قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

الكذب التآمري


تحويل أي شخص، الكذبة ضد الوطن إلى يقين لدي الناس، هو عمل تآمري، حدث عبر التاريخ كثيراً، وليس الأمر بجديد. إلا أن حدوث هذا، يستلزم في العصر الحديث، جيشاً من المدنيين لينشروه، وبالتالي إلى أجهزة إعلام متواطئة والكثير من الأموال أو الوعود بالسلطة أو الشهرة للمتعاونين، مقابل تلك الأكاذيب، التي يجب وأن تثبت في وجدان الناس على أنها واقع، يسخر الناس من مُنكريها ولو كانت لديهم أدلة قاطعة. ومع الزمن، ولأن الكذبة تصبح يقيناً، تُصبح مُحملة في أذهان من صدقها، ويقوم هو بترويجها دون أن يُبذل المروج الأساسي، أي جهد أو مال في ترويجها!!
فمن يكذب، لا ينتظر مقابل عمله، قيمة معنوية ولكن قيمة مادية. فعمله أساساً لا فضيلة فيه. فهو يخدع ويزور ذاكرة الأمة، من أجل غاية مُضادة للمصلحة الوطنية. هكذا هو التآمر بصفة عامة. وعليه يجب أن تتوفر المُكافأة السخية، لكل من يتآمر تحت سيطرة من يُدير، حتى ينجح في "بيع الكذبة" للناس، ويرددونها، وتسري الكذبة كالنار في الهشيم، على أنها الحق، ويعتبرون كل من يقول بعكسها مأجور أو صاحب مصلحة مُضادة لهم، بل وللدولة، فيصبحوا جيشا من الملقنين، باعوا أذهانهم، دون أي فكر أو وقفة مُراجعة، إلى أن تأتي المصيبة، فيستيقظون، وفي بعض الأحيان يكون الوقت متأخرا، ولكن الحمد لله، لم يكن كذلك في مصر!!
ومتى انتشرت الكذبة في الإعلام، صدق الناس. فالجرائد الإلكترونية غير الوطنية الغاية وأكثر منها التليفزيون وقنواته الخاصة، لهما وقع السحر على المُشاهد. فمثلما يقول المثل المصري "الزن على الودان، أمر من السحر"!! وها نحن نحيا في دولة يقود فيها الإعلام أغلب الناس، عبر برامج من المفترض أنها تنقل لهم الحق، فإذا الكثير منها يُثبت لديهم الزيف!!
ومن أهم أركان نشر وترويج الكذبة، أن يتمتع من يروجها "بمصداقية سابقة". أي يجب وأن يكون لديه "تاريخ مع الناس يثبتون فيه صدقه ومصداقيته الإعلامية العلنية" (ولا يعرف الناس تاريخه الكامل قبل ظهوره على الشاشة). ولكنه، في الحقيقة، يعمل "كخلية نائمة"، حيث يقدم الصادق والحقيقي للناس طيلة الوقت، حتى تحين الساعة، ويُستدعى للعمل من قبل من "جنده" في البدء. ولحظتها، حينما يُقدم "بضاعة كاذبة" للناس، سيتلقفونها منه بالتصديق، لأنه في "أذهانهم" يُمثل صدق الحديث.
وهنا، يُمكن أن يتم كشف هذا "المُخادع" ممن يقرأ ويعي أنه مُضلل وأنه يعتدي على الحق. إلا أن من يكتشفه، يظل ضعيفاً أمام "آلة الإعلام"، التي تدعم ما يُقال فيها بالصورة والفيلم الوثائقي، وإن كان كلاهما مزورا. وقد رأينا الكثير من صور الفوتوشوب والفيديوهات المُفبركة والتقارير الصحفية المُجتزأة والمُنتقاة والتي يُدس فيها الكثير من السم في العسل، بحيث تمتلئ بالأكاذيب، وسط بعض الحقائق، فتتوه الحقيقة "الكاملة" في المنتصف، ويُبنى هيكلاً جديداً من الأحداث، بحيث تحل الكذبة، محل الحقيقة، صانعة صورة جديدة، تترسخ في ذهن المُتلقي وتثبت فيها!!
