قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

خبراء بعد حذف "التعليم" لسيرة صلاح الدين الأيوبي وعقبة بن نافع من المناهج: "تهريج" وقرار "جاهل"


خبراء:

حذف سيرة عقبة والأيوبي من المناهج الدراسية من المناهج يصب في مصلحة "الإخوان"
إقحام التاريخ بالصراعات السياسية "عار"
استئصال سيرة "عقبة والأيوبي" من التاريخ تحريف لمستقبل الأجيال القادمة
اتخذ وزير التربية والتعليم، محب الرافعي، قرارا مثيرا للجدل منذ أيام على أساسه تم حذف بعض دروس اللغة العربية من الصف الأول الابتدائي حتى الثالث الثانوي، بهدف تنقيح الموضوعات التي يمكن أن تحث على العنف والتطرف، بالإضافة إلى إزالة الحشو والتكرار.
وشملت الأجزاء المحذوفة من المواد الدراسية في الصف الخامس الابتدائي درس "صلاح الدين الأيوبي بالوحدة الأولى" و"الفصلين 11 و12 من قصة عقبة بن نافع"، وهنا يقدم "صدى البلد" السير الذاتية الخاصة بهم.
وحول لجوء وزارة التربية والتعليم إلى هذا الأمر، والسبب وراء ذلك.. وهل حقاً الأيوبي وعقبة سيرتهما الذاتية تدعو للتطرف؟
في هذا الصدد وصف نبيل نعيم، القيادي الجهادي المنشق، قرار حذف وزارة التربية والتعليم لسيرة عقبة بن نافع وصلاح الدين الأيوبي من المناهج الدراسية بالقرار الجاهل.
وتساءل "نعيم" في تصريح لـ"صدى البلد" كيف يستئصل التاريخ سيرة عقبة بن نافع وافتتاحه لإفريقيا، ولمن ستعرف قلعة صلاح الدين الأيوبي بعد حذف ما فعله من أجل تحرير القدس؟
وحول صحة ما إذا كانت سيرتهما محرضة على العنف والإرهاب، قال: عقبة بن نافع وصلاح الدين الأيوبي كانا من المجاهدين لنصرة الإسلام، وإقدام وزارة التربية والتعليم على خطوة حذف سيرتهما من المناهج الدراسية سيستغلها الإخوان للترويج لحجة أن الحكومة تحارب الإسلام.
ومن جانبه أكد الدكتور عادل غنيم، أستاذ التاريخ الإسلامي والمدير العام لقلعة صلاح الدين الأيوبي، أن إقحام التاريخ وشخصياته بالحياة السياسية "عار"، مشيرا إلى أن حذف وزارة التربية والتعليم سيرة عقبة بن نافع وصلاح الدين الأيوبي تصرف غير واعٍ.
وأوضح "غنيم" في تصريح لـ"صدى البلد" أن صلاح الدين الأيوبي وعقبة بن نافع كان ممن حارب من أجل الإسلام، وليس باسمه لأغراض سياسية وشخصية، لافتاً إلى أن التاريخ إذا أقحم بالصراعات السياسية ليس من حق مسئولي وزارة التربية والتعليم، هكذا سيكون أولادنا جاهلون بمن فتح أفريقيا وحرر القدس وصاحب قلعة صلاح الدين.
وفي سياق متصل أكد الدكتور عطية القوصي، أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة القاهرة، أن اعتزام وزارة التربية والتعليم حذف سيرة عقبة بن نافع وصلاح الدين الأيوبي خطأ كبير لما فيه تحريف وتغيير للحقائق التاريخية والعلمية أيضاً، ويعتبر ظلال لمستقبل الأجيال القادمة.
ولفت "القوصي" إلى أن حذف هذه السيرة يعتبر إساءة لشخصيات قادة التاريخ، موضحا أن عقبة بن نافع هو من غزا إفريقيا وفتح المغرب، والأيوبي شهد له اليهود بمواقفه العادلة وسماحته.
وشدد أستاذ التاريخ الإسلامي في تصريح لـ"صدى البلد" أنه على قيادات وزارة التربية والتعليم الرجوع للتاريخ من أجل معرفة شخصيات عقبة والأيوبي بشكل جيد ولا ينساقوا وراء الجدل حولهم من وسائل الإعلام وأساتذة البحوث.
