«10 أمثال» شعبية اعتاد المصريون عليها.. «حرمها» المتشددون.. و«أباحتها» الإفتاء

عمرو الوردانى:
مقولة «القرش الأبيض ينفع فى اليوم الأسود» إحياء لسنة النبى
«اصرف ما فى الجيب يأتيك ما فى الغيب» دعوة من المصريين بعدم التبذير
«لا بترحم ولا بتسيب رحمة ربنا تنزل» تطبيق لـ«سنتين» من سنن الرسول
«رزق الهبل على المجانين»، و«يا مستعجل عطلك الله»، و«يدى الحلق للى بلا ودان».. أمثال شعبية اعتاد المصريون قولها دائما فى حياتهم اليومية، ولم ينكرها أحد عليهم فى يوم من الأيام، حتى إذا ما تعالت أصوات المتشددين فى مصر أخذوا يكفرون قائلى هذه الأمثال، وأنها تعد إهانة لقدسية الله تعالى وانتقاصا لقدرته عزوجل، وأخذوا يعيبون على المصريين وينتقدون فطرتهم السلمية وأنها جبلت على أقوال تدعوا إلى الشرك والكفر.
وتأتى علينا دار الإفتاء المصرية لتوضح للمصريين حقيقة هذه الأمثال الشعبية التى يقولها المصريون اعتمادا على حسن فطرتهم التى فطرهم الله عليهم، التى تدعوا إلى تمجيده تعالى وعدم الشرك به.
ورصد «صدى البلد» 10 أمثال شعبية يعتاد المصريين على قولها، تعرف على حكمهم الشرعى ومدى إباحة قولهم من عدمه بعد تحريم المتشددين لها.
وقال الدكتور عمرو الورداني، أمين الفتوى ومدير إدارة التدريب بدار الإفتاء المصرية، إن دائما ما يردد المصريين جملة « رزق الهبل على المجانين» وهذا لتعلقهم الشديد بلطف الله تعالى وكرمه بهم.
وأضاف «الوردانى» لـ«صدى البلد»، أن عوام المصريين عندما يرددون هذه الجملة هم يؤكدون للناس مدى ثقتهم فى خالقهم الذى يرزقهم حتى وإن كان الشخص ليس لديه عقل ليكسب قوت يومه فإن جميع الحسابات تسقط أمام حكمة الله تعالى وسعة خزائنة، مستشهدا بقوله تعالى: « إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ».
وأوضح أمين الفتوى ومدير إدارة التدريب بدار الإفتاء المصرية، أنه ليس معنى «رزق الهبل على المجانين» أن الإنسان هو الذى يرزق غيره وإنما جعله الله تعالى سببا ليكون رزقا للآخرين.
وبين أن المصريين عندما يقولون جملة «يا مستعجل عطلك الله» لم يقصدوا بها إنساب الضر إلى الله تعالى أو الإساءة إليه سبحانه بل يقصدون منها أن على الإنسان ألا يتسرع فى أمور حياته، لأن كل شىء مكتوب وقته عند الله والاستعجال لن يغير ما كتبه تعالى على الإنسان.
وأشار إلى أن المصريين بهذه المقولة يعيشون بسنة نبينا محمد –صلى الله عليه وسلم- وذلك عندما قال فى الحديث الشريف: «التَّأَنِّي مِنَ اللَّهِ وَالْعَجَلَةُ مِنَ الشَّيْطَانِ»، منوهاً أن الناس أرادوا أن يلفتوا انتباه من حولهم بأنه إذا أخرك الله عن فعل شىء فإنه يفعل ذلك لينجيك من الشر والسوء عملاً بقوله تعالى: «وَيَدْعُ الْإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنسَانُ عَجُولًا».
وأكد أمين الفتوى ومدير إدارة التدريب بدار الإفتاء المصرية، أن المصريين عندما يقولون الجملة السابقة فهم يغرسون بها داخل نفوس الناس معنى: «أنه لا يكون فى كونه تعالى إلا ما أراد».
ولفت إن مقولة «يدى الحلق للى بلا ودان» التى اعتاد المصريون قولها لم يقصدوا منها اعتراضهم على قدر الله وحكمه، لكن يريدون منها بيانا لقصور الناس عن فهم ظواهر الأشياء وحكمته تعالى فى تقسيم الأرزاق.
ونوه أن المصريين عندما يقولون الجملة السابقة غالباً ما يسبحون بعدها الله تعالى قائلين: «سبحان الله» وكأنهم يطلبون من الله تعالى فهم السبب الذى جعله يعطى لإنسان نعما لم يعطها لأحد آخر، مؤكداً أن رغم قول المصريين تلك المقولة فإن قلوبهم تكون مليئة بالرضا بقدر الله ولم تكن حاجده لنعمه تعالى.
وأكد أن مقولة «لا بترحم ولا بتسيب رحمة ربنا تنزل» التى اعتاد المصريون قولها لم يقصدوا منها أن الشخص الذى اشتد ظلمه على الناس يستطيع أن يمنع رحمة ربنا من أن تنزل على عباده، مؤكداً أن هذه الجملة هى تحذير من الناس للظالمين على ألا يكونوا مانعين لرحمة الله.
وكشف أن المصريين عندما يتكلمون بالجملة السابقة فهم يطبقون بذلك سنتين من سنن سيدنا رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، الأولى: أنه يجب على الناس أن يتبعوا سنة الرحمة والتراحم فيما بينهم، مستشهداً بالحديث الشريف: «الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمْ الرَّحْمَنُ ارْحَمُوا أَهْلَ الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ أَهْلُ السَّمَاءِ».
وتابع: «والسنة الثانية: هى كف الأذى عن الناس أى فإذا لم يستطع الإنسان أن يساعد غيره فليتركه دون أن يؤذيه، مستشهداً بحديث عن أبي ذر رضي الله عنه قال: «قلت: يا رسول الله! أرأيت إن ضعفت عن بعض العمل؟ قال: تكف شرك عن الناس، فإنها صدقة منك على نفسك».
وأشار إلى أن المصريين لا يقصدون إهانة الله تعالى أو أنهم فعلوا كل الأمور الصعبة وتركوا له تعالى بعض الأشياء القليلة التى يفعلها عندما يقولون «عملنا إللى علينا والباقى على ربنا» كما يقول بعض المتشددين.
واستطرد: «أن المصريين عندما يقولون الجملة السابقة فإنهم يطبقون بذلك سنة نبى الله شعيب التى ذكرها تعالى فى كتابه العزيز حكايةً عنه –عليه السلام-: «إِنْ أُرِيدُ إِلا الإصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلا بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ»، أى أن الإنسان لا يستطيع أن يفعل شيئا فى هذه الدنيا دون توفيق الله له فعلى الإنسان أن يأخذ بالأسباب ثم يترك التوفيق والنجاح فى الدنيا له تعالى».
وألمح أن ما يردده بعض العوام من الناس عندما يتعرضون لضوائق مالية من جملة: «اللى يحتاجه البيت يحرم على الجامع» ، لا يقصدون منها الحرمة الشرعية، لكن أرادوا أن يبينوا للناس أنه يجب على المسلم أن يعتنى بأهل بيته الذين سيسأل عنهم أمام الله يوم القيامة، وأن إنفاق الأموال على أهل البيت مرجح على إنفاقه فى بناء الجوامع والصدقات.
وأفاد: «أن المصريين عندما يرددون تلك المقولة فإنهم يتعايشون بذلك مع سنة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- عندما قال فى حديثه الشريف: «أَفْضَلُ دِينَارٍ يُنْفِقُهُ الرَّجُلُ دِينَارٌ يُنْفِقُهُ عَلَى عِيَالِهِ»، وقوله: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي».
وبين إن مقولة «العبد في التفكير والرب في التدبير» مثل عامي مصري شهير، يُقصد به أن العبد عليه أن يفكِّر ويخطِّط ويأخذ بالأسباب، ثم لا يقلق ويترك على الرب أن يدبِّر له الطريق والوسيلة لتنفيذ ما خطّط، مضيفا أن الشق الأول في المثل يدل على التفكير وهو أمر جيد، فالعقل نعمة امتاز بها بنو آدم كما قال تعالى: «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا».
وتابع: «أما الشق الثاني في المثل فيؤكد الاعتماد على الله سبحانه وتعالى في تدبير الأمور فهو الرازق والمعطي، كما قال تعالى: «وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا».
وأشار أمين الفتوى، إلى أن هذه المقولة تشعر المؤمن بالراحة وعدم الخوف على رزقه، وينفي العبد بهذا المثل القدرة على فعل أي شيء سوى التفكير فقط، فالمصريين حينما يفكرون يأخذون بالأسباب، فهذه المقولة تدل على إيمانهم بما أنزل الله عز وجل.
وقال إن مقولة «القرش الأبيض ينفع فى اليوم الأسود» الذى دائما ما يقولها المصريون حتى ينصحون الآخرين بالادخار هى ليست سبًا للدهر كما يظن الكثير من الناس، موضحا أن المصريين يقصدون بـ«اليوم الأسود» هو اليوم الشديد الصعب الذى قد يكثر فيه المصائب على الإنسان.
وأكد «الوردانى» أن المقولة السابقة تدل على عمل المصريين بسنة سيدنا رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، مستشهدا بالحديث الشريف «خذ من صحتك لمرضك ومن فراغك لشغلك»، موضحا أن الإدخار كان سنة من سنن سيدنا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فقد كان يدخر قوت سنته.
ولفت أن مقولة «اصرف ما فى الجيب يأتيك ما فى الغيب» التى اشتهر المصريون بقولها هى ليست دعوة للتبذير والإسراف كما يظن البعض من الناس وإنما هى فى الحقيقة دعوة صريح لعدم البخل وللتوكل على الله تعالى.
وشدد أن المصريين عندما يقولون تلك المقولة فهذه ليست مخالفة لشرع الله بل هى يقين منهم بأن كل إنسان له رزقه الذى قدره الله له فى السماء فيصرف ما لديه من أموال ليتذوق حلاوة الرزق عندما يأتيه من عند الله تعالى.
وأوضح أن المقوله السابقة تدل على عمل المصريين بكتاب الله تعالى وسنة رسوله الكريم، مستشهدا بقوله تعالى: « وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ»، وبقول الرسول –صلى الله عليه وسلم-: « لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا»، مشيرا إلى أن المصريين يشعرون بأن معرفة الله لذة ومتعة كبيرة وأنه سبحانه يسر أسباب معرفته وجعلها كثيرة لاتحصى ولا تعد حتى تكثر لذة العباد فى المعاملة معه تعالى.
وأضاف أن العقل هو وسيلة من وسائل معرفة الله تعالى ولذلك يردد المصريون دائما جملة «ربنا عرفوه بالعقل»، مستشهدا بقوله تعالى: « إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ»، لافتا أن معنى كلمة «الألباب» فى الآية السابقة هى العقول، أى أن معرفة الله تعالى تستوجب علينا إعمال عقلنا حتى نتذوق حلاوة معرفته سبحانه.