الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

عندما يُفقد الشغف


جلست وحدي في أحد الكافيهات التي اعتدت على زيارتها، أنتظر فكرة تخطفهـا كلماتي لأنهي مقالتي الأسبوعية، لأجد نفسي أصبت بتلك المرحلة التي يطلق عليها الكتاب مرحلة الصمت الذهني، لا أجد ماأ فكر فيه بشغف لأكتب عنه، ولكني أصريت لمعرفة السبب وراء سكون أفكاري، وجدت نفسي عندما أصبحت الكتابة واجبا أسبوعيا، فقدت الشغف بالكتابة لأنه أصبح مقيدا بميعاد تسليم ويوم محدد لإرسال مقالتي الأسبوعية، وجدت نفسي أكتب لأنه مفروض، ليس لأن عندي ما أود حقا الكتابة عنه.

وما جعلني أتسلل لتلك الفكرة، كيف يسرق الروتين الشغف؟ ويعني إيه شغف؟

الشغف لغةً هو أقصى درجات الحب وأقواها، الشغف هو الجنون بالشيء وحبه، الشغف يحيطنا بالدهشة وحب المغامرة ويدفعنا للحماس، يلهمنا جنون الفكرة ويمنحنا بهجة الحياة، ففى الشغف حياة.

باولو كويلو اختصر الشغف في مقولة:
"الشغف هو الإثارة التى يحدثها ما هو غير متوقع، هو الرغبة فى التصرف بورع، واليقين أننا سننجح فى تحقيق الحلم الذى طالما راودنا، يرسل الشغف إلينا إشارات لنهتدى بها فى حياتنا، ويجب أن نعرف كيف نفك رموز هذه الإشارات".

نمط الحياة الآن والطريقة التي نعيش بها، ومتطلبات الحياة والمجتمع وكل هذه القيود، تفقدها الشغف شيئًا فشيئًا، إلى أن نتحول إلى مجرد آلات تعمل بلا توقف، لا تشعر بالحياة، فاقدة للحماس والحيوية، فهل من مخرج وطريقة لنستعيد بها شغفنا مجددًا؟

الإجابة: حتما نعم، فلا يمكن أن نحيا بدون الشغف، وإلا أصبحنا أداة بلا روح.

الشغف مقترن دوما بوجود أهداف الشغف، يعني أن نقدم على أفعال وتصرفات تجعلنا أكثر سعادة ونكون على استعداد دائم لأن نبذل كل الجهد في سبيل ذلك الشعور القوي الذي يخلفه لدينا، ولكن من الضروري أن تكون تلك الأفعال جزء من خطة أهدافنا، لا يمكن أن تلمس الشغف في حياتك بدون هدف، بغض النظر عن إمكانية تحقيقه، والصعوبات اللي بيواجهه هدفك.

الشغف هو الرغبة الداخلية في إحداث فارق بمعنى أن تكون لديك القوة والشجاعة على تجاوز خوفك وخوض حياة مختلفة تكون مستعدا خلالها على بذل كل ما بوسعك من جهد لتحقيقها، وفي المقابل تكون على استعداد لتقبل جميع العواقب والنتائج الغير متوقعة مع وجود يقين مترسخ بداخلك بأنك ستنجح في النهاية مهما طال الوقت.

انظر حولك ستجد أن معظم المحبطين ومصابي الاكتئاب، فقدان الهدف سبب أساسي فيما وصلوا إليه، لذلك أنقذ نفسك وشغفك وضع هدفًا وصب عليه كل تركيزك، حتى لو كان هدفا بسيطا للغاية لا يهم، المهم هنا وجود الهدف فبه نحن نعيش، لأننا نشعر بشكل ما أن هناك شيء يجب أن نعيش من أجله، ولو اعترضتك الظروف في تحقيقه، اجعل هذه الصعوبات تزيد من حماسك وإصرارك، لا تسمح لها بأن تضرب شغفك في مقتل، الاخفاقات ما هى إلا محطات تزيدنا حماسًا واصرارًا للوصول إلى النهاية.

الكومفرت زون أو منطقة الراحة هى سجنك من صنيع يداك، كم من أحلام تُقتل وأعمار تضيع هباءً في منطقة؟ وماذا لو قررت الاستسلام والبقاء في منطقة الراحة؟
- ستعيش نفس الحياة ونفس التجارب ونفس الصراعات ونفس المواقف، محلك سر.

حاول بكل ما فيك الخروج من هذه الحالة، لا تقبل بأي شيء، تحدي نفسك قبل الآخرين، كن صارمًا معها ولا تسمح لها بالبقاء في منطقة الراحة، المخيف في منطقة الراحة هذه إنها كالثقوب السوداء تمامًا، لو اقتربت منها ابتلعتك بغير رجعة، صدقني كل يوم تقضيه فيها سيزيدك بعدًا عن الحياة، ويثقل من قيودك أكثر وأكثر، حتى تجد حصادك في نهاية العمر صفر، لأنك ببساطة لم تزرع شيئًا، أفنيت عمرك وحياتك في منطقة الراحة اللعينة مقيدا بنفس الأحداث.

لاأ دعي سهولة الأمر، أعلم جيدا كم هو مريح الاعتياد على الشيء نفسه ومعرفة نتيجته مسبقا.

بعيدا عن الأمثال البعيدة والأهداف الصعبة، اقرأ المثال التالي و فكر بدون قيود الأعتياد وتحدي نفسك لتتجاوز منطقة الراحة.
 
ملحوظة: المثال غير عميق بالمرة ولكنه حقيقي وعمقه في المعني اللي ورا الحدث التافه ده.

كل يوم بصحى الصبح باخد نفس الطريق اللي بيوديني الشغل، مختصر وعرفاه، دخلت غصب عنى دخلة غلط، لقيت نفسي في شارع مدخلتوش قبل كده، كملت فيه، وأنا في الطريق لقيت واحد بيعمل سندويتشات ريحتها من حلاوتها قالبة الشارع، نزلت جبت أحلى سندوتش فول وطعمية واكتشفت طريق مختصر أكتر من اللي اعرفه ده طبعا بعد ما سألت أنا فين وفي الآخر وصلت الشغل وعرفت طريق جديد مختصر أكتر ومكان بيعمل فطار حلو.

أنا مكانش اختياري اطلع بره منطقة الراحة، هي في الحقيقة اتفرضت عليا بعد ما تهت، بس هي دي الحياة بتجرب حاجة جديدة بتعرفك على حاجة جديدة حلوة وممكن تكون أحلى من اللي اتعودت عليها، بس الخوف من التجربة واللي نعرفه أحسن من اللي منعرفوش هي إحدى حيل منطقة الراحة اللي تداولتها الأجيال وإحنا ببساطة وقعنا في فخها.

الروح ملولة، تبحث دوما عن كل جديد ولكن يلجمهاأ فكارنا بتوقع أسوأ النتائج، فيصبح اختيارنا داخل دائرة الراحة مريحا.

التغيير وتجربة أشياء جديدة هي نعمة من الله في الحياة، عندما نجرب شيئًا جديدًا نشعر بأنا خُلقنا من جديد، نكتشف في أنفسنا جانبا جديدا لم نعرفه من قبل، لا تقيّد نفسك بالمفروض وبالروتين وبهذه القوانين العقيمة، حرر نفسك من كل هذا وجرب كل شيء، طالما أنه غير مضر لك أو للآخرين أو مخالف للأخلاقيات والدين، طالما أنه في إطار المسموح، استمتع بكل شيء جديد تتعلمه أو حتى تجربه فقط، وساعد نفسك على إعادة الشغف لروحك وللحياة من جديد.

