد رضا


السيد رشيد رضا هو أحد مفسري المدرسة الاجتماعية، والوارث لعلم الإمام محمد عبده، فسار على نهجه وسلك مسلكه، ودوَّن دروس الإمام التي ألقاها في دروسه على مريديه في تفسيره تفسير القرآن الحكيم الشهير بتفسير المنار.
مولده ونشأته:-
محمد رضا بن على رضا بن شمس الدين بن محمد بهاء الدين القلموني، البغدادي الأصل، الحسيني النسب، ولد سنة 1282 هـ - 1865م – ولد ونشأ في القلمون ( من أعمال طرابلس الشام ) وتعلم فيها وفى طرابلس، ونظم الشعر في حياته، وكتب في بعض الصحف ثم رحل إلى مصر سنة 1315هـ( ).
تعليمه وثقافته:-
تلقى السيد رشيد رضا تعليمه على يد علماء بلدته وكان من أبرز شيوخه الشيخ حسين الجسر، الذي كان يعرض على السيد رشيد رضا مؤلفاته ليبدى رأيه فيها، وكذلك الشيخ عبد الغنى الرفاعي الذي درس عليه جزءا من نيل الأوطار( ). وكان السيد رشيد رضا على قدر كبير من الإطلاع والمعرفة؛ فأعجب بالأستاذ جمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبده، واتصل بالإمام محمد عبده في رجب سنة 1315 هـ، واقترح عليه أن يكتب تفسيرا للقرآن على نهج ما كان يكتب في جريدة ( العروة الوثقى )؛ واقتنع الأستاذ الإمام بأن يقرأ دروسا في التفسير بالجامع الأزهر، ولم يلبث إلا قليلا حتى قام بإلقاء دروسه في التفسير على طلابه ومريديه( )؛ فصار تلميذه النجيب، وبلغ من تأثره بأفكار الإمام محمد عبده أن قال عنه ( صاحب المنار وترجمان أفكاري )، وقال أيضا: (إنه متحد معه في العقيدة والفكر والرأي والخلق والعمل )( )؛ فتدعمت العلاقة بين السيد رشيد رضا والإمام محمد عبده بروابط دعائمها الفكر المثقف بين المفسرين والذي كان نتاجها الإنتاج التفسيري الذي توارثه معظم مفسري القرن العشرين.
أعماله:-
لقد ترك السيد رشيد رضا الكثير من الأعمال الفكرية المتنوعة في الكثير من المجالات، من أهمها: مجلة المنار سنة 1315هـ - 1898م، واستمرت حتى عام 1354هـ - 1945م حيث عددها الأخير رقم 322.
ويعتبر السيد رشيد رضا الوارث لعلم الإمام محمد عبده؛ حيث كتب تفسير المنار و عند قوله تعالى: (رَبِّ قَدْ آَتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ )( ) ، وافته المنية قبل أن يتم تفسير القرآن الكريم كله، وهذا القدر من التفسير مطبوع في اثني عشر مجلدا كبيرا، وينتهي المجلد الثاني عشر عند قوله تعالى: (ومَا أُبَرِّئُ نَفْسِي)( )، وقد أكمل الأستاذ بهجت البيطار تفسير سورة يوسف، وطبعت بتمامها في كتاب مستقل يحمل اسم السيد رشيد رضا رحمه الله .
وقد فسر الشيخ من قصار السور: سورة الكوثر، والكافرون، والإخلاص، والمعوذتين، ولا نعرف إنتاجا في التفسير أكثر من هذا وهو إنتاج لا بأس به على حد تعبير الدكتور محمد حسين الذهبي( ).
مصادره في التفسير:-
تنوعت مصادره السيد رشيد رضا في التفسير فكان يستعين ببعض الآيات في تفسير بعضها – تفسير القرآن بالقرآن – وبالسنة الصحيحة ، واللغة ، وسنة الله في خلقه، وقد أوضح السيد رشيد رضا منهجه في تفسير المنار بقوله:"هذا هو التفسير الوحيد الجامع بين صحيح المأثور، وصريح المعقول، الذي يبين حكم التشريع وسنن الله في الإنسان، وكون القرآن هداية للبشر في كل زمان ومكان، ويوازن بين هدايتة للبشرية في كل زمان ومكان وما عليه المسلمون في هذا العصر وقد أعرضوا عما كان عليه سلفهم المعتصمون عليه، فراعى فيه السهولة في التعبير متجنبا مزج الكلام باصطلاحات العلوم والفنون بحيث يفهم العامة ولا يستغنى عنه الخاصة، وهذه الطريقة هي التي جرى عليها- في دروسه في الأزهر- الإمام محمد عبده( ).
- وقد استعان السيد رشيد رضا في تفسيره للقرآن الكريم بــــ:
• السنة النبوية
• أراء بعض السلف من المفسرين
• الاستعانة ببعض الكتب الأجنبية لتأكيد فكرة معينة - قصد إليها السيد رشيد رضا- من خلال تفسيره لآيات الذكر الحكيم ( ).
منهجه:-
يعتبر منهج السيد رشيد رضا هو منهج الأستاذ الإمام، فلا خوض في الإسرائيليات، ولا الأحاديث الموضوعة، ولا يعتني يتعين ما أبهمه القرآن الكريم. ولا الرجوع بالنص إلى اصطلاحات العلوم، وعدم الانشغال بمباحث الإعراب، فمنهجه في تفسير المنار كأستاذه الإمام محمد عبده يهدف إلى الإصلاح والتوجيه إلى ما فيه سعادة المجتمع والنجاة من سوء العاقبة.
ويبيِّن السيد رشيد رضا هدفه من وراء تفسيره للقران الكريم بقوله: ( إن قصدنا من التفسير بيان معنى القرآن، وطرق الاهتداء به في هذا الزمن )( )؛ ولهذا كان يشرح القرآن مستعينا بآيات القرآن المناسبة لما يشرحه من أي الذكر الحكيم، وبما درج عليه وارتآه السلف الصالح من الصحابة والتابعين، وبلغة العرب وسنن الله في خلقه ؛راغبا في تفسير اجتماعي يرشد الناس إلى ما فيه صلاح الدنيا والآخرة، ويتميز تفسيره بأسلوبه السهل، وعنايته بتوضيح المشكلات الاجتماعية في المجتمع، والطريقة المثلي في حلها، وفى ذلك يقول:( ويمتاز بالأسلوب السهل المترسل، والعناية بتوضيح المشكلات ورفع الشبهات الموجهة إليها، وإبراز هديه وحكم تشريعه، ومعالجة أمراض المجتمع ، وإظهار سنن الله في كونه )( )، فقد حاول السيد رشيد رضا محاكاة الإمام محمد عبده في تفسيره لآيات القرآن الكريم ، ولكن طريقة الإمام كانت طاقة نفسية، وليست منهجا فقط ، وهناك أمران تميزت بهما تفسيرات السيد رشيد رضا على تفسيرات الإمام محمد عبده:
• أولهما:- العناية بدعم التفسيرات المأثور عن النبي ( صلى الله عليه وسلم).
• ثانيها: النقل الكثير عن المفسرين، ويرجع السبب في ذلك إلى أن تفسير الإمام كان من خلال إلقاء المحاضرات والدروس، مما يمثل في عقله وقلبه، مما قرأ وتأمل وتدبر في القرآن، وكانت نفسه وهمته متجه إلى القرآن( ).
ويتضح من خلال ذلك تباين منهج السيد رشيد رضا عن منهج أستاذه الإمام محمد عبده بعد وفاته واستقلاله بالتفسير، ومن أبرز الخصائص التي تميز بها منهج السيد رشيد رضا في تفسيره:-
1 – التحقيق العلمي:
نظرا لتميز السيد رشيد رضا بالعلم الغزير، والمعرفة المتنوعة، فهو يعتبر حجه في البحوث الفقهية و التشريعية وأصول الفقه الحديث، وأقوال المفسرين وعلوم القرآن، فكان للسيد رشيد رضا تحقيقاته العلمية العميقة الناتجة عن تسلحه بجهاز معرفي مقبول، ووعيه الفكري العميق، فقد ذهب الإمام محمد عبده إلى أن سورة الفاتحة أول ما نزل من القرآن الكريم على الإطلاق، وحقق السيد رشيد رضا:إن أول ما نزل على الإطلاق هو أول سورة العلق:( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ)( )، ثم كانت سورة الفاتحة أول سوره نزلت كاملة، وأمر النبي أن يجعلها أول القرآن، وانعقد على ذلك الاجتماع.
وقد كان السيد رشيد رضا عالما ضلعا في حديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – رواية ودراية، وكان متأثرا بابن كثير في إيراد الأحاديث المتعلقة بالآية( )، وهذا ما جعله يخالف أستاذه في الأخذ ببعض الأحاديث التي ثبتت صحتها، مخالفا لأستاذه في مسألة سحر الرسول – صلى الله عليه وسلم – مقرا بهذه الحادثة.
2 – التأثر بابن تيميه وابن القيم:-
يتضح لنا جليا أن السيد رشيد رضا قد توسع في تفسيره بالأخذ من المتقدمين مخالفا بذلك منهج الإمام محمد عبده، حيث أنه نقل فصولا كاملة، وبحوثا منقولة من كتب ابن تيميه ( )، وقال إن كتب ابن تيميه وابن القيم انفع كتب الكلام، وإن هذين الشيخين هما الجديران بلقب شيخا الإسلام، وكان ابن كثير تلميذا لابن تيميه، وكثيرا ما كان صاحب المنار – السيد رشيد رضا – ينقل أراء ابن كثير في سياق الإكبار والإعجاب، وخصوصا المتشابه من القرآن، وما تعددت فيه آراء المفسرين( ).
3 – الاستفاضة والاستطالة:-
وقد استفاض السيد رشيد رضا في شرح المعاني اللغوية وهو ما يقارب ويضاهى التفاسير القديمة، ولكن بشكل يهدف من وراءه هدف هدائي اجتماعي، ومن أشكال تلك الاستفاضة عرضه لآراء بعض الفقهاء والمفسرين – حول معنى من المعاني – وهو يتناول تفسير آيات القرآن الكريم( ).


الخلاصة:-
أكمل السيد رشيد رضا ما لم يتمه الإمام محمد عبده من التفسير سائرا على منهجه ، ولكنه خرج عن منهج الإمام بعدما استقل بالتفسير بعد وفاة الإمام محمد عبده، وذلك عن طريق:-
• الأخذ ببعض الأحاديث في تفسير القرآن الكريم.
• الاعتماد على آراء بعض سالفي المفسرين كابن كثير.
ولكن مع هذا الخروج عن منهج الإمام، فأنه لم يغفل الجانب الاجتماعي الإصلاحي عند تفسيره لآيات الذكر الحكيم، فهذا هو مقصده وهدفه من تفسير النص القرآني، وبذلك يعتبر السيد رشيد رضا واحد من أفراد المدرسة الاجتماعية في التفسير

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط