الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الفكر الديني في مواجهة العصر "الدعاة بين الإصابة والإخفاق"


أفرزت لنا السنين الفائتة مظاهر تؤكد على ضعف العقلية الدعوية عن سالف عهدها ؛ لما قدمته من فتاوي تفسيرية وتأويل خاطئ لمراد الدين؛ آلت بمجتمعاتنا إلى حافة الهاوية، فأفقدت الثقة المتبادلة بين رجل الدين والجمهور بعدما كانت لشخصية المتدين وسمته مكانة خاصة في نفوس العرب بعامة والمصريين على وجه الخصوص، ولم تقتصر مظاهر الضعف على عجزهم عن تجديد الدرس الديني لمواكبة العصر، بل امتدت إلى فقدان الثقة في القدرة على التفاعل الاجتماعي والإنساني، لما أتوا به من نتائج فقهية تخالف وتناقض جهد علمائنا السالفين، نتاج الجهل أو العمالة أو تزيف و تغيب العقلية العربية.

المهم أننا في حاجة إلى إعادة صياغة الخطاب الديني حتى يمكننا مواجهة العصر و ملابساته الراهنة ، بعد أن صارت الشخصية الدعوية في العقد الماضي تلبس زي الترهيب المنفر من الإسلام الصحيح، أو الترغيب المذلل لكل قاعدة تشريعية و عقدية ، أيا كان اللونين السائدين من الخطاب الديني فهما يشيان بضعف الخطاب الديني.

فالشخصية الدينية المتسمة بطابع الترهيب المفرط تفقد من مهمة الداعية أكثر مما تكسبه ؛ لأن هذه الوسيلة تدفع المتلقي عن درس الداعية بخاصة و التعاليم الإسلامية بعامة ، و قد حذر الرسول – ص- من التعصب و الغلو في الدين، فعن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( هلك المتنطعون . هلك المتنطعون . هلك المتنطعون).

الهلاك : ضد البقاء ، يعني أنهم تلفوا وخسروا ،والمتنطعون : هم المتشددون في أمورهم الدينية والدنيوية ، و لم يكن الدين الإسلامي بحاجة إلى إعادة توجيه من أولئك المتشددين و المبدلين لمراده، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق ولا تبغضوا إلى أنفسكم عبادة الله، فإن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقي).

أراد بذلك أن لا يكلف نفسه في أعماله الدينية ما يخالف العادة، بل يكون بتلطف وتدريج، فلا ينتقل دفعة واحدة إلى الطريق الأقصى في التبدل، فإن الطبع نفور، ولا يمكن نقله عن أخلاقه الرديئة إلا شيئا فشيئا حتى تنفصم الأخلاق المذمومة الراسخة فيه، ومن لم يرع التدريج وتوغل دفعة واحدة، ترقَ إلى حالة تشق عليه فتنعكس أموره فيصير ما كان محبوبا عنده ممقوتا، وما كان مكروها عنده مشربا هنيئا لا ينفر عنه.

والمنبتُّ هو الذي انقطع به السير في السفر وعطلت راحلته ولم يقض وطره، فلا هو قطع الأرض التي أراد، ولا هو أبقى ظهره، أي دابته التي يركبها لينتفع بها فيما بعد.

و أما عن التساهل في أمور العقيدة و الشريعة ؛ فقد وجدنا العديد من الدعاة الذين أخذوا من التعاليم الإسلامية نصوصا ؛ بغية الدعوة إلى التيسير في تطبيق حدود الله – سبحانه و تعالى – فأدى ذلك إلى التفريط في دين الله ، و آل ذلك إلى مجتمع أشبه بالمجتمعات العلمانية فأصابنا أمراض العصر المتفشية كما أصابت مجتمعاتهم الفاسدة المفسدة.

و قد تضافر في هذه الإشكالية الدعوية الانفتاح الإعلامي الذي سمح لكل داع السيطرة على العقول المتلقية لأحاديثهم دون وجود رقيب و مرشد يقدم لنا كوادر دعوية تبين لنا قواعد الإسلام الوسطي الحنيف دون غلو أو تراخٍ في أصوله.

و لهذا يجب علينا التأكيد على أهمية أن يكون هناك قنوات اتصال إعلامية لم يكن المقصد الأول منها المكسب المادي ، بل الهدف المرجو منها أن تكون تنويرية قادرة على مواكبة تقدم الركب الإعلامي، تظللها الهوية العربية الإسلامية لمواجهة هجمات الغرب ، ورد ما يحاك لوطننا و هويتنا من مكايد.

و لعلي باعتباري مصري الجنسية إسلامي الهوية و عربي الانتماء ليحزنني أن ترتبط المظاهر الشائعة في الفترة الراهنة بالسمت الإسلامي المتدين الممثل في اللحية و الجلباب ، و لست أدري أم لست أخال أدري أوهم تملكني أم واقع ؟!

فإذا كان الموسومون برجال الدين هم أصحاب السبق في كل ما نهت عنه الأديان السماوية، فما بالنا بشخوص في أمس الحاجة إلى التوجيه للخروج من الضلال والتيه!
 
فلم أكد أرى عبر وسائل الإعلام المرئية أو المقروءة تهمة في حق الإنسانية إلا و كانت ملازمة للسمت الإسلامي ، منها ما أثير حول بعض التسجيلات الفاضحة لشيخ السلفي، و كذلك ما انتشر من أخبار عن تعذيب أحد شيوخ مساجد لابنته؛ بدعوة الإصلاح و التربية ، فضلا عن الفتاوي الفقهية التي قصد من ورائها السير وراء الشهرة و غيرها كالفتاوي التي زحمت إعلامنا بوسائله المختلفة ؛ بدافع التضليل تارة أو الإنكار و الرفض تارة ، أو الاستشهاد بها كدرب من دروب السخرية و الإثارة الإعلامية تارة أخرى.

و إذا كانت الجرائم الإنسانية لم تكن وليدة الشهور الحالية بل ترجع أصولها إلى ما وقع بين الأخوين قابيل و هابيل ، فإن ما أثار انتباهي و حافظتي هو ارتباط الجرائم بلفظة (الشيخ) ، و لسنا بصدد تصديق أو تكذيب هذه الأنباء التي تصل إلينا عبر وسائل الإعلام ، و لكن شعورنا بأن هناك مشكلة حقيقية تشوه صورة الإسلام هو ما دفعني إلى محاولة الكشف عن الأسباب التي أدت بالشخصية الدينية إلى ما هو عليه الآن ، و محاولة إيجاد حلول لهذه الأزمة التي نحن بصددها ، فلم يك كل من سمت نفسه بالسمت الإسلامي من علمائه الذين خلقوا في الأرض لهداية البشرية جمعاء لأنهم ورثة الأنبياء.

لابد أن هناك مشكلة حقيقية يجب علينا إعادة النظر إليها للحفاظ على هويتنا الإسلامية و العربية 0
و الحقيقة أني أرى أن هذه المشكلة تضافرت فيها العديد من الأسباب التي أفرزت لنا هذه العناصر غير القادرة على تحمل لواء الدعوة ، نحن أمام أزمة حقيقية ممثلة في ندرة العناصر الدعوية و بخاصة العقول المستنيرة التي اعتدناها في حقبنا السالفة من أمثال الإمام محمد عبده ، الإمام عبد الحليم محمود نهاية بالشيخ محمد متولي الشعراوي الذين اعتمدوا المنهج الإسلامي لإصلاح المجتمع من خلال النص القرآني المبارك ذاته بالحجة و البرهان.

نحن أمام مشكلة حقيقية يجب ألا نغض الطرف عنها ،نحن الآن نعيش في عقم فكري ديني عاجز عن مواكبة العصر، نحن في حاجة حقيقية إلى عقول مستنيرة قادرة على هداية العقلية الإسلامية و العربية مما يحاك لها من العدو الغربي.
 
نحن في هذه الآناء في أشد الحاجة إلى فكر ديني قادر على دفع الأفكار الغربية المعادية؛ و في ظني لا يتسنى لنا ذلك إلا بنشر تعاليم الدين الإسلامي الوسطي على يد دعاة أكثر احتكاكا بالمجتمع ، ولا نكتفي في وقت الأزمات الرجوع بالزمان إلى الوراء لاستدعاء خواطر الشيخ الشعراوي لإصلاح ما أفسدة الفكر الديني الآني فقط ؛فكل ما أحاول التطلع إليه في هذا المقال إعادة الشخصية الدعوية إلى سالف عهدها حتى يتسنى لنا مجتمعا إسلاميا تسوده مظاهره الوسطية الحنيفة.
 
فالمسألة في غاية الأهمية ؛لأن الشخصية العربية الإسلامية تنقب عن رجل الدين الذي يحمل لواء الإصلاح و التجديد،و هذا ثابت عبر الأجيال الفائتة، بما جاء من الأحداث عبر تاريخنا يؤكد على أن الشخصية الدعوية هي اللبنة الحقيقية لصرح أمجاد العرب و المسلمين.
 
وكل ما آماله توحيد الجهد من قِبل أصحاب الرأي الثاقب لعدم ترك الشخصية العربية الإسلامية التخبط في بحثهم عن رجل الدين الذي يأخذ بأيدهم إلى بر النجاة دون توجيه و إرشاد ؛ حتى يمكننا رأب الصدع الذي أصاب الكيان العربي الإسلامي.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط

-