يعد عقبة بن نافع، قائدا من أبرز قادة الفتح الإسلامي الذين فتحوا بلاد المغرب في صدر الإسلام، حيث برز اسمه مبكراً في ساحة أحداث حركة الفتح الإسلامي التي بدأت تتسع بقوة في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، حيث اشترك هو وأبيه نافع في الجيش الذي توجه لفتح مصر بقيادة عمرو بن العاص، والذي توسم فيه خيرا وشأنا في حركة الفتح، فأرسله إلى بلاد النوبة لفتحها، فلاقى هناك مقاومة شرسة من النوبيين.
ومهد السبيل أمام من جاء بعده لفتح البلاد "غير أن بلاد النوبة والسودان عموما لم تفتح حرباً"، فأسند إليه مهمة قيادة دورية استطلاعية لدراسة إمكانية فتح الشمال الإفريقي، وتأمين الحدود الغربية والجنوبية لمصر ضد هجمات الروم وحلفائهم البربر، ثم شارك معه في المعارك التي دارت في أفريقية (تونس الحالية)، فولاه عمرو بن العاص برقة بعد فتحها، وعاد إلى مصر.
تعاقب عدة ولاة على مصر بعد عمرو بن العاص، منهم عبدالله بن أبي السرح ومحمد بن أبي بكر ومعاوية بن حديج وغيرهم، أقر جميعهم عقبة بن نافع في منصبه كقائد لحامية برقة، لكن عمرو بن العاص اختار عقبة في الحروب وقيل بأن ذلك لم يكن لصلة القرابة بينهما بل لأنه يعرف مهارته في المبارزة والقتال.
ظل عقبة في منصبه كقائد للحامية ببرقة خلال عهدي عثمان بن عفان وعلي بن أبى طالب، ونأى عن أحداث الفتنة التي وقعت بين المسلمين، وصب اهتمامه على الجهاد ونشر الإسلام بين قبائل البربر ورد غزوات الروم، فلما استقرت الأمور عام 41 هـ وأصبح معاوية بن أبي سفيان خليفة للمسلمين، أصبح معاوية بن حديج والياً على مصر، أرسل عقبة إلى الشمال الأفريقي في حملة جديدة لمواصلة الفتح الإسلامي الذي توقفت حركته أثناء الفتنة.
كانت هناك عدة بلاد قد خلعت طاعة المسلمين بعد اشتعال الفتنة بين المسلمين، منها ودان وإفريقية وجرمة وقصور خاوار، فحارب عقبة تلك القرى وأعادها بالقوة إلى الدولة الإسلامية. خلف معاوية عقبة أفريقية، وبعث إليه 10 آلاف فارس، فأوغل بهم في بلاد المغرب، حيث تغلغل في الصحراء بقوات قليلة وخفيفة لشن حرب عصابات خاطفة في أرض الصحراء الواسعة ضد القوات الرومية النظامية الكبيرة التي لا تستطيع مجاراة المسلمين في الحرب الصحراوية.
واستطاع عقبة وجنوده أن يقضوا على الحاميات الرومية المختلفة منطقة الشمال الإفريقي، حتى أتى وادياً فأعجب بموقعه، وبنى به مدينته المشهورة وسماها القيروان أي محط الجند، ذلك أنها تعتبر قاعدة الجيش الإسلامي المتقدمة والواغلة في المغرب الكبير، كما بنى بها جامعاً لا يزال حتى الآن يعرف باسم جامع عقبة، وفي سنة 55 هـ عزله معاوية وولى بدلا منه أبو المهاجر دينار أفريقية، فعاد للمشرق.
بعد وفاة معاوية وفي خلافة ابنه يزيد أعاد عقبة مرة ثانية للولاية سنة 62 هـ، فولاه المغرب، فقصد عقبة القيروان، وخرج منها بجيش كثيف وغزا حصوناً ومدناً حتى وصل ساحل المحيط الأطلنطي بالسوس الأقصى، وتمكن من طرد البيزنطيين من مناطق واسعة من ساحل أفريقيا الشمالي.
عقب اغتيال الخليفة عمر بن الخطاب تولى الخلافة عثمان بن عفان وعين عبد الله بن سعد بن أبي السرح علي ولاية مصر بدلا من عمرو بن العاص فأرسل عبدالله بن سعد لـعثمان بن عفان أنه سوف يستكمل الفتوحات الإسلامية فوافق الخليفة.
اجتمع القائدان عبدالله بن سعد وعقبة بن نافع فقال له "عقبة": إن المعركة ستكون مع ملك طاغية يبسط نفوذه من طرابلس إلى طنجة والقبائل تظهر له الولاء والطاعة لأنه خلصهم من الحكم البيزنطي وانفصل عن البلاط البيزنطي واسمه جريجوريوس ونحن لن نقاتل هذه القبائل بل سنذهب إلى مقره الذي يمارس فيه ظلمه وطغيانه والتي يتخذها عاصمة له وهي سبيطلة.
وتم تجهيز الجيش وانطلق الجيش إليى العاصمة وكان قبل هذا أن عثمان أرسل له مددا يتكون من 10 آلاف فارس سمي هذا الجيش الذي أرسله عثمان بجيش العبادلة لكثرة من اسمهم عبد الله في هذا الجيش مثل عبدالله بن عباس وعبد الله بن أبي بكر وعبدالله بن عمرو.
وأمد الخليفة عثمان بن عفان الجيش بألف بعير من عنده لنقل العاجزين. كانت أنباء الجيش وصلت إلى مسامع جريجورس فجمع ضباطه وجنوده وخطب فيهم أن يجعلوا نهاية العرب علي أيديهم في هذه المعركة، وأعلن جريجوريوس مكافأة لمن يقتل عبدالله بن سعد وهي 1000 دينار ويزوجه ابنته سمع عبدالله بن سعد بالمكافأة فضحك ساخراً وأعلن في الجيش الإسلامي أن من يقتل جريجوريويس له ألف دينار ويزوجه ابنة هذا الملك.
دارت اشتباكات بين الفريقين لم تسفر عن نتيجة حاسمة واستبطأ الخليفة عثمان بن عفان النصر فأرسل مددا آخر بقيادة عبدالله بن الزبير لم يلبث أن وصل وانضم إلى الجيش الإسلامي.
عقد عبدالله بن سعد وعبدالله بن الزبير اجتماعاً لوضع خطة الغزو قال عبدالله بن الزبير مادام الفارق بيننا وبينهم كبير في العدد والعتاد فيجب ان ندبر حيلة لقهرهم وخاصة أن مدينة سبيطلة ذات أسوار عالية ولا يمكن اقتحامها بسهولة والحيلة هي ان نجهز مجموعة من الفرسان الخبراء المهارين بعيدا عن الاشتباكات حتي اذا انتهت الاشتباكات عند الظهر واراد الاعداء ان يعودوا الي مواقعهم تنقض عليهم هذه المجموعة فتبيد بعضهم وتأسر البعض الآخر.
وافق بن سعد علي هذه الفكرة وفي اليوم التالي بدأت الاشتباكات وعندما انتهت في وقت الظهر كما جرت العادة في الايام السابقة وعندما تراجع مقاتلو الروم البربر فاجأتهم المجموعة التي تم اختيارهم بعناية من ابطال المسلمين واقتحمت مدينة سبيطلة وقتلت جريجوريوس وأسرت ابنته وانتهت اخطر قوة كانت تناوئ المسلمين في هذه البلاد.
سيرة صلاح الدين الأيوبي
كانت مصر قبل قدوم صلاح الدين مقر الدولة الفاطمية، ولم يكن للخليفة الفاطمي بحلول ذلك الوقت سوى الدعاء على المنابر، وكانت الأمور كلها بيد الوزراء، وكان وزير الدولة هو صاحب الأمر والنهي، لذا أصبح أسد الدين شيركوه هو الرجل الأول في البلاد، ودام على هذا الحال وصلاح الدين يُباشر الأمور مقررًا لها لمكان كفايته ودرايته وحسن رأيه وسياسته طيلة شهرين من الزمن، عندما توفي أسد الدين، أسند الخليفة الفاطمي الوزارة لصلاح الدين.
يذكر المؤرخون، وفي مقدمتهم عماد الدين الأصفهاني، أنه بعد وفاة شيركوه وانقضاء مدة الحداد، طالب الزنكيون، أمراء دمشق، الخليفة الفاطمي بل ضغطوا عليه حتى يجعل صلاح الدين وزيرًا له، وقد قبل الخليفة ذلك على الرغم من المنافسة الحادة التي كانت الدويلات الإسلامية تشهدها في تلك الفترة من الزمن، للسيطرة على الأراضي العربية، لشدة ضعف الدولة الفاطمية وقوّة الزنكيين وشعبيتهم، وشعبية صلاح الدين نفسه بين الناس وأمراء الشام، بعد ما أظهره من حسن القيادة والتدبير في المعارك.
على الرغم من هذا التأييد، لم يمرّ تولّي صلاح الدين وزارة مصر بسلام، فقد تعرّض بعد بضعة أشهر من توليه لمحاولة اغتيال من قبل بعض الجنود والأمراء الفاطميين، وتبيّن أن المحرّض الرئيسي على هذا كان مؤتمن الخليفة الفاطمي وكان خصيًا بقصر العاضد لدين الله، وكان هذا الخصي يتطلع إلى الحكم فيه والتقدم على من يحويه فقُبض عليه وأُعدم، فحاك أرباب المصالح مؤامرة أخرى، حيث ملأوا صدور 50,000 جندي من فوج الزنوج بالحقد والكره، وثاروا حميّةً على الوزير الجديد في القاهرة، لكنه استطاع أن يقمعهم ويكسر شوكتهم، وكانت تلك آخر انتفاضة ضد صلاح الدين تقع في المدينة.
بعد سقوط مصر في أيدي الزنكيين، أرسل الملك عموري رسله لإرسال حملة صليبية جديدة شارحًا خطورة الأمر والتغير في ميزان القوى في المنطقة، فاستجاب البابا إسكندر الثالث وبعث رسائل إلى ملوك أوروبا، لكنها لم تجد أذنًا صاغية.
في حين نجح الرسول المرسل إلى القسطنطينية بسبب إدراك الإمبراطور عمانوئيل كومنينوس اختلال توازن القوى في المنطقة. فعرض تعاون الأسطول الإمبراطوري مع حملة عموري الأول، الذي وجد الفرصة مناسبة بسبب انشغال الملك نور الدين زنكي في مشاكله الداخلية، إضافة إلى وفاة أسد الدين شيركوه وتعيين صلاح الدين خلفًا له والذي كان الملك عموري يراه شخصًا غير محنك.
استعد صلاح الدين بشكل جيد، فقد استطاع التخلص من حرس قصر الخليفة الفاطمي العاضد لدين الله واستبداله بحرس موالين له. وكان ذلك لتأخر الحملة الصليبية ثلاث أشهر منذ انطلاقها في 13 شوال سنة 564 هـ، الموافق فيه 10 يوليو سنة 1169م، بسبب عدم حماسة الأمراء والبارونات الصليبيبن للمعركة بعد المعارك الأخيرة التي هُزموا فيها، استهل الصليبيون حملتهم بحصار مدينة دمياط في 1 صفر سنة 565 هـ، الموافق فيه 25 أكتوبر سنة 1169م.
فأرسل صلاح الدين قواته بقيادة شهاب الدين محمود وابن أخيه تقي الدين عمر، وأرسل إلى نور الدين زنكي يشكو ما هم فيه من المخافة ويقول: «إن تأخرت عن دمياط ملكها الإفرنج، وإن سرت إليها خلفني المصريون في أهلها بالشر، وخرجوا من طاعتي، وساروا في أثري، والفرنج أمامي؛ فلا يبقى لنا باقية»، وقال نور الدين في ذلك: «إني لأستحي من الله أن أبتسم والمسلمون محاصرون بالفرنج». فسار نور الدين إلى الإمارات الصليبية في بلاد الشام وقام بشن الغارات على حصون الصليبيبن ليخفف الضغط عن مصر.
وقامت حامية دمياط بدور أساسي في الدفاع عن المدينة وألقت سلسلة ضخمة عبر النهر، منعت وصول سفن الروم إليها، وهطلت أمطار غزيرة حولت المعسكر الصليبي إلى مستنقع فتهيؤا للعودة وغادروا دمياط بعد حصار دام خمسين يومًا، بعد أن أحرقوا جميع أدوات الحصار.
وعندما أبحر الأسطول البيزنطي، هبت عاصفة عنيفة، لم يتمكن البحارة - الذين كادوا أن يهلكوا جوعًا - من السيطرة على سفنهم فغرق معظمهم.
بعد أن نجح صلاح الدين في أن يجمع مصر وسوريا والحجاز وتهامة والعراق في دولة إسلامية موحدة قوية تحيط بمملكة بيت المقدس والإمارات الصليبية من الشمال والشرق والجنوب، واطمأن إلى وحدتها وتماسكها، انتقل إلى تحقيق القسم الثاني من مخططه السياسي، وهو محاربة الصليبيين وطردهم من البلاد.
وجاءَته الفرصة حين تعرّض أرناط آل شاتيون صاحب الكرك لقافلة غزيرة الأموال كثيرة الرجال فأخذهم عن آخرهم ونهب أموالهم ودوابهم وسلاحهم، فأرسل إليه صلاح الدين يلومه ويُقبح فعله وغدره ويتوعده إن لم يطلق الأسرى والأموال، فلما رفض أرسل صلاح الدين، الذي كان آنئذ في دمشق، إلى جميع الأطراف باستدعاء العساكر لحرب أرناط، وتوجه بنفسه إلى بصرى، ومنها إلى الأردن ونزل بثغر الأقحوان.