والمُلاحظ في مصر، أن برامج التوك شو الكثيرة المنتشرة اليوم في البلاد، حديثة نسبياً. فأغلب الإعلاميين الظاهرين لدينا على الشاشة اليوم، ظهروا في الحقيقة في أعقاب العام 2005، حينما قام الرئيس محمد حسني مبارك، بإيجاد انفتاحة ديمقراطية كبيرة في البلاد، بعد مبادرة 27 فبراير بمدينة شبين الكوم، لتغيير المادتين 76 و77 من دستور عام 1971. ولقد ظهر الكثير من الإعلاميين "الجُدد" وقتها، ونالوا مُتابعة واسعة وبالتالي شُهرة. ولم يسأل الناس، من أين أتى هؤلاء ولا ما هو تاريخهم المهني أو سيرتهم الذاتية. لقد أُعجب الناس بأشخاص لا يعرفون حقيقتهم بالفعل وحكموا عليهم مما يُشاهدونه منهم على الشاشة وفقط. أي أن الحُكم كان منقوصاً من البداية!!
وأصبح الاستشهاد بهم، فيما يقولونه، لأنهم يظهرون على "الشاشة" التي تملك القوة السحرية وتمنح "سُلطة الكلمة ومصداقيتها". وأصبح الناس يقولون على سبيل تأكيد حججهم: "الشيخ الفلاني قال" – المذيعة الفلانية قالت" – "الإعلامي المُعين أكد" – "الناشط المعروف عمل" – "السياسي الرائع اتكلم" – "المُفكر الفظيع أشار"!!
وما لم يعرفه الناس، كان أن "أغلب" هؤلاء، لم يكونوا إلا "خلايا نائمة تعمل معاً في شبكة متناغمة"، تُحضر لمهام أُخرى، ضد البلاد. كانوا ينتظرون إنطلاق 25 يناير، كي ينطلقوا دعماً لها، بل قامت قنوات بأكملها قبل 25 يناير، من أجل هذه المهمة، خصيصاً، وبالطبع يعلم الناس أكثر مني عن تلك القنوات!!
و"حديث المشاعر" أيضاً شديد الإقناع ويبيع الكذبة بشكل رائع. فمتى أمسكت بالميكروفون، وقلت ما تريده و"أقسمت بالله" وذرفت بعض الدموع، نلت المصداقية. ويصُعب أن يُراجعك أحد بعد أن يتأثر بكلماتك. والبشر (وليس فقط المصريون)، بطبيعتهم يصدقون من يتكلم بحديث المشاعر. وقد لجأ الضعيف في خداع القوي، في كل العصور إلى "استراتيجية المشاعر"، حتى أنك ترى المتسولين، يستعطفونك في الشارع ويحكون لك حكايات، تدربوا على روايتها بسرعة، عن كون والدتهم مريضة ووالدهم توفاه الله، ولهم إخوة يجب وأن يصرفوا عليهم، حتى ترق مشاعرك لهم.
وخاطفو الأوطان وسارقوها، يقومون بنفس اللعبة أيضاً، كما المتسولين المُخادعين!!
فبعد أن يروجوا للكذبة، التي تتغلغل ذهنك بثبات، يستدرون عواطفك، كي تخُر ساجداً لكل الأكاذيب التالية. وكان المشهد التمثيلي الكبير للممثل غير المبدع "وائل غُنيم"، مع السيدة مُنى الشاذلي، مشهداً رائعاً، حينما بكى وائل (دون دموع) على الغلابة والقتلى، بينما مُرتبه 90000 دولار من جوجل!!
