جودة الرعاية الصحية في مصر ومعضلة الإدارة

من الذي يقيم القطاع الصحي وجودة الخدمات الصحية المقدمة؟
هل هو المريض الذي يتلقي الخدمة الصحية واكثر من تعنيه جودتها؟ ام هو مقدم الخدمة الصحية عن طريق التقييم الذاتي المحايد والموضوعي؟ ام المنظمات الدولية التي تحكم علي الخدمات الصحية من خلال معايير محددة كمنظمة الصحة العالمية (WHO)؟ ام هي مؤسسات الاعتماد الصحية كاللجنة الدولية المشتركة لاعتماد الرعاية الصحية JCI))؟
الحقيقة ان كل هؤلاء وغيرهم لابد ان يصطفوا من اجل تقييم جودة الرعاية الصحية المقدمة من اكثر من منظور حتي يتثني لنا ان نري الصورة الاكمل والاوضح مما يساعد واضعي سياسات القطاع الصحي علي التشخيص السليم ووضع بدائل التطوير وتطبيقها ومتابعة ما تم تطبيقه.
وقبل أن نعرج علي الوضع في مصر لابد لنا من مقدمة نحاول من خلالها ان نتطرق الي بعض المفاهيم الاساسية لما يسمي ادارة الرعاية الصحية وما يسمي جودة الرعاية الصحية وسنحاول بقدر الامكان ان يكون التناول بلغة بسيطة لتحقق المقالات اهدافها وهي تثقيف القارئ العادي وليس المتخصصين فلكل مقام مقال.
لعلكم تتذكرون الاعلان القديم عن منتج معين والذي كان يصف الجودة بشكل فني بسيط كالآتي (كواليتي يافندم كواليتي.. كواليتي دي يعني ميزة).. والحقيقة ان هذا الوصف صحيح الي حد ما؛ لأنه بالاستناد الي معايير معينة لابد من توافر ميزة في الخدمات المقدمة ومنها الخدمة الصحية.
ولعل القارئ الكريم قد قرأ او شاهد كلمة او علامة الايزو علي بعض المنتجات التي يتداولها في الاسواق والايزو (ISO) هي المنظمة الدولية للمعايير، وهي احد المنظمات التي تضع معايير معينة علي المنتجات وعني ان تجد هذا الاسم او العلامة، فهذا يعني بالنسبة لك ان هذا المنتج قد تم تقييمه ووجد انه مطابق للمواصفات التي وضعتها هذه المنظمة مسبقا.
وهناك اكثر من تعريف لجودة الرعاية الصحية لا يتسع المجال لسردها، ومنها التعريف الاكثر عملية، وهو تعريف منظمة الصحة العالمية (ان تكون الخدمة الصحية متاحة دائما، آمنة، عادلة، مرتكزة علي المريض، مرتكزة علي دليل او اساس علمي وتقدم باقل تكاليف ممكنة).
ولكن ما الاسباب الجوهرية وراء هذه الضجة المثارة حول جودة الرعاية الصحية ,سلامة المريض ,حقوق المرضي وغيرها من قضايا الرعاية الصحية؟
والحق اقول إن هذه الضجة منشأها غربي بامتياز، ولقد اسهم التطور الكبير في العلوم الطبية وتكنولوجيا الاتصال وتقنيات المعلومات بالاضافة الي وعي المرضي بحقوقهم وما يجب ان يقدم اليهم وما لا يجب.
ناهيك عن التقييم الذي تخضع له الانظمة الصحية من قبل منظمات الصحة العالمية وهيئات الاعتماد الدولية واخيرا وليس اخرا قناعة المستثمرين في القطاع الصحي في ظل المنافسة الشديدة ان الضمانة الكبري للبقاء في اسواق الاعمال والاستمرار في المنافسة وتحقيق العوائد يرتبط ارتباطا وثيقا بتقديم خدمة صحية ذات جودة.
وتعتمد جودة الرعاية الصحية كما غيرها من القطاعات كالصناعة علي منهجية الاسلوب العلمي في التفكير وفي حل المشكلات وللتبسيط هي ذات المنهجية التي يلتزم بها الطبيب في التعامل مع مرضاه فهو يشخص المرض عن طريق الفحص ويجمع ما يفيده من معلومات ثم يقوم بوضع تصور للاسباب الجذرية وبعدها يصف الدواء ثم يتابع المريض حتي يتثني له معرفة الي اي مدي كانت الدواء فعالا وهكذا.
غير ان خدمات الرعاية الصحية ليست كمنتجات الصناعة فهي تقدم لمريض ذي حاجة ماسة، كما ان الخدمات الصحية غير الجيدة لا يمكن اعادتها الي خط الانتاج مرة اخري حتي يتم تحسينها وبالتالي فان عيوب الخدمة الصحية قد تؤدي الي كوارث.
ولهذه الفروق وغيرها التي تلقي بعبء اضافي علي مقدمي الخدمة الصحية وعلي مقيمي الخدمة علي السواء.