وبعد سيطرتة على عسقلان حتى نظم إدارتها وسلمها إلى أحد مماليكه واسمه علم الدين قيصر، وأعطاه ولاية عسقلان والقطاع الذي حولها ورحل منها وتوجه إلى القدس لفتحها، ووصلها يوم الخميس في 11 رجب سنة 583 هـ، الموافق فيه 20 سبتمبر سنة 1187م، من جهة عين سلوان حتى يكون الماء قريب من جيشه وأمر جنده بمحاصرة المدينة في هيئة دائرية.
وصلى المسلمين على الجبل الذي حولها يوم الجمعة، وزحفوا للقتال بعد الصلاة، ولم يكن في المدينة المقدسة قوة كبيرة لحمايتها من الهجوم الأيوبي، حيث لم يزيد عدد الجنود عن 1400 جندي، أما الباقون فكانوا من الفقراء والأهالي الذين لا خبرة لديهم في القتال وكان باليان بن بارزان فارس من فرسان الفرنجة الكبار يسكن مدينة القدس ويتولى شؤونها منذ أن غادرها الملك غي، وكان باليان هذا هو صاحب مدينة الرملة.
وقاد القتال في ذلك اليوم وانضم إليه الكهنة والشمامسة، وكان ماهرًا في إدارة القتال وتوجيه المقاتلين أمام قوات صلاح الدين، وكان خوفه الأكبر أن يقتل المسلمين كل مسيحيي القدس عند دخولهم كما فعل الصليبيون عندما فتحوا المدينة قبل ما يزيد عن قرن من الزمن، فحث السكان أن يدافعوا عن حياتهم ومقدساتهم حتى الرمق الأخير، وعندما أرسل له صلاح الدين أن يسلم المدينة ويطلب الأمان لم يفعل، وأصر على القتال واستمر في الحرب لمدة 14 يومًا.
وقد ابتهج المسلمون ابتهاجًا عظيمًا بعودة القدس إلى ربوع الأراضي الإسلامية والخلافة العباسية، وحضر كثيرون ليسلموا على السلطان ومن هؤلاء الرشيد أبو محمد عبد الرحمن بن بدر بن الحسن بن مفرج النابلسي، الشاعر المشهور، فأنشد صلاح الدين قصيدة طويلة من مائة بيت يمدحه ويُهنئه بالفتح.
وقسّم صلاح الدين دولته قبل وفاته بين أولاده وأفراد من عائلته، فجعل إمارة دمشق لابنه الأفضل نور الدين علي، وهو أكبر أولاده، وأوصى له بالسلطنة، وجعل الديار المصرية لولده العزيز عثمان، وإمارة حلب لولده الظاهر غازي غياث الدين، وترك الكرك والشوبك وبلاد جعبر وبلدانًا كثيرة قاطع الفرات لأخيه العادل، وحماة لابن أخيه محمد بن تقي الدين عمر، وحمص والرحبة وغيرها لحفيد عمه شيركوه، أسد الدين شيركوه بن ناصر، واليمن بمعاقله ومخاليفه في قبضة السلطان ظهير الدين سيف الإسلام طغتكين بن أيوب أخي صلاح الدين.
ولم يلبث الخلاف أن دبّ بين أولاد صلاح الدين، مما جعل عمهم العادل يعزلهم ويقوم بتوحيد البيت الأيوبي تحت رايته. وكما فعل صلاح الدين من قبل، فعل أخوه الملك العادل، فقسّم أراضي دولته بين أبنائه وهو على قيد الحياة، ولكن هؤلاء الإخوة لم يكونوا على وفاق بعد وفاة أبيهم، فكانوا يُحاربون بعضهم بعضًا.
بالرغم من أن الصليبيين كانوا يفيدون من هذا الخلاف، وبعدهم جاء أولادهم، فلم يكونوا خيرًا من آبائهم في صلاتهم فيما بينهم وبين أبناء عمهم، ولكن واحدًا منهم استطاع أن يلمع في ظلام هذا الخلاف، ذلك هو "الصالح أيوب"، حفيد الملك العادل، الذي أعاد توحيد دولة صلاح الدين تحت سلطانه.
ولمّا مات الصالح أيوب تولّى ابنه توران شاه السلطنة، لكن مماليكه ائتمروا به وقتلوه، ثمّ نصبوا زوجة أبيه "شجرة الدر" سلطانة عليهم، وبهذا زالت الدولة الأيوبيّة في مصر وقامت مكانها دولة المماليك.