كان بداية المشهد لمن لا يتذكر، حينما عرضت منى الشاذلي صور "قتلى مظاهرات 25 يناير" في برنامجها ولم يكن الأستوديو ظاهرا للمُشاهد، فإذا بنا نسمع صوت منى الشاذلي وهي تخاطب وائل غُنيم: "ما تعيطش يا وائل .. وائل ما تعيطش" (وبالطبع كانت تريد منى أن تلفت نظر المشاهدين أنه يبكي، لأنهم لا يرونه وقتها مع عرض صور القتلى، .. وكان الدور يستلزم أن تلعب هي على عواطف المُشاهدين). وإذا بالكاميرا تُركز على وائل بعض الوقت، مع لحظات صمت و"موسيقى تصويرية حزينة" .. وبعد قليل يتكلم وائل ثم يبكي "بدموع التماسيح" التي لم تظهر من الأصل، وكأنه تأثر بالقتلى، .. ثم يجري خارجاً من الاستوديو .. ومنى وراءه، .. ويرتفع صوت الموسيقى الحزينة من الاستوديو، وتعرض صور قتلى 25 يناير في معية الموسيقى فقط.
إن هذا المشهد يجب أن يستوقف المصريين اليوم، ويُظهر لهم كيف أنهم عاشوا فيلم "مقاولات وخيال علمي قذر" لعب على أوتار أحاسيسهم، لأن "إخراجه" يدل على "ذكاء" شديد، تلاعب بعواطف المشاهدين، لنيل تأييد ودعم، "للزائف" ضد الوطن!!
وفي الإعلام (أهم آلة للترويج للكذبة التآمرية)، يعينون بعضهم البعض، بحيث يكونون شبكة فكرية متماسكة (إعلامي يغني وإعلامي آخر يرد عليه، وهكذا. وقد يرفض أحدهم بعض أقاويل غيره من نفس الشبكة، ليكسب الجمهور المُعارض، ثم في لحظة ما، سابقة التحديد والتجهيز، يروج لأمر يقولون به، فيسحب وراءه الكثير ممن كانوا يعارضونهم).
وبالطبع، هناك فترة للبث، تكون فيها المُشاهدة أكبر وهي ما يُسمى "بوقت الذروة". وفي هذا الوقت، يبثون أهم ما لديهم من أكاذيب، مثلما كان لحظة أن ظهر المُتآمر وائل غنيم، "بدموعه الوهمية"، مع "الإعلامية" التي لم تظهر في الإعلام أو يعرفها المصريون، إلا في فترة الإعداد للمؤامرة من 2005 إلى 2011.
ومن أهم أساليب ترويج "الكذبة التآمرية"، أن تسخر من "تهم أو معلومات الآخر". وعلكم تتذكرون "استهزاء" باسم يوسف، من "نظرية المؤامرة"، التي اعترف في النهاية بها، بل تعرض لمحركي أحداث 25 يناير أنفسهم. وكان كل من "يحب الرجل" يصدقه في كل شيء يقوله، دونما أي تفكير، لأنه "دمه خفيف وفوتوجنيك"، وبالطبع، هذا بغض النظر عن كل الوطن، .. إن شاء الله الوطن يولع، بس المهم الناس تضحك!!

هذا مجرد بعض مما يمكن أن يُقال، حول "الكذب التآمري" وكيف تخلق جيشا من العقول، العامل مع العدو، ضد الوطن، دونما دراية منه بذلك. وهناك أكثر بكثير بالطبع، ولكن ليس المجال بكاف لعرض هذا الأمر بشكل مُفصل، لأن هذا "علم" يُدرس في العلوم الاستراتيجية، ولكن يُمكنك القراءة عنه، متى بذلت الجُهد وبحثت.
ونحمد الله، أننا نملك جيشاً لديه دراية بكل هذا وأكثر منه. فقد أنقذ الوطن من كل هؤلاء ولازال ينقذ الوطن مما هو أكثر من هؤلاء. وقد أصبح كل من يتعرض للجيش اليوم أو للوطن، لا شيء إلا ظواهر صوتية وأبواق لا قيمة لها.. ولكن زمن الحساب قادم، لا محالة، ولا يُمكن وقتها لأحدٍ منهم أن يقول أنه لم يكن يعرف!!
وتحيا مصر حُرةً أبية