وأقصد هنا بالتجربة هي تجربة الأشياء، ليس الأشخاص، فالأشخاص لا تستبدل، وحتى لا تخلط الأشياء ببعضها وتسيء فهمي، زوجك – زوجتك - حبيبك – حبيبتك - أصحابك – أهلك ليس حقلا للتجارب وحتى إذا تسلل الملل علاقاتك استبدل ما اعتدت قوله وفعله بشيء جديد وإن لم تكن سعيد ولا ترى أملا "فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ".

الخيانة لا تخلق الشغف، ربما تشعل بداخلك رغبة من نوع آخر ولكنها لدقائق محدودة وسرعان ما تنتهي وينتهي معها سنين من الشغف في سبيل ساعة في البحث عنها.

استعين بشريكك ليشعل الشغف فيك من جديد ويجعل شغفك أكثر إثارة، ابحث عن شيء جديد واترك للتجربة أثرها، الشغف بسيط وغير معقد،
جرب خروجة في مكان جديد، مطعم جديد، أكلة مكلتهاش قبل كده، كتاب مختلف عن أي كتاب قريته قبل كده، اسمع مزيكا مختلفة، شوف ناس مشفتهاش من كتير أو ناس جديدة، جرب حاجة جديدة مهما كانت بسيطة.

الحاجات اللي أنت شايفها من بعيد صغيرة اوي ممكن تبقى سبب خفي لاسترجاع الشغف المفقود، الثقة في النفس هي اللي هترجع الشغف جواك، الثقة في الكلام اللي انت حتى بتقوله لنفسك قبل الآخرين.

فكر فيها! لو خذلت نفسك بكلامك عن نفسك، فكيف تحكم على الآخرين بأنهم يخذلونك؟ الآخرين هم فقط انعكاس لقناعتك بنفسك، الناس هتشوف اللي أنت شايفه في نفسك، لو شايف نفسك ممل، فأكيد هيشوفوك ممل والعكس الصحيح، لو شايف نفسك لذيذ اللي حواليك هيشوفوك كده.

لما تقرر تكون شجاع وتجرب وتشوف ناس جديدة وتجرب حاجات وأماكن جديدة فإنت بتخلق لنفسك مساحة تحس بالشغف من تاني، أنا في أول المقالة دي وأنا بكتبها مكنش عندي شغف أكتب ولما لقيت فقداني للشغف، أشعل رغبتي لإشعال الشغف جوايا تاني، تخليت عن فكرة روتيني الأسبوعي للكتابة، كتبت عنه حتى أصبح لكلماتي معنى وبشغف بحثت عن أسباب فقداني الشغف بعد ما تسلل لروحي الروتين الأسبوعي، عادي!

فيه جملة قالها العبقري أحمد زكي في فيلم "النمر الأسود"، كان بيقولها لأحمد مظهر: "الحاجات بتيجى أول ما نبطل ندور عليها أو نستناها المشكلة بقى هل لما هتيجى هتكون لسة جوانا بنفس الشغف؟".

الشغف مش مضمون، الانتظار بيقتل الشغف أحيانا وكذلك الروتين ودايرة التعود، اللي فيإ يدك تقوله – تعمله - تغيره، اعمله قبل ما الشغف يروح الشغف مبيستناش!

لسه فيه أماكن مزرتهاش.
لسه فيه صور متصورتهاش.
لسه فيه كلام مقلتهوش.
لسه فيه كلام مسمعتهوش.
لسه فيه فستان ملبستيش زيه.
لسه فيه بدلة مجربتش موديلها.
لسه فيه فيلم متفرجتش عليه.
لسه فيه ضحكة مضحكتهاش.
لسه فيه لمسة محستهاش.

لسه فيه حاجات كتير لسه معشتهاش، ومنها هتلاقي شغفك جواها، منها هتلاقي إنك قدامك كتير معرفتهوش وعندك كل يوم فرصة تجربة وتعيشه، الشغف مبينتهيش، الشغف حياة.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط