الرئيس السيسي وإصلاح المحليات

قضية المحليات والجهاز الإدارى للدولة هى أهم وأكبر قضية أمام الرئيس السيسي، فهى جوهر الأزمة المصرية، فقطاع المحليات هو عصب الدولة وهو الوسيط بين النظام والشعب، وفى الواقع هو المعيار الحقيقى لأى دولة تقدما أو تأخرا، لذا لابد من الاهتمام بقضية المحليات لأن فسادها هو فساد للدولة والارتقاء بها نهضة وتقدما وازدهار يضع الدولة في مكانة متميزة بين الأمم، ومن هنا يجب علينا البحث في هذا الملف الإستراتيجي الهام الذي يتعلق بمستقبل الدولة المصرية، ولذلك سأحاول طرح العديد من الأفكار والرؤى حول أزمة المحليات في مصر في محاولة لإصلاح الجهاز الإداري للدولة.
قضية إصلاح المحليات بداية الطريق الحقيقي للتنمية فهى المسئولة عن كل الخدمات المقدمة للمواطن المصري، وهى البوابة لكل المطالب الشعبية فمحاولات الإصلاح ستنعكس بشكل سريع على الشارع المصري، مما سيساهم في إزالة الاحتقان المجتمعى ونمو حالة من الرضا الشعبى تجاه سياسات الحكومة في معالجة قضايا المواطنين، فالمحليات هى المسئولة عن كل الخدمات التي تقدم كالتعليم والصحة والتموين والنظافة والبيئة وغيرها وكذلك كل برامج التنمية الاجتماعية من استهداف الفقراء وقضايا العشوائيات وغيرها لذلك تعد المحليات هى المدير التنفيذى لكل الخدمات التي تقدم في الحياة اليومية للمواطن المصري، لذلك فمنظومة المحليات هى عصب الدولة ومعيار تقدمها، لذلك إصلاح منظومة المحليات في مصر هو المستقبل الحقيقي للدولة المصرية.
إن محاولات إصلاح منظومة المحليات لم يتم تطويرها في إطار إستراتيجية شاملة تنطلق من أهداف محددة، ولكن ما يحدث عبارة عن سياسة عشوائية يغلب عليها الطابع الترقيعى، مما أدى إلى تراكم كم هائل من القوانين واللوائح المعوقة لكل عمليات الإصلاح والتنمية، وكذلك عدم وجود رؤية واضحة لإعادة هيكلة وحدات قطاع المحليات فما يحدث من دمج أو إلغاء لإدارات أو هيئات هو طابع عشوائى دون دراسة للآثار المترتبة على ذلك، وكذلك المحاولات الإصلاحية لم تسير في اتجاه استمرارى، فكل قيادة جديدة تغيير ما سبق فعله، مما يعزز لسياسات عدم الاستقرار فأصبح قطاع المحليات نتيجة للأخطاء السابقة لجهاز يعيق خطط وبرامج التنمية في الدولة، لذلك قضية إصلاحه وتطويره قضية أمن قومى وعلى الجميع المساهمة في ذلك، وسنطرح في المقالات القادمة نماذج لبعض المشكلات وطرق حلها، فمصر الوطن العظيم يستحق منا كل الكفاح والنضال من أجل تقدمه وتنميته.
يعتبر العنصر البشرى هو العنوان الرئيسى لتقدم أو فشل أى مؤسسة فى العالم وبالنسبة لقطاع المحليات فى مصر ساهمت سياسات التوظيف فى العقود الماضية فى نشر إستراتيجية الابداع فى الفشل عن طريق اعتبار المحليات بوابة لمن لا وظيفة له، فتجد تخصصات لا علاقة لها بالمحليات بين جدرانه تعمل فى وظائف بعيدة عن تخصصها، فلا توجد معايير واضحة لاختيار الأفراد لنوعية الوظائف، فالدولة كانت تحاول امتصاص الغضب الشعبى بتعيين المصريين فى قطاع المحليات مما نتج عنه تكدس الموظفين فى الإدارات والقطاعات المختلفة، مما أدى عبر السنين لتفاقم المشكلة وتحولت العمالة لبطالة مقنعة بلا عمل وإنتاج حقيقي، لذلك يجب البدء فى إعادة هيكلة حقيقية لإدارات وقطاعات المحليات من خلال إعادة صياغة الهيكل الوظيفى بناء على دراسة الاحتياجات الحقيقية من العاملين وإعادة النظر فى طرق اختيار وتعيين وتوزيع العاملين بالجهاز الإداري وفقا للأسس والمبادئ العلمية، وفي مقدمتها مبدأ الكفاءة هو الضمانة الأولى لبناء جهاز إداري فاعل متميز في هذا الاتجاه يجب الاهتمام بإعداد نظام متكامل لإدارة الموارد البشرية وضرورة إعادة النظر فى طرق الترقيات للوظائف القيادية، فيجب علينا تشجيع أصحاب الرؤى والأفكار غير التقليدية، وذلك من خلال بناء قاعدة بيانات للقيادات الإدارية العاملة وتطوير نظم تقييم الأداء من خلال إعادة النظر فى النظم التقليدية بما يسمح بتقييم أداء العامل استنادا إلى معدلات أداء محددة أخذا في الاعتبار ضرورة رفع كفاءة الموظف بشكل يسمح بتقييم أدائه استنادا إلى تلك المعايير فى محاولة لتطبيق معايير الجودة العالمية فى تقييم الاداء لموظفى المحليات فهم عصب التنمية.
قطاع التدريب فى المحليات يسير بخطى بطيئة تقليدية عبر جهة وحيدة مستقرة فى العاصمة تابعة لوزارة التنمية المحلية وهى تعمل ولكن ببطء شديد ولا تحاول تطوير برامجها لتواكب التغييرات الداخلية ولتستفيد من البرامج العالمية فى تطوير أداء وسياسات المحليات، والأهم كما ذكرت هو أنها جهة واحدة مستقرة فى العاصمة، والسؤال لماذا لا يتم فتح عدة فروع منها فى المحافظات على الأقل تقسيم الجمهورية لأربع مناطق رئيسية تنتشر بها هذه المراكز وبالتنسيق بينها وبين الجامعات والهيئات البحثية تقدم فكرا جديدا متطورا للنهوض بمستوى الأفراد والهيئات ويجب وجود معاهد متخصصة لإعداد القيادات فى المحليات تعمل بمعيار اكتشاف القيادات الشابة ذات الرؤيا والفكر المتطور عبر برامج حقيقية واختبارات تفرز قيادات شابة قوية تعمل لمواكبة تطلعات وأحلام المصريين، فلن توجد تنمية بدون بشر قادر على العمل والإنتاج والإبداع.
برامج وسياسات الإصلاح التشريعى، فمصر بها ترسانة كبرى من القوانين واللوائح الكفيلة بتدمير كل سياسات الإصلاح والتنمية وكل قانون عليه مئات التعديلات والقرارات مما يساهم فى تباطؤ معدلات التنمية مما ينعكس بالسلب على الشارع المصرى، لذلك يجب إعادة صياغة القوانين المنظمة لعمل الجهاز الإداري بحيث تكون في الأساس أداة معاونة على رفع كفاءة الأداء وتمكين القيادات الإدارية من تحمل مسئولياتها واستخدام صلاحياتها بحرية مسئولة، لا أن تكون وسيلة للتقييد والتعويق بما يؤدي إلى تراجع القيادات الإدارية عن ممارسة دورها الطبيعى مما ينعكس بشكل واضح على برامج الإصلاح، فترسانة القوانين الحالية تكبل القيادات وتجعل كل شيء يسير عكس أمنيات وأحلام المصريين.
الإصلاح الحقيقي لقطاع المحليات فى مصر يبدأ من خلال علاج منظومة الخلل الواضح فى الأجور بين قطاع المحليات والقطاعات الأخرى، فكل موظفى الدولة لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات، وبالتالى التمييز فى الرواتب بين القطاعات المختلفة يشعر موظفى المحليات بالغضب والإحباط الذى ينعكس على إنتاجيتهم وعملهم، فرواتبهم الأدنى فى مصر.
كذلك هناك نقطة مهمة فى قضية الأجور هى تضارب طرق توزيع الأجور المتغيرة المسماة الإضافيات، فلا توجد معايير واضحة ثابتة لتوزيعها، فما يحدث خلل حقيقي وكارثة تنشر سياسات الاحتقان والفشل بين أبناء القطاع الواحد والتى تنعكس بالسلب على العمل والإنتاج، وبالتالى نسير كالعادة فى الاتجاه المعاكس لبرامج وسياسات التنمية والإصلاح.
أؤكد، المحليات فى مصر هى البوابة الحقيقية للتنمية والنهضة المنشودة والقادرة على تحقيق آمال وتطلعات المصريين وتحقيق أهداف الثورات المصرية وبها الكثير من الخبرات والكفاءات القادرة على تطويرها، ولكن كل ذلك يحتاج لإرادة سياسية ورغبة فى الإصلاح الحقيقي وإرساء قواعد واضحة محددة يشارك فيها الجميع.