الفاسدون يتساقطون

فى أسبوع واحد تم ضبط قضيتى فساد من
أكبر القضايا، والتى تستوجب توجيه التحية والشكر للأجهزة الرقابية، التى قامت بدور
كبير فى كشف الفساد من خلال هاتين القضيتين :
القضية
الأولى – والتى تم حظر النشر فيها – قضية الفساد بوزارة الزراعة المتورط فيها وزير
الزراعة المستقيل صلاح هلال ومدير مكتبه فى الحصول على رشاوى من أجل تقنين وضع
قطعة أرض بوادى النطرون مساحتها 2500 فدان لصالح رجل أعمال من خلال وسيط الرشوة
محمد فودة، الذى سبق سجنه فى قضية المستشار ماهر الجندى محافظ الجيزة فى قضية رشوة،
حيث كان يعمل سكرتيرا لوزير الثقافة الأسبق لآنذاك فاروق حسنى.
والقضية
الثانية التى ضبط فيها المهندس حمدى الفخرانى رئيس جمعية مكافحة الفساد متلبسا
بالحصول على رشوة، والذى روج لنفسه خلال السنوات الأخيرة على أنه الرجل، الذى
يواجه الفساد من خلال رفع العديد من القضايا لإلغاء عقود بيع بعض المصانع بين
الدولة والمستثمرين فى عهد الرئيس الأسبق مبارك بدعوى ما شابها من فساد.. كما أنه
صاحب القضية الشهيرة المرفوعة لفسخ عقد "مدينتى" الموقع بين الدولة وبين
شركة طلعت مصطفى .
بداية
يحسب للدولة وللرئيس السيسى أن عهده يشهد تساقط كبار الفاسدين وأن شعار لا تستر
على فساد أصبح فى عهد السيسى ينفذ قولا وفعلا ويكفى أن وزير الزراعة فى سجن طرة
الآن، وهى رسالة للشعب كله ورسالة للفاسدين أيضا بأنه لا حماية ولا تستر على فاسد
مهما كان منصبه أو موقعه أو أى واجهة سياسية أو اعلامية ينفذ من خلالها للرأى
العام ويعتقد أنها سوف تحميه أو تجعله فوق مستوى الشبهات أو تعطيه حصانة من أى نوع
وسقوط حمدى الفخرانى خير دليل على ذلك هذا الرجل، الذى كان يقدم نفسه باعتباره
رمزا لمكافحة الفساد .
وبعيدا
عن استباق الأحداث والتسرع فى اصدار الأحكام قبل أن يقول القضاء العادل حكمه
النهائى فإن كشف هاتين القضيتين كان له مردود كبير على الرأى العام لرجل الشارع فى
مصر الذى شعر لأول مرة فى مصر أنه لا حصانة لفاسد حتى لو كان وزير يجلس على كرسى
الوزارة ولا حصانة أو تستر على فاسد مهما كان موقعه الحالى وأن الأجهزة الرقابية
تعمل بكل حريتها وتؤدى عملها بدون أى توجيهات أو ضغوط كما كان يحدث فى عهود ما قبل
الرئيس عبدالفتاح السيسى .
وللحقيقة
فإن الرئيس أعطى كل الحرية للأجهزة الرقابية للممارسة دورها الذى حدده لها القانون
فى مكافحة الفساد بأشكاله ولا يتدخل من قريب أو بعيد فى عمل هذه الأجهزة، وأعلن
بنفسه هذا الكلام أكثر من مرة.. كما أن الرئيس لا يسمح لأى مسئول فى الدولة أن
يوجه الأجهزة الرقابية أو يتدخل فى عملها لحماية أى فساد أو أى شخصية وهذا الوضع
هو الذى سيعيد للمواطن ثقته الكاملة فى حيادية وشفافية هذه الأجهزة .
ويبقى
العبء على الأجهزة الرقابية والأمنية فى القضاء على كافة أشكال الفساد داخل دهاليز
الدولة، ولعل أهمها الفساد المتربع على أجهزة المحليات.. ورغم أنه فساد صغار
الموظفين إلا أن نتائج هذا الفساد تبدو واضحة على حالة الفوضى التى يعانى منها
شوارع وميادين القاهرة الكبرى .
فساد
المحليات والرشوة يا سادة وراء احتلال معارض السيارات لأرصفة أهم شوارع القاهرة
والجيزة بدون رقيب ولا حسيب ولم يعد للمواطن رصيف يمشى عليه .
فساد
المحليات والرشوة وراء احتلال المقاهى والكوفى شوب أسفل العمارات وأرصفة أكبر
شوارع القاهرة والجيزة
فساد
المحليات والرشوة وراء آلاف أكشاك السجائر المرخصة وغير المرخصة، التى تحتل شوارع
وميادين أرقى أحياء القاهرة فى مصر الجديدة ومدينة نصر والمعادى والزمالك وغدا
تزحف للقاهرة الجديدة فى ظل استمرار الفساد.
لا شك أن العبء كبير على أجهزة الرقابة
وتركه الفساد ثقيلة ومتراكمة منذ سنوات لكن يجب مواجهة الفساد بطرق جديدة وغير
تقليدية تقضى على فساد "الصغار "أيضا لأن نتيجته يعانى منها المواطن فى
حياته اليومية.
وللحقيقة
فإن هذه المواجهة مع فساد الصغار تحتاج تضافر كل أجهزة الدولة وليس الأجهزة
الرقابية فقط وتستلزم أيضا تعديل قوانين وتشريعات لمواجهة هذه الثغرات .
وعلى
سبيل المثال كيف نمنع تماما ظاهرة الموظف الصغير المرتشى من أجل انهاء مصلحة مواطن
هى من حقه.. الأجهزة الرقابية وحدها لا تستطيع ولكن يمكن خلق منظومة جديدة تعتمد
على تطوير الجهاز الادارى وتدعيمه بملايين الشباب خريجى أرقى الجامعات المصرية
ليحلوا محل الموظف التقليدى القديم مع توفير الراتب المناسب، الذى يكفل له حياة
راقية وكريمة على أن يتم تمويل هذه الزيادات فى الرواتب من خلال زيادة رسوم
الخدمات الحكومية بشكل كاف ليدفعها المواطن كرسوم رسمية للدولة بدلا من وصولها
لجيب موظف صغير مرتشى .
كما
أن نجاح الدولة فى إتاحة الخدمات لكل مواطن يريد الحصول عليها تقضى على فساد
المحسوبية والوساطة ولعل أكبر مثال على ذلك تخصيص الأراضى والوحدات السكنية غير
المدعومة التى توفرها الدولة.. فلو استطاعت الدولة أن توفر احتياجات كل المواطنين
الذين يريدون الحصول على قطعة الأرض أو الشقة، طالما سيدفع ثمنها فلن يكون هناك
فساد فى هذا المجال ولكن الدولة بتقاعسها عن توفير احتياجات المواطنين يؤدى
بالمواطن الى السير فى طرق غير مشروعة قانونا للحصول على احتياجاته حتى لو تطلب
الأمر دفع رشوة وتعريض نفسه لمخالفة القانون الدولة
تستطيع أن تقضى على معظم الفساد بمنع أسبابه من الأساس.